هاوية صقلت موهبتها في المسرح وصنعت مجداً سينمائياً ولا تزال ملكة تتألق علي الفضائيات العربية
مني واصف تشارك في لجنة تحكيم مهرجان مسقط السينمائي:هاوية صقلت موهبتها في المسرح وصنعت مجداً سينمائياً ولا تزال ملكة تتألق علي الفضائيات العربيةدمشق ـ القدس العربي ـ من أنور بدر: كلما كبر الفنان بالعمر كلما قلت فرص النجومية أمامه، أو قلت أدوار البطولة بالنسبة له، لكن النجوم الكبار يكونون أبطالاً حقيقيين في كل الأدوار التي يلعبونها مهما كانت مساحة الدور ومهما بلغ بهم العمر.وفي سورية نجوم كبار تألقوا قرابة نصف قرن، وما زالوا، وصنعوا نجوميتهم الحقيقية رغم افتقادنا لصناعة النجوم، صنعوها بغياب شركات الإنتاج وبغياب الدعاية والإعلان، صنعوها بجهدهم ومثابرتهم، صنعوها بحبهم للتمثيل وشغفهم الكبير بكل ما يقدمونه، وإن كنا نذكر في هذا السياق الفنان خالد تاجا وأسعد فضة ونبيلة النابلسي، فإننا سنتوقف مع الملكة حصراً.الملكة في الدراما السورية وقبلها في السينما والمسرح كانت وما تزال الفنانة القديرة مني واصف، التي تألقت عام 1960 في أول أدوار البطولة التي أسندت إليها ـ ولم تكمل ربيعها العشرين بعد ـ حين افتتحت أول عروض المسرح العسكري بمسرحية العطر الأخضر ، وكانت من إخراج الراحل محمد شاهين قبل أن تتوطد علاقتها به ويتزوجا. ولدت مني واصف في دمشق عام 1942، ونمت في حضن والدتها المطلقة والتي تزوجت ثانية، مما اضطرها للبحث عن عمل، وكانت فرصتها كعارضة في أحد دور الأزياء المنتشرة في دمشق تلك الفترة، وحين دخلت المسرح العسكري كهاوية لم يكن في سورية معاهد لدراسة التمثيل أو الفن، وكان النجاح يعني الاجتهاد الشخصي، والبحث عن مصادر المعرفة وتثقيف الذات. انتقلت مني واصف من المسرح العسكري إلي جماعة الأدب الدرامي عام 1964، ثم المسرح القومي، وتركت فيه رصيداً ينوف عن (25) مسرحية لأهم كتاب المسرح العالمي والعربي، من شكسبير وغوغول وناظم حكمت وموليير إلي الفريد فريج وسواه. وكان آخر عرض مسرحي لها حرم سعادة الوزير الذي أعيد عرضه عام 1990، حين أيقنت أن إمكانيات تألقها كملكة علي خشبة المسرح قد تضاءلت، لكنها في هذه الأثناء كانت قد أسست لنفسها رصيداً في السينما والتلفزيون يحسدها عليه كبار الفنانين. ففي السينما قدمت مجموعة من المشاركات في سينما القطاع الخاص حتي عام 1969، ثم قطعت معها وتفرغت لأفلام المؤسسة العامة للسينما ـ القطاع العام ـ فبلغ مجموع الأفلام التي شاركت فيها (28) فيلماً، لعبت في معظمها دور البطولة منذ فيلم الأبطال يولدون مرتين و الاتجاه المعاكس حتي ثلاثية الروائي حنا مينة بقايا صور من إخراج نبيل المالح و الشمس تشرق في يوم غائم و آه يا بحر من إخراج زوجها الراحل محمد شاهين. لكن أجمل أدوارها في السينما والتي نقلتها إلي العالمية كانت مع المخرج الراحل مصطفي العقاد في فيلم الرسالة حيث لعبت دور هند في النسخة العربية من هذا الفيلم. وأذكر في مهرجان دمشق السينمائي الأخير، حين اعتلت المنصة لتكريم العقاد الذي قضي مع ابنته وآخرين في حادث تفجير إرهابي بأحد فنادق عمان، فأبكت الجميع وهي تزغرد له كما يُزغرد للشهداء.وإن كانت تشارك مؤخراً في لجنة تحكيم مهرجان مسقط السينمائي الأول، فهي قد شاركت في العديد من لجان التحكيم العربية والدولية، كما سبق وكرّمت في سورية ومصر وتونس ولبنان والجزائر والأردن. كما شغلت منصب نائب رئيس نقابة الفنانين في سورية ما بين عامي (1995 ـ 1991)، وترشحت لعضوية مجلس الشعب الهيئة التشريعية في سورية لكنها خسرت لأسباب لسنا في واردها. إلا أنها عينت مؤخرا من قبل الأمم المتحدة سفيرة للنوايا الحسنة.وإن كانت فرصها في المسرح والسينما قد تضاءلت، فإنّ الملكة ما زالت تتألق سنوياً علي الفضائيات العربية، وليس مصادفة أنّ حضورها الجميل سنويا يتجاوز الخمسة مسلسلات. إذ شاركت العام المنصرم في العديد من حلقات مسلسل أمهات مع المخرج سمير حسين، وكسرت حاجز الصمت مع المخرج يوسف رزق، وكان لها حضور مُميز في الشمس تشرق من جديد مع المخرج هيثم حقي، كما كانت ضيفة شرف في مسلسل الظاهر بيبرس للمخرج محمد عزيزية، إلا أنّ أجمل أدوارها هذا العام كانت في دور آنة زهرية الجدة الدمشقية ذات الأصول التركية، وهي تعزف العود وتغني لأم كلثوم في مسلسل عصي الدمع مع المخرج حاتم علي، وكذلك دورها أم نذير في مسلسل بكرا أحلي للمخرج محمد الشيخ نجيب، حيث كانت الأم المعطاءة رغم فقرها، والقوية رغم ضعفها، وقد أبكت الجميع حين صرخت بابنها نذير أيمن رضا طالبة منه ألا يضعف لموت زوجته، وأن يبقي رجلاً حتي في مصيبته، تلك الصرخة التي أعادت للأذهان صرختها المؤلمة وهي الزوجة البكماء في أشهر أدوارها عام 1975 في مسلسل أسعد الورّاق ، حين توفي زوجها.تلك الفنانة التي جسدت علي المسرح أدواراً لا تنسي، أعطتنا في الدراما التلفزيونية أدواراً لا تقل أهمية في شخصية دليلة زوجة علي الزيبق، وفي المتجرّدة زوجة الملك النعمان في مسلسل ذي قار ، وفي أدوار الخنساء وهند بنت الحارث، إلي أدوارها الأخيرة كالسلطانة في حكاية شهرزاد الأخيرة ، وأم راشد في ليالي الصالحية ودور الأم في مقتل الربيع والجدة في ليل الأسرار .قائمة قد تطول كثيراً لو ذهبنا في إحصائها حتي النهايات، لكنها قائمة تشير إلي فنانة حقيقية، اعتلت خشبة المسرح دون أن تمتلك غير موهبتها، وتألقت في السينما، لكن الدراما التلفزيونية أخذتها إلي قمم لم تصلها نجمة سورية من قبل. وأعتقد أنّ قليلات من حققن حضوراً مشابهاً علي الفضائيات العربية.2