تفجعني دوما آراء المواطنين المصريين التي تستقيها وسائل الإعلام عربية وأجنبية من الشارع المصري خلال الازمة المتفجرة حاليا ولكي أكون منصفا فإن النذر اليسير منها يعكس وعيا بما يجري في حين يخلط الغالب الأعم معلومات مغلوطة بعضها ببعض ويورد شذرات من هنا وشذرات من هناك عاكسا صورة موغلة في الانحطاط وعدم الوعي للشخصية المصرية، على أن أكثر ما فجعني من تلك الحالات هو حالة امرأة محجبة كانت تتحدث بالإنكليزية لواحدة من القنوات الأجنبية وتقول في تعليقها الذي أورده هنا بالعربية ‘ الإخوان المسلمون غاضبون لحرق مقرهم وهو مجرد مبنى في حين لا يغضبون من أجل حرق مصر (لم توضح ماذا تعني بحرق مصر) وتضيف السيدة التي تبدو في عمر النضوج وتبدو وقد تلقت قدرا عاليا من التعليم إذ أنها تتحدث بلغة انكليزية سلسة (إنهم يحضرون مسلحين لنا من حماس ليقتلوا الشعب المصري) قالتها السيدة بثقة شديدة وكأنها تملك ناصية الحقيقة (الإخوان يحضرون مسلحين من حماس ليقتلوا المصريين) ولم تذكر أين قرأت ذلك ومن أين استقت معلوماتها، هكذا يبدو الغالب الأعم من الجماهير ‘المذررة’ من الشعب المصري التي تبدو وكأنها تتحرك في أي اتجاه يراد لها أن تتحرك فيه حتى وإن كانت قد تلقت قدرا لابأس به من التعليم. وربما كانت ساحات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيسبوك أيضا هي التي تفضح الحالة الغوغائية التي تعاني منها الشخصية المصرية حيث يبدو جل المصريين وهم يرددون خطابا حشيت به رؤوسهم مسبقا مع أن الواضح أن جل هؤلاء حازوا على ما يبدو قدرا من التعليم وإلا فكيف وجدوا إلى الفيسبوك وتويتر سبيلا. مقولات من قبيل ‘الإخوان خربوا البلد’ و’مرسي قسم مصر’ و’حماس تقتل المصريين في مصر’ وغيرها من الترهات هي أمر شائع بين جحافل من المصريين على صفحات الفيسبوك يرددها أناس تلقفوها من آخرين عبر وسائل الإعلام أو عبر أناس في الشارع كالببغاوات دون تدبر أو تمحيص وكأن جل المصريين الآن قد ألغوا عقولهم كي تملأها وسائل إعلام بعينها بمعلومات مغلوطة وتشحنهم بخطاب يغيب العقل وإلا فما الذي يفسر تعامل هذه الجحافل مع فصيل مصري هو الإخوان المسلمون بطريقة أستعير في وصفها ما قاله أحد أصدقائي من أنها تشبه تعامل سكان بورما مع مسلمي ‘الروهينجا’، هل هي مشكلة وسائل الإعلام الفلولية وهي صاحبة مصلحة بالتأكيد في ضخ معلومات مغلوطة في عقول المصريين أم أن القضية تتعلق بالشخصية المصرية التي تشوهت كثيرا عبر ثلاثين عاما من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأود أن أقول أنه وبصرف النظر عن الانتماءات السياسية وأنا لست إخوانيا ولا أتحدث باسم الإخوان فإن الأمر يتعلق بمدى مستوى الشخصية وقدرتها على إخضاعها أي معلومة تتلقفها للعقل المفكر الناقد كي تحكم على مدى صحتها أو فسادها وهو ما لا يبدو حادثا في الازمة الحالية في مصر ويكشف عن ازمة ربما تكون أعمق من أزمة ديمقراطية وتداعيات الثورة وقد يحتاج إلى عقود طويلة لعلاجه من أجل إعادة شخصية مصرية أكثر إعمالا للعقل والسؤال هنا هو من المسؤول عن فساد عقول أجيال كاملة من الشعب المصري؟ أتذكر يوما أن خبيرا عربيا في التربية والتعليم قال لي في معرض الحديث عن أزمة التعليم في العالم العربي ومصر في قلب هذا العالم إن الأزمة هي من صناعة الأنظمة العربية ذاتها وأن كل الأنظمة العربية تستهدف من عمليتها التعليمية تخريج مجموعات متشابهة فيما قبولها التلقين وترديد ما يلقى إليها وكأنها قوالب من الطوب لأن من مصلحتها والكلام بالطبع للخبير هو ألا يخرج من بين الأجيال في بلدانها من يعمل عقله ويفكر ويتميز فيصير نقمة عليها، وهذا بالضبط ما حدث لأجيال من المصريين من ضحايا التعليم وممن نشاهدهم الآن عبر الفضائيات وعبر فضاء الفيسبوك في عهد الرئيس المصري المخلوع. لقد تعلم جل هؤلاء وتخرجوا من الجامعات وهم أشبه ما يكونون بنسخ من بعضهم البعض في قبول التلقين والانقياد ومن ثم لم تكن مهمة وسائل الإعلام الفلولية بالصعبة ولا بالمستحيلة فقد وجدت عقولا لا تجهد نفسها بالتفكير أو كما يقول البعض في مصر ‘ع الزيرو’ لتملأها بما أرادت من معلومات مغلوطة رغم أن أي طفل في المرحلة الابتدائية تربى على النقد والبحث في بلد يحترم التعليم ربما يكون قادرا على الجزم بأن تلك المعلومات غير صحيحة ومغلوطة عند أول عملية تمحيص وإعمال العقل. لقد كشفت مرحلة ما بعد الثورة في مصر وكشف الغطاء عن المكبوت لسنوات طويلة عن عيوب قاتلة في الشخصية المصرية التي تشوهت على مدى عقود من انعدام الحريات وأولها حرية التفكير وربما نجدنا نقف أمام أنفسنا وقفة مشينة ومخزية ونحن نرى هذه المجاميع التي ورغم حصولها على قدر من التعليم تكرر خطابا ألقى لها كالببغاوات رغم ما فيه من عيوب تفضح نفسها بنفسها، وربما ترتكس الشخصية المصرية مرة أخرى إلى ما كانت عليه أيام مبارك بإصرارها على ترديد مقولات دون إخضاعها لتفكير بعد أن يكون الأمل قد ضاع في تجربة جديدة ربما كانت ستصلح من حال تلك الشخصية وتهتم بأجيال ناشئة بطريقة تعليمية أفضل ربما تعوض تلك الوكسة الفاجرة والغباء الذي يطل من عيون ومن بين كلمات أجيال تربت وتعلمت في عهد مبارك الذي أفسد كل شيء حتى الإنسان.