هل يحتمل جيب يهودي في أراضي الدولة الفلسطينية؟

حجم الخط
0

وفاة الحاخام مناحيم فرومان قبل نحو شهر مس شغاف قلوب الكثيرين ممن ينتمون الى جماعات مختلفة بل ويقفون في اقطاب متباعدة من ناحية ايديولوجية.
لقد كان الحاخام رمزا لسعي ابداعي وعميق نحو السلام، من دون تحفظ أو خوف. حركة ‘بلاد السلام’ التي جمعت الشباب الذين يؤمنون بها تقترح في التسوية السلمية، ان يتخلى المستوطنون الراغبون في ذلك عن جنسيتهم الاسرائيلية ويتبنوا الجنسية الفلسطينية على أن يبقوا في اماكنهم. في نظرهم، أقلية يهودية ستضمن الديمقراطية في الدولة الفلسطينية.
في الجولات السابقة من المفاوضات السياسية على التسوية الدائمة، طرحت هذه الامكانية من جهة المتفاوضين الفلسطينيين بالذات. ‘أهلا وسهلا’، قالوا لمحادثيهم الاسرائيليين، ودعوا كل من يرغب بذلك ان يصبح مواطنا فلسطينيا.
اخلاء مكثف للمستوطنات التي تقع خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، حيث يسكن نحو مائة الف نسمة، سيكون مطلوبا اذا ما طُلب من حكومة اسرائيل أو سعت هي نفسها الى تطبيق عملي لمبدأ ‘الدولتين للشعبين’. في كل سيناريو انفصال عن الفلسطينيين كنتيجة للاتفاق او لقرار ذاتي من اسرائيل، اخلاء للمستوطنات التي خارج المراكز الاستيطانية الكبرى. ويدور الحديث عن اعادة انتشار وطني صعب وباعث على التحدي والصدمة من ناحية انسانية ومجتمعية واشكالي من ناحية سياسية.
كل صيغ التسوية الدائمة ستفترض، مع تطبيقها، اخلاء المستوطنات التي ستبقى خلف هذا الخط وفيها كما هو معروف عشرات الاف الاشخاص. المصاعب واضحة. يمكن التغلب على معظمها بتخطيط وطني مسبق للاخلاء، التعويض المناسب، الخطاب الداخلي الذي يرص الصفوف في اسرائيل، التشريع المناسب وخطة استيعاب شاملة وعاطفة. اضافة الى ذلك، فان اخلاء عشرات الالاف من منازلهم وبلداتهم، بما في ذلك الاخلاء بالقوة لمن يرفضون الاخلاء لامر من الحكومة هو مهمة صعبة للغاية على الدولة، قد تصل الى سفك دماء وحرب الرجل مع أخيه.
من هنا الحاجة الى فحص أفكار اخرى ايضا كفيلة بتقليص عدد الاسرائيليين الذين يعيشون خلف الحدود النهائية لدولة اسرائيل، وتكون حاجة لاخلائهم كما اسلفنا. على هذه الخلفية طرحت فكرة فحص امكانية بقاء بلدات يهودية في نطاق الدولة الفلسطينية، حين تقوم، شريطة أن تكون في اطار ظروف التسوية الدائمة التي تنهي النزاع.
ويعترف الكاتبان بان النموذج المقترح يبدو غير عملي على نحو ظاهر، أولا وقبل كل شيء من الجانب الامني، ولمسؤولية الدولة على أمن كل سكانها ومواطنيها في نطاق الدولة وخارجها. ومع ذلك، فان هذا المقال سيقدم تحليلا أوليا لهذه الامكانية دون أن يعرب عن الرأي بشأن احتمالها السياسي الداخلي أو الخارجي.
الفكرة ليست مميزة: الخريطة السياسية العالمية تعرض نحو ثلاثمائة جيب اقليمي في أرجاء المعمورة. نحو مائتين من هذه الجيوب توجد قرب الحدود بين الهند وبنغلادش. نحو عشرين جيبا يوجد على الحدود بين هولندا وبلجيكا، والباقي في مناطق مختلفة في اوروبا وفي آسيا.
الجيب الاقليمي هو أرض سيادية لدولة ليس له رابط بري مع الارض الاساس للدولة، وهو محوط بكامله بارض برية لدولة اخرى. توجد جيوب اقليمية تقع في اراض واسعة تمتد الى الاف الكيلومترات المربعة، ولكن معظم الجيوب صغيرة بضعة كيلومترات مربعة بل واقل. في معظم الحالات لا توجد مشكلة للانتقال من الجيب الى الدولة الام، ولكن احيانا يتم العبور في ظل اجراء اداري مركب.
يمكن الحديث عن ثلاثة أصناف: جيوب اسرائيلية داخل الارض الفلسطينية؛ بلدات اسرائيلية بحكم ذاتي تحت سيادة فلسطينية؛ وبلدات يهودية في اراضي الدولة الفلسطينية دون مكانة خاصة.
المستوطنات الاكبر اريئيل، معاليه ادوميم، افرات، كريات أربع، والتي تعد عشرات الاف السكان تبقى في السيادة الاسرائيلية الكاملة كجزء من دولة اسرائيل، وسكانها يبقون مواطنين اسرائيليين.
العبور الى هذه البلدات ومنها الى باقي اراضي دولة اسرائيل يتم في محاور سير متفق عليها، والحركة فيها تكون حرة من دون أي رقابة من جانب الدولة الفلسطينية. السكان في هذه البلدات معا يبلغ عددهم اليوم 69 ألف نسمة وعموم الارض المبنية في هذه البلدات يقع في 7.700 دونم. هذه الارض ستؤخذ بالحسبان عند البحث في تبادل الاراضي بين دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية. وفي حالة بقاء افرات ومعاليه ادوميم في نطاق دولة اسرائيل كجزء لا يتجزأ من الحدود الدائمة، فالحديث يدور فقط عن اريئيل وكريات أربع كجيبين اقليميين يضمان نحو 25 الف نسمة في ارض مبنية على نحو 3.500 دونم.
حسب النموذج المدروس هنا، فان عشر بلدات متوسطة في كل واحدة منها 2000 7000 نسمة، بيت ايل، عوفرا، عمانويل، كفار ادوميم، كوخاف يعقوف، عاليه، كدوميم، تلمون، كرنيه شومرون وشيلو، ستكون في اراضي الدولة الفلسطينية وفي سيادتها ولكن ستدار كحكم ذاتي بكل معنى الكلمة. كل اسرائيلي يقرر أن يبقى للسكن في هذه البلدات يحتفظ بجنسيته الاسرائيلية، والبلدات تدير حياتها بنفسها في كل المجالات البلدية الاجتماعية الادارية كالتعليم، الرفاه، الصحة وما شابه.
واجمالي السكان في هذه البلدات نحو أربعين الف نسمة، والارض المبنية لهذه البلدات تصل الى 8.500 دونم.
سكان بلدات صغيرة ومنعزلة نحو 65 بلدة وفيها نحو 36 الف نسمة ممن يقررون البقاء في منازلهم يمكنهم أن يحتفظوا بالجنسية الاسرائيلية بل وان يضيفوا اليها جنسية فلسطينية. وتكون البلدات في السيادة الكاملة للدولة الفلسطينية.
ويحتفظ بحق الملكية لهم على أملاكهم الخاصة وعلى الارض العامة في البلدة، ولكن في كل باقي المواضيع، بما في ذلك حق الانتخاب، فسيكونون مواطني الدولة الفلسطينية. السكان الذين يبقون في هذه البلدات يكونون خاضعين لسيادة الدولة الفلسطينية وقوانينها، مثلما هم عرب اسرائيل يخضعون لسيادة دولة اسرائيل.
مساحات هذه البلدات لا تؤخذ بالحسبان عند البحث في تبادل الاراضي بين اسرائيل والدولة الفلسطينية.
اذا ما تحققت تسوية حسب المبادئ المطروحة هنا في اطار الاتفاق الدائم، فانها كفيلة بان تضمن استمرار وجود قسم من البلدات اليهودية من دون حاجة الى اخلائها الاكراهي.
الخيار في البقاء في المنازل والبلدات يعطى للسكان انفسهم. ويمكن التقدير بانه على مدى الوقت، بعض هؤلاء السكان وربما معظمهم سيختارون العودة الى دولة اسرائيل طواعية، في ظل الحصول على التعويض عن الملك الخاص الذي يبقى في البلدات التي يتركونها، والاخرون يبقون حسب ارادتهم في نطاق الدولة الفلسطينية، حسب النماذج المقترحة. ويتم هذا العمل من دون إكراه ومن دون استخدام للقوة ويمتد على مدى زمن طويل.
جانب ايجابي آخر هو ان اراضي الجيوب ستكون مقلصة بالنسبة للاراضي الواسعة للكتل الاستيطانية التي تبحث حتى اليوم. وخلق الجيوب سيقلص الحاجة الى ‘اصابع’ اقليمية باتجاه كريات أربع، اريئيل وعمانويل. وهكذا يكون اسهل ايجاد اراض بديلة تنقل الى الدولة الفلسطينية في اتفاق السلام. مساحات باقي البلدات في الصنف الثاني (الحكم الذاتي) والثالث (الاقامة والمواطنة) ستكون تحت سيادة الدولة الفلسطينية وهكذا لن تكون حاجة الى ‘دفع ثمن’ لقائها بارض من غربي الخط الاخضر.
ومع ذلك، هناك تخوف واضح من احتكاكات ومواجهات بين اراضي الجيوب وبين محيطهم الفلسطيني احتكاكات قد تتطور الى اوضاع مواجهة علنية بقوى عالية. ولهذا يجب التفكير مسبقا إذ يعتقد خبراء كثيرون بان الفكرة غير قابلة للتطبيق على الاطلاق الا في واقع السلام الكامل.
لقد دعا الرئيس كلينتون في حينه الطرفين الى التفكير، فضلا عن خط الحدود السيادي، بتسويات اقليمية ابداعية وبعيدة المدى ايضا. في ظروف التسوية الدائمة، لا يمكن الاستبعاد التام لاحتمالية التوافق ايضا على الفكرة موضع البحث هنا.
مطلوب بالطبع تفكير معمق آخر في الجوانب السياسية، الامنية والعملية بالنسبة للجيوب الاقليمية.

نظرة عليا 11/4/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية