نيويورك تايمز: بعد عام من المواجهة مع إسرائيل.. “حزب الله” على مفترق طرق.. أُضعف لكنه لم يُسحق

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً لمدير الأبحاث في مجموعة صوفان بنيويورك، كولن كلارك، قال فيه إن الحروب تخلّف تأثيراً تحويلياً على الأطراف التي تخوضها. وكان هذا هو الحال بالتأكيد في المرة الأخيرة التي انخرطت فيها إسرائيل و«حزب الله» في صراع شامل، في تموز/يوليو 2006.

وخرج «حزب الله» من تلك المعركة – التي استمرت أكثر من شهر بقليل – منهكاً، ولكنه متحدياً بعد أن صمد في وجه أقوى جيش في الشرق الأوسط.
وقد مهّدت هذه التجربة، إلى جانب الدعم الإيراني، الطريق لـ«حزب الله» لتحقيق خطوات عسكرية وسياسية كبيرة في السنوات التي تلت ذلك، وتحويله إلى منظمة عابرة للحدود الوطنية مجهزة بنحو 150 ألف صاروخ وقذيفة، في حين يمثّله أيضاً المشرّعون في البرلمان اللبناني.

الكاتب: مرجّح ظهور حزب أكثر محلية، يعمل بنفوذ إيراني أقل، ما قد يغير التوازن الأمني الإقليمي، الذي دام عقوداً في مختلف أنحاء الشرق الأوسط

والآن، ومع التوصّل إلى وقف إطلاق نار ناشئ، يهدف إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، بات من الواضح أن الجماعة تمر بمرحلة تطور من نوع مختلف. لقد كانت الأشهر الأولى من الحرب الحالية عبارة عن تبادل للضربات المتبادلة، في حين ظلت غزة مركز الثقل. ولكن ابتداءً من تموز/يوليو، تصاعدت الحملة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية ضد «حزب الله» بشكل كبير. ومن خلال مزيج من الضربات بالمسيّرات والقوة الجوية والاستهداف عالي القيمة، تمكّنت إسرائيل من تدمير القيادة العليا لـ «حزب الله» والبنية التحتية العسكرية. ونتيجة لهذا، وَجَدَ «حزب الله»، العضو الأقوى منذ فترة طويلة في محور المقاومة التابع لطهران، قدرته على العمل عبر الحدود مقيدة.

ويرى الكاتب أن ما هو مرجّح، على ما يبدو، هو ظهور حزب أكثر محلية، يعمل بنفوذ إيراني أقل، ما قد يغير التوازن الأمني الإقليمي، الذي دام عقوداً من الزمان في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. لقد نجحت إسرائيل في إضعاف حماس و«حزب الله»، على مدى العام الماضي، وإيران، منافستها اللدود في هذه العملية.

ولكن إيران الضعيفة لا تزال تشكل خطراً، وقد أعرب العديد من المراقبين عن مخاوفهم من أن يحاول المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الاندفاع نحو إنتاج قنبلة نووية، والتي يُنظر إليها الآن على نطاق واسع باعتبارها الرادع الوحيد الممكن ضد إسرائيل الصاعدة.
ومع جفاف الحبر على اتفاق وقف إطلاق النار، ربما تكون إسرائيل في موقفها الإستراتيجي أكثر تميزاً مما كانت عليه في الذاكرة الحديثة: فقد قلّصت من خصومها، وتنتظر إدارة ترامب الثانية، التي تبدو مستعدة لمضاعفة إستراتيجية الضغط الأقصى التي ميزت نهج دونالد ترامب تجاه إيران خلال ولايته الأولى.

في عام 2004، حذّرَ الملك الأردني عبد الله الثاني من نمو “الهلال الشيعي” في الشرق الأوسط، الممتد عبر العراق وسوريا ولبنان باتجاه الخليج، والذي من شأنه أن ينشط السكان الشيعة العرب في البلدان ذات الأغلبية السنية ويزعزع استقرار هذه الحكومات.

بعد العام الأخير من الصراع المستمر، قامت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، بتفكيك القوة العسكرية التي كانت تدعم هذا الهلال بشكل منهجي.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، إذا استمر التطبيع الإسرائيلي السعودي، فسيؤدي ذلك إلى تعزيز التحالف المناهض لإيران، في وقت تقترب فيه قوة طهران ونفوذها بالفعل من الحضيض.

أين يترك هذا طهران؟

مع تراجع التهديد الذي يشكّله «حزب الله»، وخشية إيران من الرد الإسرائيلي الناتج عن دعمها المستمر لـ «حزب الله» و«حماس»، فإن طهران قد تحول تركيزها في الأمد القريب إلى تعزيز العقد الأخرى في شبكة وكلائها، بما في ذلك الحوثيون في اليمن أو الميليشيات الشيعية المختلفة في العراق.

ولكن من الصعب أن نتخيل أن إيران ستتخلى عن «حزب الله» بالكامل. وهذا ليس مجرد نتيجة لمغالطة التكلفة الضائعة، بل إنه اعتراف بعلاقة طويلة الأمد ذات جذور أيديولوجية وسياسية وعسكرية عميقة. وإذا كان يُنظر إلى إيران على أنها تتخلى عن حليف قديم لحماية نظامها، فقد يدفع هذا وكلاء آخرين لفقدان الثقة في طهران، والتحرك نحو موقف أكثر استقلالية، ما يقلب قواعد اللعبة السياسية الخارجية القديمة رأساً على عقب.

وقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدة أسباب لقبوله وقف إطلاق النار، بما في ذلك رغبته في التركيز بشكل أكثر مباشرة على التهديد الذي تشكله إيران. وفي حديثه يوم الثلاثاء، قال نتنياهو: “لم يعد «حزب الله» نفسه. لقد أعدناه إلى الوراء عقوداً من الزمن”. لكن هذا النوع من الخطاب يشير إلى مستوى من الغطرسة قد يكون سابقاً لأوانه.
فقد بدا نتنياهو، في المحصلة، متفائلاً قبل 7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بأن “حماس” راضية عن الوضع الراهن، وهو افتراض ثبت أنه خاطئ تماماً.
إن السجل التاريخي يثبت أن الجماعات المتمردة والإرهابية من الصعب القضاء عليها بالكامل، و«حزب الله» ليس استثناءً. فبعد أن خرج واثقاً من معركته مع إسرائيل في عام 2006، أصبح «حزب الله» لاعباً رئيسياً في الحرب الأهلية في سوريا، حيث ساعدت قواته في دعم الديكتاتور المحاصر بشار الأسد. وهناك، اكتسب آلاف مقاتلي «حزب الله» خبرة قتالية قيمة من خلال إجراء عمليات عسكرية غير تقليدية وتقليدية، والقتال جنباً إلى جنب مع مجموعة من القوات، من المرتزقة الروس إلى مدربي “الحرس الثوري” الإسلامي.

لا شك أن إسرائيل شنت حملة عسكرية مثيرة للإعجاب ضد المجموعة، على مدار العام الماضي، بما في ذلك عملية على غرار هوليوود حيث انفجرت أجهزة النداء واللاسلكي، ما أسفر عن مقتل وإصابة مقاتلي «حزب الله» وبعض المدنيين. كما اغتالت زعيم المجموعة لفترة طويلة، حسن نصر الله، ودمرت بنيتها التحتية العسكرية القوية ذات يوم، والتي تضم قاذفات الصواريخ ومستودعات الأسلحة والذخيرة وشبكة أنفاق تحت الأرض واسعة النطاق.

إسرائيل ألحقت الضرر أيضاً بأجزاء كبيرة من لبنان أثناء الحرب، الأمر الذي ضمن فعلياً استفادة “حزب الله” من موجة جديدة من المجندين الأصغر سناً الذين تطرّفوا بسبب المستويات العالية من الضحايا والمعاناة بين المدنيين

ولكن إسرائيل ألحقت الضرر أيضاً بأجزاء كبيرة من لبنان أثناء الحرب، الأمر الذي ضمن فعلياً استفادة «حزب الله» من موجة جديدة من المجندين الأصغر سناً الذين تطرّفوا بسبب المستويات العالية من الضحايا والمعاناة بين المدنيين.

وتشير التقديرات إلى أن قوة المجموعة المسلحة التي بلغت خمسين ألف رجل اعتباراً من وقت سابق من هذا العام تعني أن جزءاً كبيراً من صفوفها سيعيشون للقتال في يوم آخر.
هناك مقولة متداولة منذ فترة طويلة، مفادها أنه في حين يمكن هزيمة جماعة إرهابية، فمن المستحيل قتل فكرة. فـ «حزب الله» ليس مجرد جماعة، وهو أكثر من مجرد فكرة. وعلى النقيض من تنظيم “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، فإن «حزب الله» راسخ بعمق في الجسم السياسي اللبناني، وهو جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد.
طوال هذا العام من الحرب، قال المراقبون مراراً وتكراراً إن الشرق الأوسط وصل إلى لحظة محورية. وتشعر إسرائيل وحلفاؤها بالتفاؤل بأن التحولات الأخيرة في ميزان القوى سوف تستمر. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يتابعون المنطقة عن كثب، قد تكون هذه النظرة قصيرة النظر. وعلى حد تعبير الدبلوماسي الأمريكي السابق ريتشارد هاس، الذي قضى جزءاً كبيراً من حياته المهنية يعمل على قضايا تتعلق بالشرق الأوسط: “إن الأمور غالباً ما تسوء، ليس قبل أن تتحسن، بل قبل أن تسوء أكثر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية