الحرب النفسية، والأنباء الملفقة، أو كلاهما معاً. الواضح أننا نعيش في فترة غير بسيطة، ولا يمكن أن نعرف إذا كان كل ما ينشر صحيحاً. واضح أيضاً أن هناك من يستغلون الوضع ويخدعوننا.
في الأسبوع الأخير، كانت حالة التأهب في ذروتها خوفاً من هجوم مرتقب في إيران. إسرائيل لم تهاجم منشآت النووي، لكن الدمار الذي زرعته طائرات سلاح الجو في إيران قد يؤدي، برأي محافل أمنية، إلى رد من إيران في الأيام القريبة القادمة. حين لا يعرف أحد إذا كان الإيرانيون سيهاجمون قبل الانتخابات الأمريكية أو بعد تحديد الرئيس/ـة التالي رسمياً. يكرر محللون ادعاءاتهم بأن هجوماً قبل الانتخابات سيخدم ترامب، الذي لا يريده الإيرانيون رئيساً. وثمة تقدير آخر يقول إن الجيش الإسرائيلي صفى كل منظومة الدفاع الإيرانية، بحيث أنه إذا ما اختارت إيران مهاجمة إسرائيل سيسهل على الجيش الإسرائيلي الرد، وسيكون أقسى. وثمة محللون يدعون بأنه إذا ما هوجمت إسرائيل، فسيكون هذا من العراق أو من اليمن، لخلق عرض عابث وكأن إيران ليست مشاركة في الهجوم. في كل حال، الكل جاهز للهجوم.
في نهاية الأسبوع الماضي، ارتفعت حالة التأهب إلى مرحلة أخرى. تقدر الشبكات الاجتماعية بأن موعد الهجوم سيكون السبت، وأثاروا تخوفاً أدى إلى إفراغ المقاهي والمطاعم. في زمن تملي فيه شبكات اجتماعية أحياناً جدول أعمالنا، فإن الحرب النفسية الحقيقية تحظى بنجاح كبير وتنتصر حتى على الواقع. الأنباء الكاذبة والواردة بخصوص تحريك قوات وصواريخ في نهاية الأسبوع الماضي، أدت بالمحلل العسكري الممتاز للقناة 12، نير دبوري، لنشر إيضاح صريح جاء فيه بأن ليس لجهاز الأمن أي معلومات عن ذلك، ما لم يؤدِ إلى توقف موجة الشائعات.
لإيران مصلحة لإبقائنا في حالة توتر وزرع الخوف فينا. هذا هو السبب الذي جعل الزعيم الأعلى لإيران خامنئي يغرد بالعبرية: “الولايات المتحدة والنظام الصهيوني سيتلقيان رداً ساحقاً على ما يفعلانه ضد جبهة المقاومة”. فتح خامنئي مؤخراً حساباً على “اكس” يطلق فيه تهديدات على إسرائيل. وهو لا يكتفي بذلك، وأطلقت آلة الدعاية الإيرانية شريطاً يستند إلى صور إسرائيلية تنشر في الشبكات الاجتماعية ويظهر فيها مواطنون إسرائيليون في حالة فزع وهم يصورون مُسيرات في بلدات الشمال. تنشغل أذرع الاستخبارات الإيرانية في تجنيد الجواسيس في أثناء الحرب وتفحص المزاج والمعنويات الوطنية. واستناداً إلى انطباعاتها، تخلق صورة وضع بعيدة عن الواقع، وتؤمن بأنه الوضع الحقيقي الذي تواجهه إسرائيل.
ولزيادة الخوف من الهجوم، الذي ليس واضحاً إذا كان سيقع، تمنح مصادر إيرانية مجهولة مقابلات صحافية مع شبكة سي.ان.ان وشبكات تلفزيونية دولية، تحذر فيها من هجوم مرتقب، وكل ذلك لزرع الخوف والفزع. في الأيام الأخيرة، أعلنت إيران عن إلغاء التعليم في مؤسساتها التعليمية، وعادت وهددت بتخطيطها هجوماً لم تشهده إسرائيل من قبل. إسرائيل تستخدم الطريق ذاتها، وبمشاركة جهات أمريكية، تحذر بالرد على الهجوم الإيراني، حتى لو خرج هذا من أراضي العراق. في الأيام الأخيرة، حذرت إدارة بايدن إيران من هجوم إضافي ضد إسرائيل، وشددت بأنها لن تتمكن من لجم الرد الإسرائيلي.
واضح لإيران أنها تخاطر برد أقسى بكثير قد يضرب منشآتها النووية. لقد أثبتت إسرائيل لإيران أكثر من مرة بأن ذراعها الطويلة تصل إلى كل مكان. تعرف إيران هذا، وتكتفي بالتهديد في هذه المرحلة. الفيلسوف والسياسي والمسرحي الروماني، سانكا، درج على القول: “الأسوأ من الحرب هو الخوف منها”. هذا هو السبب الذي يجعل جهاز الدعاية الإيراني يحاول زرع الخوف والقلق. لإسرائيل قوة عسكرية لازمة، والمطلوب جبهة داخلية قوية.
موشيه نستلباوم
معاريف 5/11/2024