الحرب بين الرئيس مرسي والمعارضة العلمانية الشرسة من جهة، وبينه وبين مؤسسات الدولة الموروثة، لم يزل أوارها مشتعلاً، وكلما خبا سارع طرف ما للنفخ فيه، والهدف هو إطالة أمد المواجهة، للتضييع على الخصم، فرصة الاستراحة أو التقاط الأنفاس! الرئيس مرسي الذي أُثخن ربّما ولكنّه لم يسقط على أرض الحلبة، تعلم درساً ثميناً وبسيطاً، البراغماتية السياسية، أو المكيافلية، التي أدرك متأخراً قليلاً أن الكل ضالع فيها حتى أذنيه، سواءً وعظ أم لم يعظ، لبس العمامة أم خلعها نام تحت الشجرة أم فوقها، فها هو مبعوثه على الأرض الإيرانية، يتحاور في الشأن السوري، في عز المعمعة، ويبدو أن لديه مبادرة ربما تجتذب إيران من دون أن تخذل الثورة السوريةّ! حين صعّرت دول النفط خدّها له، ظنّت أنها ستدفعه إلى بيت الطاعة، ولكنّه أخلف الظن وأدار لها ظهره ماداً يده لإيران، فخرجت عن رصانتها المعهودة وأغرت أتباعها بالتنكر له والاصطفاف إلى جانب العلمانيين وجبهة الإنقاذ الوطني، من دون الاتكاء على الفتوى هذه المرّة، إذ تكفي تهمة الإخوانية بحد ذاتها، وهي الفاكهة المحللة التي يتناوبون على قضمها، من دون الخشية من أكل لحم أخينا ميتاً. الدكتور مرسي لم يقل شيئاً هذه المرّة أيضاً، تاركاً للجماهير لعبة الاستنتاج، وهكذا بدأ الهجوم عليهم من داخل الصف الإسلامي نفسه، وعبر قنوات إسلامية، وأصبح من المستحيل إعادة الشيخ إلى هيبته والوقار إلى لحيته، وألجأ حزب النور إلى ركن ضيق بالكاد يجزؤه للدفاع عن نفسه، ولم يعد يجدي التهديد بمرارة لحم العلماء أو نقاء أعراضهم، فالسن بالسن والعين بالعين والبادئ أظلم. مرسي أيضا لم يعد يلتفت إلى المسائل المطلبية فقد أدرك أنها مشاكل مزمنة ولن تحلها لمسة هنا ورقعة هناك، المعارضة أيضا وفرت له مخرج النجاة هذا، عندما دفعت بالشباب إلى الشوارع، بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وجعلت منهم مدمنين للجرعة اليومية التي تقدمها لهم مقابل الخروج، وعليه فإن حنقهم سينقلب على حلفائهم إذا فطموا فجأة، وكونهم شبابا هائمين لا يجمعهم وعي ولا صيغة تنظيمية فربما ينتقلون إلى صف مرسي، لو فرقع لهم بأصابعه، التي لم تسلم من الهجوم الإعلامي بدورها أيضاً. نظرة تحليلية أعمق لتكتيكات الدكتور مرسي والمعارضة، ربما تبدو الصورة على النحو التالي، الدكتور مرسي أدار ظهره للداخل ووكله للدكتور قنديل وحكومته، الذي يبدو أنه هو أيضاً أقسم على الصبر وطول البال، وإعطاء الفرصة لمعلمه لينام خارج البيت، حتى لو طال نومه! وصوّب عينيه للخارج، وقد أدرك تماما أن صورة بلده الخارجية، ستنعكس بقوة وفاعلية على جبهة الداخل، المعارضة أدارت ظهرها للخارج، وركزت بصرها على قصر الاتحادية، في نهمة طفولية، لانتزاع ما ظنته قطعة حلوى ستنتزعها بالفهلوة من يد طفل حظي بها دونهم بضربة حظ. وهكذا بدا الصبية الذين يقذفون سور الاتحادية بالحجارة والزجاجات، مجرد مراهقي شوارع يقف وراءهم مراهقون سياسيون، بينما ظهر مرسي رجلا ديمقراطياً وهادئا، وغير قمعي، خاصة في ظل الشعارات الحادة والعدوانية التي رفعتها المعارضة، والتي أظهرتها بشكل أهوج وغير متزن وهي تظن انها ترفع شعارات ثورية، مما أفرغ الشحنة الثورية في نفوس الكثيرين لاقترانها بالفوضى والتخريب. ونظن أن الرئيس مرسي قد كسب الجولة، على الأقل حتّى هذه اللحظة. نزار حسين راشد