هذه البذاءة.. مرة أخري!

حجم الخط
0

هذه البذاءة.. مرة أخري!

جواد البشيتيهذه البذاءة.. مرة أخري! قبل نحو ثلاثة أشهر، وتحت عنوان هذه البذاءة في التهجم علي النبي العربي! ، كتبتُ الآتي: فالذي أريد قوله هو أنني زرتُ عشرات المواقع التي تتهجم علي الإسلام والقرآن والنبي محمد. وتهجمها ليس فيه من المحتوي الفكري والمفردات والعبارات ما يحملنا علي النظر إليه علي أنه من نمط الانتقاد الفكري الموضوعي، وكأن حرية التعبير عن الرأي ووجهة النظر هي حرية السب والشتم والتطاول علي الحقائق الموضوعية، وكأن المتهجمين يفهمون الحرية علي أنها تجاوز كل الحدود، التي بعضها لا يمكنك أن تتجاوزه من غير أن تتجاوز، في الوقت نفسه، حدود الحقيقة. ورأيتُ في المواقع الإسلامية المضادة فشلا فكريا في الدفاع عن النبي العربي والإسلام، فلم أرَ من الدفاع أو الرد إلا ما هو من قبيل قال تعالي.. أو جاء في الحديث النبوي.. والمدافعون فشلوا في إدراك الأبعاد الحقيقية لهذا التهجم الإلكتروني علي شخصية النبي العربي، وعلي كثير من أركان الفكر الإسلامي. إن هذا التهجم، المفعم بالبذاءة، مع مواقعه التي تُعد بالمئات، هو جزء من تلك الحرب الفكرية التي توعدتنا بها إدارة الرئيس بوش .كاردينال في الفاتيكان هو اشيلي سيلفستريني أوضح تلك الحدود التي ينبغي لكل المنادين بحرية التعبير عدم تجاوزها إذا ما أرادوا لهذه الحرية أن تظل قيمة ديمقراطية عظمي، فقال: يمكننا أن نتفهم السخرية من كاهن.. وعندما يتعلق الأمر بالإسلام يمكن تفهم السخرية من عادات وسلوك، ولكن ليس من القرآن أو الله أو النبي. السخرية مسيئة إذا ما جرحت مشاعر الجماعات وأقدس رموزها. نحن لا نتحدث هنا عن أقل من حرية السخرية التي تؤذي مشاعر شعوب رأت رموزها المقدسة تهان ويُسخر منها. إن علي الثقافة الغربية أن تدرك حدودها .انه صوت العقل هذا الذي سمعناه من هذا الكاردينال، والذي لم يقع علي أسماع تشبه سمعه حتي عندنا، فبعض الحمقي.. الحمقي في المهنة، والفكر والسياسة، وفي فهم سيكولوجيا ومشاعر أبناء جلدتهم، جهلوا، أو تجاهلوا، أن الإسلام يُحرِّم تصوير النبي ولو بأحسن تصوير، فكيف إذا قمنا نحن بإعادة نشر رسوم مسيئة له، وليس من دافع لها سوي السخرية منه، وإظهاره علي أنه محب لكل ما يتنافي مع القيم الحضارية والإنسانية؟!يمكننا وينبغي لنا أن نسأل عن سبب هذا التأخر الإسلامي، الشعبي والحكومي (نحو خمسة شهور) في الرد والغضب. يمكننا وينبغي لنا أن نسأل: لماذا الآن؟ . ولكن السؤال يصبح مغرضا إذا ما كانت غاية السائل هي تشكيك ملايين الغاضبين في جدوي غضبتهم التي نحتاج إليها أكثر من احتياجنا إلي رغيف الخبز، فالجنون لم يأتِ من عندنا حتي يُقال يا مسلمي العالم اتحدوا! . ونعلم أن الإساءة الدنماركية ليست الأولي، ولن تكون الأخيرة. علي أن ذلك لا يبرر أن نقف منها موقفا انهزاميا كما وقفنا من قبل، فالعدول عن الخطأ فضيلة. وهذه الفضيلة، أي الغضبة، هي خير دواء لداء الجنون الغربي المتدثر بحرب الأفكار، وصراع الحضارات.وهذه الحماقة لا تحمي صاحبها بقول من قبيل إن الغضب الشعبي يُفسِد جهودا بُذلت لإقناع رئيس تحرير الصحيفة الدنماركية بالاعتذار، وقد اعتذر، علي ما زُعم، ولكن اعتذاره المزعوم لم يُسمع؛ لأن ثمة مصالح سياسية غير دينية تدفع إلي المضي قُدما في الحرب علي الدنمارك العزيزة! وشعوبنا ليست مضطرة إلي المفاضلة بين الإساءة الدنماركية وجرائم الزرقاوي، فهؤلاء الذين وقفوا ضد تلك الإساءة هم أنفسهم الذين وقفوا ضد هذه الجرائم، فشعوبنا تعرف أن الإساءة الدنماركية والزرقاوي هما وجهان لعملة واحدة، وتقف، بالتالي، ضدها وضده علي قدم المساواة. إنها الحماقة بعينها أن يُصوَّر الغضب علي الدنمارك علي أنه خدمة للزرقاوي ولمن هم علي شاكلته.لو لم تكن الحماقة، التي تكمن فيها مصالح شخصية تافهة، هي كل متاعهم الفكري لأدركوا أن الحرب علي كل من يسيء إلي النبي العربي هي جزء لا يتجزأ من الحرب التي ينبغي لنا خوضها ضد أهل التكفير عندنا، فالذي لا يقف ضد هذا التطاول علي المشاعر الدينية لشعوبنا الإسلامية، والذي لا مكان له في القيم والمبادئ الديمقراطية، لا يحق له أبدا أن يدعي الحرص علي مكافحة شرور التيار التكفيري، الذي هو، في معني من معانيه، مُنتَج من أهم المنتجات الدنماركية والغربية. في حرية التعبير، نقر بأن لذوي الثقافة الغربية حقاً في أن يعبِّروا عن وجهات نظر وآراء ضد الجهاد، وتعدد الزوجات، وضد كل ما يشتمل عليه المحتوي الفكري للإسلام. ونقر، أيضاً، بأن واجب المدافعين عن الإسلام أن يحاوروا ويجادلوا هذا الآخر بالتي هي أحسن من غير أن يعللوا أنفسهم بأن أسلمة الآخر يجب أن تكون غاية الحوار والجدل. هذه هي الموضوعية في إظهار الخلاف والاختلاف. ونحن جميعا نعرف أن الإسلام في عهد الرسول كان في وجه من أهم وجوهه حواراً مع الآخر، المشرك والكافر، ولولا هذا الحوار، الذي كان بالتي هي أحسن، لما تمكن الإسلام من إظهار وتأكيد تفوقه الفكري، ولما انتشر ذلك الانتشار السريع والواسع. علي أن حرية التعبير تفقد معناها ومنطقها إن هي مورست علي الطريقة الدنماركية، فما نفعها، وما جدواها، إن هي أفضت، وقد أفضت، إلي خسارة معركة كسب العقول والقلوب ؟!حرية التعبير يمكن ويجب أن تستفز عقل الآخر، ولكنها لن تظل محتفظة بماهيتها إذا هي استفزت، وجرَّحت، مشاعر الآخر، ومشاعره الدينية علي وجه الخصوص. وإننا لا نحتاج إلي دليل علي أن الصحيفة الدنماركية لم تمارس حرية التعبير، فيكفي أن تمارَس حرية التعبير علي أنها حرية السب والشتم، وحرية السخرية من الرموز الدينية المقدسة، وحرية التجريح للمشاعر الدينية لنحو مليار وربع المليار مسلم، حتي يُصاب مقتلا من حرية التعبير ذاتها.ونحن لا نحتاج، أيضا، إلي إقامة الدليل علي أن مثيري الحروب الدينية، وصراع الحضارات، إنما يستهدفون، في المقام الأول، حجب أهدافهم ومصالحهم ودوافعهم الدنيوية بقنابل دخان هي الصراع الديني. ولا شك في أن إسرائيل وفريق المحافظين الجدد في الولايات المتحدة هما اللذان توفرا علي صنع هذه القنابل، التي تولت تلك الصحيفة الدنماركية تفجير إحداها، فالشجرة في الدنمارك يجب ألا تحجب الغابة عن بصرنا وبصيرتنا. وهذا يُلزمنا ألا نصدِّق الرئيس بوش وقد برز في ثياب المنتقدين، إذ وصف ما اقترفته الصحيفة الدنماركية بأنه تحريض علي الكراهية الدينية. ويُلزمنا، أيضا، ألا نُظهر غضبتنا المحقة والعادلة والضرورية، والتي لا بد من المضي فيها قُدما، علي أنها موقف شعبي إسلامي ضد القيم والمبادئ الديمقراطية، وضد حرية التعبير علي وجه الخصوص، فرئيس تحرير الصحيفة النرويجية التي أعادت نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة اعتذر كاعتذار ذلك الذي قال ولكنها تدور! . في اعتذاره المريب قال: لقد تلقيت عشرات التهديدات بالقتل. إنه ليوم مرعب الذي يضطر فيه صحافي إلي التراجع عن حرية التعبير . إنه يريد أن يُظهر الغضبة الشعبية الإسلامية علي الإساءة الدنماركية إلي حرية التعبير، والتي من خلالها، أي من خلال هذه الإساءة، أُسيء إلي النبي العربي، علي أنها محاولة لإعادة أوروبا إلي ظلمة العصور الوسطي ليس من خلال الكنيسة هذه المرة وإنما من خلال الجامع! إننا، في مستهل الألفية الثالثة، نحتاج إلي السخرية، ولكن ليس من النبي العربي، وإنما من تلك الأوهام التلمودية، التي بموجبها اتخذ الرب قبائل بني إسرائيل، الذين عرفوا كيف يظلون في خارج التاريخ وبمنأي عن تأثير الحضارة، شعبا له، وفضَّلهم علي سائر البشر والشعوب، والتي بموجبها، أيضا، منحهم أرضا ليست لهم ليقيموا فيها دولة الوعد الرباني.ونحتاج إلي السخرية من هذا التهويد للعقل الغربي، والذي بسببه غدا كل اعتراض علي الرواية اليهودية والصهيونية والإسرائيلية للمحرقة النازية تطاولا علي قدس الأقداس ليس عند اليهود وإنما عند العالم المتحضر الديمقراطي!أليست سخرية من العقل والعلم والحضارة أن يظل الموتي القدامي من بني إسرائيل يحكمون الأحياء في الغرب بسيف الأوهام التلمودية؟! كاتب ومحلل سياسي فلسطيني ـ الاردن8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية