مصائب الطيور تجتاح الفضائيات العربية
أنور بدرمصائب الطيور تجتاح الفضائيات العربيةتعودنا أن تشكل الكوارث الطبيعية والحروب مادة دسمة للفضائيات ومحطات البث التي اشتغلت علي الانتفاضة الفلسطينية والإرهاب الإسرائيلي المواجه لها ردحاً من الزمن قبل أن تغير اللوكيشن باتجاه أفغانستان وحروب البحث عن بن لادن، مع لقطات خارجية توزعت مابين العواصم العربية حين تظهر عملية هنا ومشتبه به هناك، لكن اللوكيشن عاد مُجدداً إلي المنطقة، وتركزت بؤرة الإضاءة في العراق، مع الحرب ضد الإرهاب التي أسقطت صدام حسين دون أن تنهي الإرهاب في العالم أو في المنطقة، ولا تزال تلك الفضائيات تتابع محاكمة صدام حسين بشغف لا يُقابله شغف المشاهدين.وفجأة ظهرت حمي أنفلونزا الطيور لكي تجتاح الفضائيات العربية أكثر مما اجتاحت الدواجن والطيور في المنطقة، وتذكرت عبارة في إحدي صيدليات بلدتنا كتبت بالخط الكوفي العريض، تقول مصائب قوم ٍ عند قوم ٍ فوائدُ وكانت تستفزني كلما دخلت إليها لصرف وصفة طبية، حتي اقتنعت في المحصلة أنها توصيف واقعي وحيادي لعلاقة قائمة.تذكرت هذه العبارة وأنا أقلب بين الفضائيات العربية التي حفلت نشراتها الإخبارية بنقل أدق التفاصيل وآخر المعلومات عن دجاجة نفقت في أوكرانيا أو بطة أصيبت في فرنسا، بالطبع بعدما كانت هذه الفضائيات قد أتخمتنا بساعات من البث عن الجائحة في دول شرق آسيا، تنوعت ما بين المادة العلمية الدسمة، والبرنامج الاقتصادي الذي يُعني بالأرقام والأسعار، ومع أنّ الإعلام السوري الرسمي يُصرّ أنّ سورية خالية من أنفلونزا الطيور، ويصرح مدير مكتب منظمة الصحّة العالمية في دمشق أنّ لحوم الدواجن السورية المرباة في مداجن مغلقة آمنة وسليمة ولا يُمكن أن ينتقل إليها مرض أنفلونزا الطيور، إلا أنّ المواطن ذهب ضحيّة البرامج العلمية التي أكدت له إمكانية انتقال هذا الوباء عبر الطيور المهاجرة، خاصة بعدما اكتشفت إصابات في جنوب تركيا وشمال العراق، وهي مواطن حدودية بالنسبة إلي سورية، فأقلعنا عن تناول لحم الدجاج، رغمّ أنه اللحم الوحيد المتاح لشرائح واسعة في مجتمعاتنا، بل أقلع أغلب المواطنين عن تناول البيض، وقد صرّح وزير الزراعة السوري الدكتور عادل سفر أنّ خسائر قطاع الدواجن بلغت سبع مليارات ليرة سورية خلال أقل من شهرين، وإذا استمر الحال فالخسائر قد تتجاوز هذا العام رقم (24) مليار ليرة سورية، والمشكلة أنّ القوانين الناظمة كما صرح السيد الوزير لا تسمح بالتعويضات، لكنه أمّل مُربي الدواجن الذين انهارت حرفتهم بإصدار تشريعات لإحداث صندوق للتأمين علي الحاصلات الزراعية والحيوانية، وبالتالي من لم تتمكن أنفلونزا الطيور من القضاء عليه، سوف يكون قادراً في المستقبل أن يؤمن علي حاصلاته، فلماذا الخوف؟! ہہہالدكتور وزير الزراعة يؤكد أنّ الإعلام تعاطي بشكل إيجابي مع الجائحة، ويؤكد أنها لم تصلنا بعد، فلماذا انتشر الرعب بين المواطنين وأحجموا عن أكل الدواجن ومشتقاتها، مما أدي لانهيار هذه الصناعة؟لم يُقدّم السيد الوزير إجابته، لكن الحماصنة ـ نسبة إلي حمص ـ أجابوا علي طريقتهم بأنّ نانسي عجرم تعرّضت لفحص أنفلونزا الطيور بعد دويتو مع علي الديك ، لكن هذا الأخير ما زال يحصد في مزارع الأغنية السورية أكثر مما تحصد وزارة الزراعة، بل هو انتقل إلي جبهة الأغنية السورية السياسية، حين حلل تقرير ميليتس موضحاً أنه بيسوي فرنكين وفلس .وأعتقد أنّ ملك الحاصودي قد استبق الدكتور فائز الصايغ المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الذي أصدر قراراً بتشكيل لجنة استشارية للبرامج الاقتصادية في التلفزيون العربي السوري برئاسة الدكتور سمير صارم، مهمتها تطوير الإعلام الاقتصادي في التلفزيون بقنواته الثلاث، وتقوم اللجنة بتبادل التنسيق مع لجنة البرامج السياسية التي تشكلت منتصف شهر شباط (فبراير) المنصرم برئاسة الدكتور غازي عبد الغفور، لتحقيق التكامل في الأداء الإعلامي السياسي والاقتصادي.لكن المطرب علي الديك حقق هذا التكامل في أغنياته ما بين السياسي والاقتصادي، وربما، بدون قرار. إذ أنّ أزمة الإعلام السوري لن تحل بتشكيل لجان كما يعرف أعضاء هذه اللجان أنفسهم، ولا بقرارات إدارية أو بتغيير المدراء، وكنت أتمني أن تسدي خدمة مجانية إلي السيد وزير الإعلام الدكتور محسن بلال حول المفاسد في وزارته علي غرار التقرير المخابراتي المجاني الذي نشر في موقع ألف الإلكتروني، والمقدّم إلي السيد وزير الثقافة رياض نعسان آغا حول الفساد في وزارته. مع أنني أشك في إمكانية أن يستفيد أياً منهما من هكذا تقرير، ليس من باب الشك بهما، بل هو شك بالمؤسسة ذاتها، وعجزها أو قصورها عن تجاوز أزماتها.الحليب واعلانات الحب في برنامج استفزازي اسمه لمن يجرؤ تحدثت الكثير من مغنيات الفيديو كليب بجرأة يحسدهن عليها كل السياسيين العرب، خاصة وأنهن أظهرن انسجاماً بين الشكل والمضمون، بعيداً عن أي تنظير أيديولوجي أو ادعاء، فكانت المعركة بين نانسي عجرم وهيفاء وهبي في حدود الشكل، لكن ماريا التي استضافها البرنامج في آخر حلقاته بزت الجميع في تأكيد براءة حسّها الطفولي، خاصة وهي تجلس في بانيو الحليب والكورن فليكس، حتي أنّ صديقاً لي تذكر أنّ والدته فطمته عن الحليب مُبكراً، وبدأ من يومها باحتساء المزيد منه. لكن السؤال ماذا تقدّم هذه الأغنية خارج حدود الصورة التي تشبك علاقة ما بين الجسد شبه العاري وبين الحليب المشتهي؟لنعترف بأنّ مُحبي الأغنية الحديثة من جيل المراهقين ومن تثبت في هذه المرحلة يتساءلون: هل رأيت فيديو كليب فلانة أو علان؟ وهل رأيت ما تلبسه أو لا تلبسه المطربة في الفيديو كليب الجديد؟ لكننا لا نسمع أحداً يتساءل عن صوت هذه المطربة أو لحن الأغنية الجديدة، وأعتقد أنّ القليل منهم من يتابع الكلمات.الأغنية الحديثة تطورت مع الفيديو كليب إلي مُجرّد صورة وغابت عناصر الأغنية الأساسية وهي الكلمة واللحن ثم الصوت الجميل.تذكرت هذه المعادلة وأنا أتابع حفل توزيع جوائز الأوسكار الذي بث علي فضائية ONE.TV العربية، حيث قدمت فيه ثلاث فواصل غنائية جميلة لم تتجاوز أطولها الدقيقتين، وهي تدخل في مسابقة أفضل أغنية مُسجلة لفيلم، بينما حفل مهرجان دمشق السينمائي بعروض مطولة في حفلي الافتتاح والختام لفرقة إنانا ولسواها، أثقلت علي جمهور الحاضرين للحفل، حتي أنّ أغلبهم ضحي بُمشاهدة الفيلم بعد عناء متابعة الاستعراض.ولن أنسي في هذه المناسبة أن أسجل خيبتي من عدم فوز فيلم الجنة الآن الفلسطيني بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، فربما كان يرضي هذا الفوز غرورنا.المهم من المقارنة أنّ الأغنية الحديثة في العالم يُمكن أن تكون غنية بعناصرها الأساسية إضافة إلي الفيديو كليب أو بدونه، ولا ننسي أنّ البيتلز وفرق الجاز التي ظهرت في العالم، بدأت كشكل احتجاجي علي نظام مُعين وجد تعبيره في قواعد الموسيقي التي رغبت تلك الفرق بتحطيمها وتخطيها. بينما لم نأخذ نحن من هذه الموجة إلا مظهرها، حتي أنّ النظام العربي السائد يبدو مُشجعاً لهذا النمط من الأغنية الهابطة عبر إعلامه وبثه الفضائي، لغاية في نفس يعقوب أو مدراء الأقنية والمحطات الفضائية، التي لا تنسي أن تلعب علي مخزوننا الثقافي، فعداد الحب يتجاوز كل من العلمانيين والأصوليين، حين يُقرّر سلفاً من خلال أسماء طرفي العلاقة نسبة النجاح أو الفشل بالمئة. وبعض العدادات الحديثة تقدم تبريراً لهذه النسبة من النجاح أو الفشل، وهذا اختراع ضارب علي كتب الأبراج وقارئة الفنجان. الفضائيات العربية لم تقف عند هذا الحد بل دخلت في أحاديث الإرشاد الصحي والإفتاء الديني، كما لعبت دور الخاطبة في نشر إعلانات الحب والرغبة في الارتباط علي سنة الله ورسوله، أو بدون هذه السنة لا يهم، مع التأكيد أن تمويل أغلب هذه الفضائيات يأتي من جهات وأنظمة تدعي الدفاع عن لواء الإسلام، بما هو أخلاق وسلوك وعقيدة، وليس من الولايات المتحدة عدوة الإسلام والمسلمين.كاتب وصحافي من سورية