نابوكوف العربي.. ناقدا!

حجم الخط
0

نابوكوف العربي.. ناقدا!

خيري منصورنابوكوف العربي.. ناقدا! اقترن اسم نابوكوف كروائي بعنوان واحد، هو لوليتا الصبية التي تحول اسمها إلي مصطلح في علم النفس يضاف إلي إلكترا وأوديب، ولا أقصد من هذا العنوان استقصاء مواقف نقدية لنابوكوف، وقد لا أكون معنيا بذلك علي الإطلاق، فما أعنيه بعبارة نابكوف ناقدا، هو ببساطة، ما لم يكتبه مثقفون عرب تجاوزوا السبعين عن لوليتات تحت أسماء مختلفة، وليتهم فعلوا، لأنهم كانوا سيقدمون نصوصا شائقة لذوي الفضول، بقدر ما هي رافدة للنفساني في أبحاثه أو عيادته..وحين فكرت لأول مرة بهذا العنوان، كنت قد فرغت للتو من قراءة أربع مقدمات، لقاصة شابة وروائيتين في مقتبل العمر والكتابة معا وشاعرة تلثغ بالديوان البكر..في المقدمة الأولي، وصف المثقف الطاعن في الرغبة والكبت القاصة الشابة بأنها كاترين مانسفيلد العربية وأن الكشف عن موهبتها يحتاج إلي صبر ودأب لا يملكهما النقاد الشبان، أو نافذو الصبر الذين يبحــثون عن قطوف دانية وليس عن براعم..المقدمة الثانية تطوع بها مثقف آخر له عدة صفات، وهي لرواية يصعب انتسابها إلي هذا الفن، فهي تراوح بين البوح والسيرة شبه الذاتية، ولم يتردد نابوكوف الناقد في تصنيف الكاتبة التي لاذت به باعتبارها موهبة قد تتحول بعد روايتين أو ثلاث إلي عقبة يصعب اجتيازها أو إلي أفق روائي يتعذر اجتراحه..والمقدمة الثالثة… لشاعرة حسم نابوكوف الناقد أمره منذ السطر لأول، وجعل منها توأما شعريا لإميلي دكنسون، ولم أشأ أن أتوقف عند مقدمة الرواية الثانية لأنها تكرار يتخفي وراء المترادفات، وعزف منفرد علي الوتر ذاته!ہ ہ ہنعرف بدءا أن الرجل العربي مُبْتلي مثل أنثاه وسائر الذكور الذين يمارسون مختلف المهن بمكبوتات لا آخر لها، بدءا من المكبوت السياسي وليس انتهاء بالمكبوت الجنسي، وهذا التوصيف ليس بحاجة إلي تبديد وقت إضافي أو جهد آخر للبرهنة عليه، مادامت كل القرائن تشي به، بل تفتضحه علي نحو مباشر، وقد تكون الأعراف السائدة، وشحة الحريات سببا في تردد الكاتب العربي في ابتكار لوليتا من طراز ما، رغم أنه ينعم بحق يحسده عليه زملاؤه في العالم كله خصوصا غير الإسلامي وهو الزواج من أربع قد تكون آخرهن في العشرين إذا كان هو قد تجاوز السبعين!و ما حدث بالفعل هو أن نابوكوف العربي هرّب هذه النزوة إلي مجال آخر، هو أقرب إلي التسفيل منه إلي التصعيد، والفضل في اقتراح مصطلح التسفيل هذا يعود إلي الناقد الحصيف جورج طرابيشي الذي تجاوز في أطروحاته النقدية الحواجز الرملية والخطوط الحمر، خصوصا عندما افتضح الإسقاطات الجنسوية في الرواية العربية علي السياسة والاقتصاد والثقافة برمتها، والكاتبة العربية الشابة تحتاج إلي رعاية من نوع آخر، غير هذا التدليك النابوكوفي لنرجسيتها خصوصا في البدايات، فهي أحوج إلي اكتشاف الأخطاء، ونقاط الضعف في نصها، بحيث يصبح تدليك نرجسيتها الأنثوية في سن مبكر بمثابة التواطأ البالغ مع أخطاء هي بأشد الحاجة إلي تخطيها والتحرر منها، وحين يكتب نابوكوف عربي مقدمة أو مقالة عن نص بكر لكاتبة شابة، فهو يتناسي النص ويجد نفسه في غمرة الكتابة عن جسد ما أو عن كينونة لم يبلغه منها غير الحفيف، عندئذ، يصبح ما كتبه مصادرة وإجهاضا مبكرا لكل نقد لاحق، وتتورط الضحية بفكرة عن الذات تؤدي إلي إحساسها بالمعصومية، وعدم قبول أي نقد من أشخاص أقل شهرة ونفوذا أو حتي أصغر سنا!والمتوقع عادة من امرأة تستشعر حريتها وبالتالي استحقاقاتها الإنسانية أن تئد هذا الحب الأنكي من الكراهية، وأن تشعر بأن السوط الذي جلدت به جدتها قد يكون من جلد البقر.. لكن السوط الحديث الذي تجلد به من الحرير.. والانحياز للأنوثة المفتري عليها تاريخيا لا يكون بالممالأة أو بالإسقاط الرغائبي، إن له أساليبه الأخري التي باتت المرأة الحرة تعرف كل شعابها، بعد أن تلقحت ضد هذا اللدغ الناعم وكما قاومت المرأة المثقفة الحجرة شعر الغزل لأنه يلحقها باسطبلات الأفراس، قاومت أيضا ذلك النمط من المقدمات الأشبه بالأفخاخ، فهي لا تسعي إلي أن تصطاد بأنوثتها مقالة ذكورية أو مقدمة أشبه بالرشوة، ولكن التاريخ كان وما يزال الأقدر علي تقديم الأمثلة وتحويلها أحيانا إلي أمثولات، فالنساء اللواتي وقفت زميلاتهن وبنات جنسهن من رائدات التحرير والانعتاق من بيوت الدمي كن أشد عنفا وراديكالية من الذكور، وهنا يمكننا أن نجزم بأن التصنيف التقليدي للنقائض ليس صحيحا، فالديكتاتورية مثلا ليست نقيض الديمقراطية بل نقيضها الحقيقي هي الديمقراطية الزائفة. ونقيض الحداثة ليست الكلاسيكية بل الحداثة الشائهة عديمة الجذور والملفقة من نتاج الآخرين حتي لو كان مجرد غبار، وبالمقياس ذاته نقيض المرأة الحرة ليس أمها أو جدتها، بل ابنة جيلها التي توهمت بأن الحرية هي الانخلاع التام، وبالتالي إعلان الحرب علي الروادع والكوابح، حتي ما كان منها وثيق الصلة بالذات وكرامة هذه الذات وما يقيها من التلاشي والذوبان.ہ ہ ہأذكر أن امرأة عربية غردت ذات ربيع خارج السرب، وقالت ان نزار قباني ليس المحامي الشعري الصالح للدفاع عن حريتها، كان ذلك تعليقا علي ديوان يوميات امرأة لا مبالية للشاعر الراحل نزار قباني، ولأن معظم من سمعن رأيها المغاير بل المضاد سخرن منها، أصرت علي أن حريتها لن تكون مكرمة من ذكر، وكان علينا أن ننتظر بعض الوقت لنكتشف أن حرية المرأة ليست تلك الحزمة من الإكسسوارات التي تعج بها مدن لم تحرج منها القري..وأخطر ما في هذا الأمر ولعله الدافع الذي لم نستطع صده لكتابة هذه التداعيات التي قد تتعرض لسوء فهم، أن هناك مفاضلة لا أساس لها من الإبداع قد تمت خلال ثلاثة عقود بين مبدعات أصيلات لا يبحثن عن نابوكوف يمنحهن تأشيرة الدخول إلي نادي الثقافة، وبين كاتبات يمتلكن بدائل للموهبة الأدبية لها تجليات يصعب حصرها، وقد تبدو هذه المساحة التي نتورط بالاقتراب منها محظورة، وشائكة لأن التهم جاهزة لمن يجازف بالاقتراب منها، ما دامت فلسفة التواطؤ قد تحولت إلي أيديولوجيا وما دام الصمت في حالات كهذه هو الأسلم والأدعي للنجاة.ہ ہ ہقبل عام واحد دار حوار عابر بيني وبين كاتبة شابة حولت مقدمة نابوكوفية إلي منشور، وكانت نافدة الصبر، بحيث لم تتح لي إكمال جملة مفيدة واحدة، فقد ضربت غلاف الكتاب بكفها، وهي تقول.. أنت أعلم من هذا الرجل الذي كتب عني ما كتب.و لأن الرجل لذي كتب كان قد رحل عن عالمنا فلم أرد بيني وبين نفسي سوي عبارة رحمه الله.. فقد جني علي هذه المسكينة، ولن تصحو إلا بعد كتاب آخر، سيكون أصلع الرأس وبلا مقدمة أو عكاز،لماذا لا يجهر نابوكوفات العرب، سواء كانوا شعراء أو نقادا أو روائيين أو صحفيين برغائبهم؟ ولماذا لا يكتبون ما يدور في خلدهم علي نحو مباشر؟لماذا يسددون مديونية الكبت بهذا الربا الأخلاقي والمعرفي؟كم كنا سنكسب منهم روايات وكتابات مفعمة بالشهوة وتسديد الديون لو أنهم طرقوا الأبواب لا النوافذ، ولم يسعوا إلي هذا التهريب الذي أصاب كالحجر الثقيل الصقر والحمامة معا، أي النص وصاحبه!ان سايكولوجيا القهر ذات محاصيل يحتاج رصدها إلي جملة من الإنجازات، سواء علي الصعيد المعرفي أو علي الصعيد الحياتي، فمن يدخل إلي برج إيفل لن يراه كما يقول رولان بارت، وعلي المرء أن يحفظ مسافة ما عن الواقع كي يتاح له أن يحيط به علي نحو بانورامي، وقد لا يكون العربي مؤهلا لمثل هذا، لأنه ما يزال ضحية استلاب وقهر لا حدود لهما. ولسنا ندعي بأية حال بأننا ننعم بالاستثنائية التي تتيح لنا مثل هذا الاجتراح، ولكن المحاولة تبقي درجة من الاجتهاد، ومن الكدح المشروع من أجل النجاة من هذا الاستلاب الذي قلب الوعي وحوله إلي سلاح مضاد، بحيث يصبح الجهل البريء أو ما يسمي بالجهل في درجة الصفر أرقي بكثير من الجهل المدجج بالزهو، أو الجهل الواثق الذي لا سبيل إلي الشفاء منه!ہ ہ ہقد لا يدرك نابوكوف الناقد أو محترف المقدمات التبشيرية المكرسة لتصفية الحسابات مع ذكورة مغدورة في الصبا، أن ما يلحقه من أذي بضحيته ككاتبة ناشئة أكثر بأضعاف من الأذي الذي يمكن أن يلحقه بلوليتا ابنة الستة عشر عاما، فهو يعطب الجسد والذهن معا، ويخلق لدي الفريسة الماسوشية التي تستمرئ الخديعة نزوعا للمزيد من الإطراء، وهذا الإفساد قد ينتشي به نابوكوف لبعض الوقت، لكنه لن يدوم إلا إذا كان ملدوغا بسادية مزمنة!و أغرب ما في الأمر، أن العكس لم يحدث حتي الآن وهو أن تكتب نساء متقدمات في السن مقدمات تدليكية لشبان صغار، سواء كانوا شعراء أو روائيين، وذلك لجملة أسباب منها ذلك السبب التاريخي المتعلق بالكيفية التي صاغ التاريخ فيها المرأة فهي ما تزال إلي حد ما ضحية ستة آلاف عام من أيديولوجيا الذكورة، والسطو المسلح باستحقاقات أيديولوجية ورعوية، وما أن حاولت أن تكسر ما سماه هنريك أبسن بيت الدمية حتي وجدت نفسها محاصرة من الجهات الخمس، جهة المرأة الأخري صنيعة الاستبداد والاستعباد. وجهة الذكر الباتريارك الذي نزع العباءة لكنه لم ينزع ما تحتها، وجهة السلطة السياسية لتي تعيش حتي الآن ما قبل اكتشاف البرونز وجهة التربويات الموروثة خصوصا ما هو شفوي منها ووعظيّ، أما الجهة الخامسة فهي جهة التاريخ الذي أصبح الماضي يتمدد فيه لقضم المستقبل!ہ شاعر وكاتب من الاردن0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية