من يؤبن منظمة التحرير الفلسطينية؟
ياسين معتوقمن يؤبن منظمة التحرير الفلسطينية؟منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي وطنه المعنوي في الشتات، وهي موحد الشعب في الداخل والخارج، وهي قائد نضاله الباسل، وقد دفع شعبنا الفلسطيني والعربي ثمن ذلك دما غزيرا، ودموعا ذرفت علي قوافل الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تحرير فلسطين والعودة اليها، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة علي ترابها، فماذا بقي اليوم من منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو؟لقد وقّع اتفاق أوسلو باسم منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثل الشعب الفلسطيني المعترف بها عربيا ودوليا وقائدة نضاله، وقد انتجت اتفاقات أوسلو السلطة الفلسطينية المقيدة بنصوص هذه الاتفاقات وملاحقها الأمنية والاقتصادية، وهو ما لا يحقق الحدود الدنيا من حقوق شعبنا الوطنية التاريخية والثابتة في الاستقلال والسيادة وبناء الدولة، بل هي محكومة بسقف واضح..حكم إداري ذاتي علي السكان فقط وليس علي السكان والأرض وظلت الأرض رغم مرور ما يزيد علي اثني عشر عاما علي هذه الاتفاقات أرضا محتلة، كما أن الاتفاقات هذه لا تجيز ولا تسمح بل تمنع تشكيل أي من مظاهر ومؤسسات السيادة الوطنية خاصة في مجالات الدفاع والتمثيل الخارجي، وإن كان غضّ الكيان الصهيوني حتي الآن النظر عن بعض المظاهر وهي بالتأكيد كمائن وفخاخ للمستقبل.واستنادا الي ذلك وحيث تفرض الحاجة الي استمرار استخدام اسم منظمة التحرير الفلسطينية جري الاعلان عن أن م.ت.ف. هي مرجعية السلطة الفلسطينية في تطبيق وتنفيذ اتفاقات أوسلو، وفي عملية التفاوض برمتها، ولو لم يكن هذا الاعلان ناتجا عن الحاجة لاستدعي الأمر دائما العمل علي حماية المنظمة وتمثيلها وتعزيز وحدتها واستقلاليتها باعتبارها الرافعة التي تنهض بالقضية الوطنية، وبالسلطة الفلسطينية أمام التعنت الصهيوني وتعثر تطبيق الاتفاقات، وتنصل الكيان الصهيوني من كل التزاماته اللهم الضغط فقط علي السلطة الفلسطينية ومحاولات دفعها لما يسمي محاربة المقاومة (الإرهاب بالمفهوم الصهيوني الأمريكي) وصولا الي حالة الفوضي الفلسطينية الداخلية، والاحتراب الداخلي الذي قاومه الفلسطينيون بمختلف اطيافهم السياسية والفكرية باعتباره هدفا صهيونيا تصفويا للقضية الفلسطينية.من المعروف والمعلوم أن التحالف الصهيوني ـ الأمريكي نجح بفرض المزيد من التنازلات علي الطرف الفلسطيني (السلطة الفلسطينية) وخصوصا لجهة تهميش وتغييب منظمة التحرير الفلسطينية، وقد بدأت سياسة التنازلات هذه كما هو معروف بإلزام القيادات والكوادر الفلسطينية بالعودة الي الداخل لتطبيق الاتفاقات مما مكن الكيان الصهيوني من وضع هذه القيادات في قبضة الاجراءات الأمنية الصهيوينة، وما رافق ذلك من تضييق علي الحركة والحد منها وبتنسيق مسبق، أي وباختصار وضع الكيان الصهيوني القيادات والكوادر في سجن كبير تتحكم بمداخله وبواباته، ورغم ذلك تواصلت الاستجابة لضغوط الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية بتذويبها في اطار السلطة الفلسطينية، فقد دمجت اللجنة التنفيذية في اطار اجتماعات مشتركة مع مجلس الوزراء تارة وتارة أخري في اطار ما يطلق عليه اجتماعات قيادة المقاومة (الفصائل) ولم تعد تجتمع اللجنة التنفيذية اجتماعات مستقلة كما جرت العادة، واستعيض عن المجلس الوطني الفلسطيني بالمجلس التشريعي بعد أن أدي آخر أدواره بإلغاء وشطب ما يقرب من ثلثي بنود ومواد الميثاق الوطني، وظل المجلس المركزي مجرد ورقة لتمرير قرارات تحتاجها السلطة الفلسطينية، كما ابتلعت وزارات السلطة دوائر منظمة التحرير باستثناء الدائرة السياسية، ودائرة شؤون العائدين التي صار اسمها دائرة شؤون اللاجئين المعطلة تماما، واستبدل جيش التحرير الوطني بالشرطة وأجهزة الأمن التي أرادها الكيان الصهيوني أداة لقمع المقاومة، وكما ذكرنا آنفا توجه هذا المسلسل من التنازلات بالغاء بنود الميثاق الوطني ومواده، ولا تندرج هذه التنازلات في خانة التكتيك السياسي في عملية التفاوض بل تصنف فقط بأنها تفريط مجاني بسبعة وثمانين بالمائة من أرض فلسطين التاريخية، وما تبقي يتم التفاوض عليه منذ توقيع اتفاقات أوسلو وحتي الآن.يبقي السؤال القديم الجديد هو من فوّض هذه القيادات لتقديم هذه التنازلات؟ وهل طرحت مثل هذه القضايا الوطنية الكبيرة والخطيرة علي الاستفتاء الشعبي؟طبعا من المعلوم أن هذا لم يحصل قط، وإنما كان عن طريق مصادرة القرار الوطني دون الالتفات الي الإرادة الشعبية والوطنية.ونتيجة لما آلت اليه الأوضاع الفلسطينية عموما، وأوضاع منظمة التحرير الفلسطينية خاصة، جرت وتجري محاولات تحت شعارات (تفعيل) منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز الوحدة الوطنية، ولكن هذه المحاولات تصطدم دائما بخطط اعتراضية لتعطيلها وافشالها من جهة والتقدم بمبادرات مشابهة تقوم بجوهرها علي الالتزام بمسار التسوية والمفاوضات المرهونة بالإملاءات الصهيونية الأمريكية، وبهذا باءت المحاولات التي اطلق عليها حوارات وطنية سواء ما جري ويجري منها عبر لجنة التنسيق الوطني في الداخل، أو ما جري منها في القاهرة حيث تحقق السلطة أهدافها المحدودة والمحددة بالهدنة أو التهدئة أو وقف اطلاق النار، وتبقي قضايا الوحدة (والتفعيل) مجرد توابل تزين هذه اللقاءات لا أكثر.فلو كانت هذه المحاولات جادة لما كان شعارها تفعيل م.ت.ف. بل شعارها رد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بميثاقها الوطني وإعادة صياغة وهيكلة مؤسسات المنظمة ودوائرها، كالمجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية ومختلف الدوائر المتخصصة الأخري.إذ العكس هو الذي حصل ويحصل من قبل البعض المتنفذ بالقرار الوطني الفلسطيني، وخاصة بعد رحيل الزعيم ياسر عرفات مسموما بعد حصار طويل وجائر كأول ضحية لمشروع التسوية هذا، كما أنه بدلا من مواصلة الطريق علي ما تبقي من الثوابت الوطنية التي دفع حياته ثمنا لها.لقد رحل ياسر عرفات مغدورا، دون أن يعني رحيله لهؤلاء الي أي منزلق وصلوا وينزلقون، وكأن الراحل المغدور ليس رمز القضية الوطنية، وليس رمز الشعب الفلسطيني ونضاله، وبدلا من بذل الجهد الجاد في فتح تحقيق يوصل الي حقيقة الجناة مخططين وأدوات، استداروا نحو تقسيم الكعكة وتوزيع المسؤوليات للتناسب مع متطلبات المرحلة وتطوراتها انسجاما مع رؤية واملاءات الادارة الأمريـــكية والكيان الصهيوني، وهذه الاملاءات والرؤية تقوم الي جانب نظرية الأمن (لاسرائيل) علي التخلص من بقايا دوائر ومكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، وتسرح ما تبقي من الحرس القديم من المناضلين الذين لازالوا يرتبطون بالزمـــــن الفلسطيني الجميل زمن الثورة والكفاح بعد أن أقعدوهم لســـــنوات طـــويلة عن العمل وصاروا علي رصيف الاحداث والتطورات.فكيف يفسر إذن تجاهل دور الدائرة السياسية الهام في الحياة السياسية الفلسطينية اقليميا ودوليا، واغتصاب دورها ومهامها والذي ينذر بمخاطر الوصول الي الفخ الصهيوني المنتظر برفض أي تمثيل خارجي فلسطيني حسب اتفاقات (أوسلو). ولنا مثل فيما فعل الجيش الصهيوني بقوات الشرطة الفلسطينية التي راهنت عليها كأداة قمع داخلية وكبديل عنه في تنفيذ عمليات البطش الداخلي، ولهذا غض الكيان الصهيوني الطرف عن التضخم العددي المتجاوز لما هو متفق عليه في اتفاق أوسلو. وكيف يفسرتجميد دائرة شؤون اللاجئين ووضعها في الثلاجة، مما فتح الباب واسعا أمام ما يسمي منظمات غير حكومية مجهولة الهوية والتمويل للعمل بقضية اللاجئين في المخيمات الفلسطينية، وكل أماكن الشتات وباتجاهات مشبوهة بحذف حق العودة عن كونه حقا فرديا وجماعيا مقدسا.وتتواصل سياسة التصفية لما تبقي من مظـاهر المنظمة فتفريغ الصندوق القومي من أمواله وتحويله الي أداة فقط ريثما يستكمل اغلاق ما تبقي من المكاتب في تونس أو حتي في الأردن وبوقت ليس بطويل، والي ابلاغ المناضلين بتسريحهم أي طردهم وتحت مسميات كثيرة وأهمها التسريح بسبب السن والذي لم ينص عليه قانون العاملين في المنظمة، وقانون العاملين يحدد بوضوح التسريح لأسباب عدم الالتزام بالمهام المكلف بها عضو المنظمة أو بسبب ارتكاب جناية بحق المنظمة والشعب، ولم يندرج موضوع السن بتاتا، مما يؤكد أنهم لم يطلعوا علي النظام الداخلي للمنظمة أو قانون العاملين، أو أنهم يمارسون سياسة الطرد التعسفي، فمن أعطي هؤلاء الحق بتسريح المناضلين الذين قضوا زهرة شبابهم وعمرهم كله خدمة لقضية شعبهم، أهذا بدلا من تكفلهم بحياة حرة وكريمة بعد أن وصلوا سنا لا يسمح لهم بأي عمل؟! كما جري ويجري في كل البلدان التي انتصرت ثوراتها واستقلت وتكفلت بمناضليها ومجاهديها وبشكل لائق لما اعطوا شعبهم وبلدهم.إن كل الحجج المساقة وراء اغلاق المكاتب وتسريح المناضلين، وتبديل تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية وعلي مستوياتها، سفارات وبعثات دبلوماسية ومفوضيات الي سفارات للسلطة لا يعني الا تصفية منظمة التحرير بدلا من تفعيلها وهي تجري بصمت غالبا، فمن يؤبن منظمة التحرير الفلسطينية المغدورة في ظل هذا الصمت المطبق. كاتب فلسطيني يقيم في تونس8