هل يكفي أن تطالب الجزائر فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن مذبحة واحدة؟

حجم الخط
0

هل يكفي أن تطالب الجزائر فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن مذبحة واحدة؟

محمد خليفةهل يكفي أن تطالب الجزائر فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن مذبحة واحدة؟ دعا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في رسالة نشرتها وسائل الإعلام الجزائرية، فرنسا إلي الاعتراف بدورها في المذابح التي ارتكبتها القوات الفرنسية ضد الشعب الجزائري في 8 أيار/مايو 1945، والتي أدّت إلي استشهاد 45 ألف جزائري كانوا يتظاهرون للمطالبة بالاستقلال عن فرنسا في عدّة مدن جزائرية. وهذه هي المرة الأولي التي تطالب فيها الجزائر فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن مجازر اقترفتها بحق الشعب الجزائري خلال استعمارها الطويل للجزائر من عام 1830 حتي عام 1962، بل ربما هذه هي المرة الأولي التي تطالب فيها دولة كانت مستعمرة فرنسية، فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن ما جري خلال حكمها الاستعماري لها.ولا شك أن التركة الاستعمارية الفرنسية ما تزال من دون تصفية، شأنها في ذلك شأن التركة الاستعمارية البريطانية. ذلك أن شعوب العالم الثالث التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي فيما سبق من الزمن، ما تزال تابعة بشكل أو بآخر لفرنسا التي ما تزال قوة كبري في عالم اليوم، فهي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعضو في نادي الكبار الإمبرياليين السبعة، وهي ما تزال تدعي أن استعمارها لشعوب العالم الثالث كان بهدف تحضيرها لا أكثر. ومن أجل إقناع هذه الشعوب وإقناع العالم بوجهة نظرها هذه، قامت بإنشاء ما يسمي منظمة الفرانكوفونية التي تضم عشرات الدول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وكل هذه الدول خضعت للاستعمار الفرنسي وكلها فرضت عليها اللغة الفرنسية بهدف فرنستها حتي أصبح هناك الآن دول ناطقة كلياً بالفرنسية ولاسيما في أفريقيا السوداء، ولا تريد فرنسا مطلقاً الاعتراف بمسؤوليتها عن استعمار واستغلال الشعوب لأن مثل هذا الاعتراف سيكلفها غالياً، لأنه سينتهي إلي اضطرارها للقبول بتعويض الشعوب المستعمرة عن سنوات طويلة خضعت خلالها للنهب الاستعماري الفرنسي. ولا شك أن فرنسا في غني عن ذلك، ولن تستطيع دول العالم الثالث الضعيفة أن تجبرها علي الإقدام علي هذه الخطوة. وتأتي هذه الدعوة الجزائرية الخجولة وكأنها صيحة في واد، لأن الجزائر لم تطالب في دعوتها هذه فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن عشرات المجازر التي ارتكبتها بحق الشعب الجزائري خلال استعمارها الطويل للجزائر، بل طالبتها بالاعتراف فقط بمسؤوليتها عن مجزرة واحدة وقعت في نهاية الحرب العالمية الثانية. وتتلخّص وقائع هذه المذبحة أنه بينما كان العالم يحتفل بانتهاء الحرب العالمية الثانية في 8 أيار/مايو 1945، نظّم الجزائريون بهذه المناسبة مظاهرات خرجوا يهتفون فيها للجزائر الحرّة، ويطالبون بحق تقرير المصير، وفي مدينـة اسطيـف رفـع المتظاهـرون علم الجزائر الذي كان يرفعه الأمير المجاهد عبد القادر في ثورته التي امتدت من عام 1832 حتي عام 1844، فهبَّ المستوطنون الفرنسيون مع رجال الشرطة والجيش لقمع تلك المظاهرات الوطنية، وعمدت السلطات الفرنسية إلي التنكيل بالجزائريين بكل وحشية في كثير من المدن وبخاصة في مدينة قسنطينة حيث جرت مذبحة جماعية، وشاركت جميع الأسلحة من برية وجوية وبحرية بقصف المدن والقري، وشارك المستوطنون في جميع هذه الأعمال بوحشية يندر مثيلها، حتي بلغ عدد ضحايا هذه المذابح نحو 45 ألف قتيل، ورافق ذلك اعتقال الآلاف من أبناء الجزائر، وإعدام العشرات منهم، كما أعلنت الأحكام العرفية، واستمرت أعمال العنف والتنكيل بالشعب الجزائري الأعزل من السلاح، بينما شكّل المستوطنون ميليشيات مسلحة تابعت عمليات القتل والإجرام. ولم تحرّك هذه المذابح ساكناً لدي فرنسا أو المجتمع الدولي، وكأن الذين قتلوا ليسوا بشراً، وكان يفترض بفرنسا التي عانت من الاحتلال الألماني لها من عام 1940 حتي آب/أغسطس عام 1944 أن تعرف معني الألم، وأن تستمع لأنّات المظلومين. لكنها عوضاً عن ذلك عادت إلي سابق عهدها في الاستعباد، ونسيت أنها تحوّلت إلي قوة ثانوية في العالم أمام القوة الأمريكية الصاعدة. وضغطت عليها الولايات المتحدة للقيام بتصفية استعمارها في العالم الثالث، ومنه العالم العربي، فاستقلت سورية ولبنان عن فرنسا عام 1946، واستقلت تونس عام 1956 والمغرب وموريتانيا عام 1958، وظلّت فرنسا تتمسك بالجزائر وتعتبرها أرضاً فرنسية. إلاّ أن ثورة التحرير الجزائرية التي اندلعت عام 1954، أجبرت فرنسا في النهاية علي القبول، باستقلال الجزائر عام 1962، لكن بعد أن كان قد استشهد نحو مليوني جزائري في حرب التحرير هذه. وليت الجزائر لا تكتفي بمطالبة فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن مذابح عام 1945، بل ليتها تطالبها كذلك بالاعتراف بمسوؤليتها عن كل الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الجزائري منذ استعمارها للجزائر عام 1830 وحتي خروجها منها عام 1962، وليتها تطالبها بدفع تعويض للشعب الجزائري عن كل ما تعرّض له من مذابح وإذلال.ہ كاتب من الإمارات 8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية