من الخط الاحمر.. الى الراية البيضاء!

عندما يعلن كل من جــــون كيري وزير الخارجــــية الامريــــكي ونظــيره ومضيفه الروسي سيرغي لافروف، وبعد مفاوضات ماراثونية استمرت حتى ساعة متأخرة من مساء امس الاول عن التوصل الى اتفاق على الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول الازمة السورية، تشارك فيه وفود من النظام والمعارضة للتوصل الى حل سياسي يرتكز على بيان جنيف، فهذا الاعلان لا يمكن ان يصدر الا في اطار صفقة جرى التوصل اليها بين وزيري خارجية القوتين العظميين في العالم حاليا.
من الواضح ان الادارة الامريكية هي التي قدمت التنازل الاكبر من خلال تبنيها للموقف الروسي وصيغة الحل السياسي التي يطرحها، ففي الوقت الذي اعلنت فيه واشنطن عن خطوطها الحمراء، واكدت انها تراجع سياستها ومواقفها السابقة المتحفظة بشأن الأزمة السورية، وتنوي تسليح المعارضة بأسلحة حديثة متقدمة، ها هي ترضخ للشروط الروسية بالكامل، وتدعو الى ‘مؤتمر سلام’ يعترف ‘بشرعية’ النظام السوري، ولا يكرر ‘اللازمة التقليدية’ بضرورة رحيله كشرط لاي مفاوضات معه.
لا حديث مطلقا عن ‘الادلة الدامغة’ التي تؤكد استخدام النظام لاسلحة كيماوية ضد شعبه، ولا تكرار للعبارة الاثيرة على قلب الرئيس باراك اوباما التي تقول بان ايام النظام السوري باتت معدودة، الحديث هو عن مفاوضات على اساس صيغة بيان جنيف التي تطالب بتشكيل حكومة انتقالية هي خليط من رجال النظام ومعارضيه، ودون اي ذكر لمستقبل النظام ورئيسه.
ما هي كلمة السرّ التي احدثت هذا التحول الكبير في الموقف الامريكي، وفرضت هذا التراجع المفاجئ عن الخيارات العسكرية التي كانت مطروحة على الطاولة، الى الخيارات الدبلوماسية للتوصل الى حل سياسي عبر المفاوضات بين الخصوم المحتكمين، وطوال العامين الماضيين، الى لغة السلاح والمواجهات الدموية؟
كلمة السرّ مكونة من سبعة احرف وهي ‘اسرائيل’ والخوف عليها ومستقبل وجودها في حدود آمنة مستقرة، وإبعاد شبح الحرب عنها، وتحييد اكبر خطر يواجهها، وهو الفوضى، وتحوّل سورية الى ‘قاعدة’ للقاعدة.
قد تختلف القيادتان الروسية والامريكية على نظام الرئيس الاسد، وجدوى استمراره من عدمه، ولكنهما تتفقان على عدو مشترك، هو الاسلام الجهادي، الذي الحق بهما هزائم مهينة في افغانستان (امريكا على يد طالبان والقاعدة، وروسيا على يد المجاهدين الافغان) وفي العراق (امريكا) ، ولا ننسى هزيمة اسرائيل في جنوب لبنان عام 2006، وعدم انتصارها في حربها على قطاع غزة اواخر عام 2008 بسبب صمود فصائل المقاومة.
‘ ‘ ‘
هناك اسباب اخرى اضافية يمكن ان تكون لعبت دورا كبيرا في هذا التحول الامريكي نوجزها في النقاط التالية:
اولا: ادارة الرئيس باراك اوباما لا تريد حربا جديدة في الشرق الاوسط، وفي سورية على وجه الخصوص، لانها حرب غير مضمونة النتائج، وتحتّم وجود قوات امريكية على الارض في حال اتخاذ اي قرار بالتدخل لإقامة منطقة حظر جوي، او الاستيلاء على مخازن الاسلحة الكيماوية (امريكا تحتاج الى 75 الف جندي).
ثانيا: فشل كل الجهود الامريكية والعربية في ايجاد قيادة ‘علمانية’ بديلة لنظام الرئيس بشار الاسد في حالة الاطاحة به، فالائتلاف السوري بلا رأس منذ استقالة الشيخ معاذ الخطيب، وخليفته المرشح غسان هيتو رئيس الوزراء غير مقبول من الاغلبية في الخارج او الداخل، وظل رئيسا لوزارة بلا وزراء لاكثر من شهرين، وهناك انباء عن عزمه تقديم الاستقالة هو الآخر.
ثالثا: خلافات حادة وصدامية بين المربع الاقليمي الداعم للمعارضة السورية عكسها مؤتمر اسطنبول الاخير لأصدقاء سورية، فتركيا وقطر من ناحية، والسعودية والامارات من الناحية الاخرى، الامر الذي اصاب كيري بإحباط شديد كان باديا على وجهه.
رابعا: التوسع المطرد للجماعات الاسلامية الجهادية على الارض السورية، وكسبها عقول وقلوب الكثير من ابناء سورية بسبب انضباطها وصلابة مقاتليها وتواضع قياداتها، وابتعادهم عن الاضواء، وتقديمهم خدمات معيشية ملموسة للمواطنين على رأسها الامن والنظام والعدالة القضائية.
خامسا: العدوان الاسرائيلي على سورية الذي جاء بمثابة تصعيد وضع المنطقة على حافة حرب اقليمية مدمرة. فقد احرج هذا العدوان النظام وانصاره في موسكو وطهران وجنوب لبنان، وفرض عليهم جميعا حتمية الردّ الانتقامي لانقاذ سمعتهم ‘كقوى ممانعة’، والردّ على الانتقادات التي تقول بقدرتهم على الردّ على ‘ارهاب’ المعارضة، والصمت امام ارهاب اسرائيل.
‘ ‘ ‘
السؤال المطروح الآن حول فرص نجاح هذا المؤتمر المفاجئ في الخروج بتسوية سياسية؟ ثم هل ستلبي الدعوة الجهات المدعوة للمشاركة فيه، اي النظام والمعارضة، وبنية صافية ورغبة اكيدة لانجاحه؟
ثم ما هي الجهة الشرعية والمقبولة التي ستمثل المعارضة، الائتلاف الوطني، ام المجلس الوطني، ام المعارضة في الداخل، ام هيئة التنسيق، ام المستقلون، واذا تقرر تشكيل الوفد من خليط يمثل كل هذه الجهات كيف ستكون عملية الاختيار، ووفق اي معايير، ومن سيكون رئيس الوفد؟
الائتلاف الوطني اصدر بيانا يوم امس قال فيه انه لـــن يشارك في المؤتمر الا اذا كان هناك اتفاق على تنحي الرئيــس الاسد، وهذا البيان جـــاء هدية ذهبـــية للنظام اعفته من ان يكون البادئ بالرفض، وان كنا نعتقد بأنه سيجد صعوبة هو الآخر للجلوس الى الطاولة نفسها والمستوى نفسه مع المعارضة التي تريد اطاحته.
هناك رجلان رابحان سيخرجان من هذا التحرك الروسي ـ الامريكي السلمي، الاول هو الرئيس بشار الاسد (ولو مؤقتا)، والثاني الاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي، فالاسد استعاد شرعيته الدولية، لانه سيعود ونظامه الى الساحة بقوة، وباعتراف امريكي سعى اليه طويلا. اما الاخضر الابراهيمي فسيؤجل قرار استقالته من مهمته، مثلما سيؤجل تقاعده والعودة الى ظلام النسيان لستة اشهر قادمة، يتمتع خلالها بالاضواء الاعلامية والسياسية التي انحسرت عنه.
امريكا لا تريد حربا في سورية او ايران وستتجنبها بكل الطرق والوسائل، والروس يشاطرونها الخوف نفسه، ولكن الحرب الوحيدة التي يريدان خوضها منفردين او مجتمعين، هي ضد الجماعات الجهادية الاسلامية في سورية والعراق وافغانستان.
انتظروا ‘صحوات’ امريكية وروسية مشتركة في طور التشكل حاليا، سواء نجح مؤتمر السلام الموعود او فشل، فالقضاء على النصرة واخواتها هو عنوان الوفاق الروسي ـ الامريكي الجديد..
Twitter:@abdelbariatwan

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول amura:

    الله يرحمك يا انور السادات قالها كلمه حق العرب منغير مصر ولا حاجه

  2. يقول G--Rageb:

    أنها صفعة قويه للصهاينه والأستكبار الأمريكي

    والخدم من الأعراب((أشد كفرآ ونفاق)

    بصمود الشعب والجيش والقياده السوريه الحكيمه .. وشكرا

  3. يقول ahmad jawabreh:

    خبر عاجل … النظام السوري يحذر اسرائيل بالرد في حال قامت بغارات جديدة , طب شو بالنسبة ل الضربات السابقة يا نظام المقاومة هههههههه

  4. يقول خالد:

    انا اخالفكم بالرأي فيما يتعلق بالقاعدة وجبهة النصرة . فانتم تقولون ان الاسلاميين الجاهديين من جبهة النصرة تخاف اسرائيل منهم وقلتم في مقال سابق ان الحدود مفتوحة فالسؤال لماذا تستميت تلك الجامعات في قتال النظام ولا تحرك ساكنا تجاه اسرائيل وتهلل وتكبر عندما تقصف دمشق وهل هاجمت القاعدة التي اعترفت كلينتون بان امريكا انشأتها هدفا واحدا لاسرائيل في العالم لكن القاعدة قدمت لامريكا اهم خدمة وهي 11 /9 وشرعت بذلك تدمير العراق لمصلحة امريكا وإسرائيل ,وقد قلتم يا سيدي الكريم في مقالات سابقة ان هناك مؤامرة على سوريا واضحة المعالم ثم تأنبون امريكا لأنها رفعت الراية البيضاء وليس الحمراء كيف يمكن ان يعتمد على الشيطان الاكبر للتخلص من بشار في سوريا والخطأ الكبير او لنقل الوهم الذي وقعت فيه المعارضة ان الغرب الذي خرب ودمر واستعمر سيساعدهم على ازاحة بشار ليجلسوا مكانه وحاولوا ان يستخدموا كل الاوراق لذلك كورقة انهاء العلاقات مع ايران وورقة العلاقة الودية والتطبيع الكامل مع اسرائيل بل قامت وفود منهم بزيارة اسرائيل وورقة نصرة الشعب السوري والحقيقة ان كل ذلك كان فقط من اجل المال واحلام المناصب في سوريا وشعبها الذي لا يهم احد منهم حجم الدمار المهم ان يمتطوها ويركبوها ولو كانت ميته

  5. يقول نادر - ایران:

    القدس برکان الغضب ، سیکون مقبره لکم
    ان شا الله سوریا ترجع مثل اول مثل اول

  6. يقول amine:

    امريك حريصة على امن اسرلئيل والجماعات الارهبية هن صنعها ومازالت تعتبره الاداة الفعالة لنشر الفوصى على ارص اعدائها فكيف ستعلن عليها الحرب واسرائيل توفر االرعاية الكاملة لهذه المجموعات التكقيرية
    الحل في سوريا سيكون عسكريا والميدان هو الحكم هو الذي يحسم المعركة
    لان المعارضة المسلحة بكل الوانها لم تتفق ولن تتفق لان اسيادها كثر
    والنظام السوري يحقق انتصارات تلوى الانتصارات وامامه فرصة ثمينة جدا لمنع معارضة تقودها الخونة وعملاء لاسرائيل واعداء سوريا حان وقت الغربال
    ولاعلان عن فتح المقاومة الشعبية في الجولان هذا يوحي باستراتيجية جديدة تبناها محور المقاومة وورقة رابحة لتحرير الجولان والضغط اكثر على اسرائيل وحرق اوراق مهزلة المفاوضات بين العربان واسرائيل
    واالفرصة الذهبية للشورع في تحرير القدس

  7. يقول أما أنا:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لم يتفق المختلفون على معيارا كما اتفق عليه جميع السوريين و العرب و المسلمين و علنا و هو البوصلة الحقيقة ألا و هو “فلسطين”
    أرى بأن الوضع الحالي ما يزال غني بالإحتملات اللازمة لبقاء كل الفرقاء و عدم الزوال لكل منهم
    إن السياسيين يحللون نتائج المراحل ليحددو مواقف للمراحل التي تليها و لكن من يصنع التغيير هو أولئك الرجال الذين يقفون على الأرض
    و من خلفهم نواياهم الصادقة ومن خلف الجميع الله
    قليتفق من شاء إلا إننا مع الله نقول و يبقى الله هو ولي الأمر و التوفيق.
    حسبنا الله و نعم الوكيل
    و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    اللهم من أراد بالإسلام و المسلمين خيرا فوفقه لكل خير و من أراد بهم غير ذلك فخذه أخذ عزيزي مقتدر

1 6 7 8

إشترك في قائمتنا البريدية