مسرحيات لا تمتعني وكنزات محبوكة باليد

حجم الخط
0

مسرحيات لا تمتعني وكنزات محبوكة باليد

عناية جابرمسرحيات لا تمتعني وكنزات محبوكة باليدكانت بيروت مزدحمة وخانقة. كان مساء الاحد والساعة السادسة ليلا فقط، ولكن بيروت كانت مزدحمة وخانقة، الجميع كانوا ذاهبين الي شتي امكنة المدينة الجنونية والي لا ادري اين. ملتحون وحليقون، فاتنات وبشعات، ولكن الكل قد ارتدي احسن ملابسه مما جعل ضيقي شديدا. الأسوأ انني استطيع ان اخمّن اين يذهب البعض، ويسير الي غايته بسرعة كبيرة ما يجعلني هذا منقبضة جدا.أنا أفهم أن يذهب احدهم الي تلك الاماكن التي احدس لانه لا يجد شيئا آخر يفعله، ولكن عندما يكون هناك شخص يرغب فعلا في الذهاب اليها، ويسير لهذا الغرض بسرعة كبيرة، فان هذا يغضبني ويسوءني. خاصة عندما أري الشباب اللبنانيين متخاصرين مع البنات الآسيويات، واقفين في الزوايا المزعجة علي امتداد الشارع ينتظرون بصبر عجيب حتي تأتي سيارات التاكسي وتقلهم. من جهتي، كان ما زال عليّ شراء تذكرتين للمسرح لحفلة الساعة السابعة بناء علي توصية سهي، ونظرا لكونه يوم احد كان ثمة الكثير من العروض، ولكن سهي تريد عرضا معينا بشكل خاص، لذلك اشتريت اخيرا تذكرتين لمسرحية الوردة السوداء . كانت الحفلات يعود ريعها الي مرضي التلاسيميا من الاطفال او ما يشبه ذلك، ولم أكن مشغوفة بمشاهدة هذا العرض تحديدا، خاصة وان سعر البطاقة تجاوز الاربعين دولارا، ولكنني اعلم ان سهي، ملكة الزيف، سوف تسعد حين اخبرها بأنني حجزت بطاقتين لنا كما اوصت تماما. هي تحب العروض التي يجري الترويج لها وتصويرها للتلفزيونات. انا عكس ذلك. في الاساس لا احب العروض المسرحية كثيرا، واحب السينما اذا اردتم الحقيقة. قد لا يكون العرض رديئا غير انه لا يستحق كل هؤلاء الناس المصطفين بالطابور وكل هذا الحماس. اكره ان يمثل احدهم امامي مباشرة، واعتقد ان ما يدور علي الخشبة كحياة بديلة، مزيف، رغم اعتقاد البعض عكس ذلك. طبعا، ثمة عروض تبدو معقولة ولكن ليس علي النحو الذي تمتعك مشاهدته. انا فعلا لا استطيع ان اتبين الشيء الرائع في اشخاص يتنططون امامك في محاولتهم اقناعك بأن ما يلعبونه هو حياة حقيقية.هذا كل ما في الامر. باختصار، جاءت سهي وجلسنا متجاورتين نشاهد العرض. كان للممثل صوت جميل بالاضافة الي انه وسيم جدا، ولكنه لم يقنعني بالمرة، بل بدا منافقا لعينا بدلا من ان يكون عاشقا كما يقول النص. احسن جزء في المسرحية هو عندما تلعثمت الممثلة (نسيت دورها او سوي ذلك) فاحمر وجهها وكادت تقع علي الخشبة. كان ذلك انسانيا قليلا وقد امتعني ان انظر اليها في عينيها مباشرة، واغمز لها في حركة تواطؤ وغفران. كانت تعتقد ان ذلك شيء مذل ورهيب.المشكلة، انه عليّ دائما ان اري الي الاشياء مثلما اريدها تماما، وليس بحسب الأدوار المكتوبة في الحياة الحقيقية وفي التمثيل ايضا. وحين تنفذ الأدوار بحذافيرها امامي فمن النادر ان تعجبني. اظل قلقة علي الدوام من ان تسير الامور سيرا حسنا، ففي هذا بعض الزيف. الترتيب البالغ، اللطف الزائد، المواعيد الدقيقة، الوجنات العفية، العلاقات الجدية، والاشغال التي تسير سيرا حسنا، وباختصار الحياة الرائعة تربكني واتوجس شرا. احب العاهات بمعني ما، والشروخ والهفوات والخلل اللذيذ في الغالاكسي كلها، اي في المجرة.بعد ان خرجنا، لم اقل لسهي انني لم استمتع، بل اخذت احث الخطي في طريقي الي مقهي قريب احبه. هي تبعتني متثاقلة، ولم نكن نملك بعد ما يكفي وجبة عشاء معقولة، ولكنني كنت راغبة بالبقاء معها وقتا اطول، لكي يتسني لي اخيرا ان اقول لها عن عدم استمتاعي، واحذرها من مثل توريطي في احدي هذه المساخر ثانية. كان عيد الميلاد قد ولّي، ورأس السنة ايضا، والاضحي وسوي ذلك، من دون ان يحدث اي انفجار جديد. كان كل شيء مريبا، وقبيحا في عيني لكنني ألححت عليها ان نشرب شيئا عند هاروت . كانت سهي تلبس بنطلونا من المخمل الاجرد وحوالي عشرين كنزة صوف وكان واضحا ان امها هي التي حاكت الكنزات لانها كانت خشنة. هل تعلمين (قلت لها اخيرا) ان رجال الامن جاؤوا وكشفوا علي المسرح قبل ان تصلي. عاينوا وفتشوا تحت المقاعد لان مجهولا تلفن واخبرهم عن وجود متفجرة. يا لطيف! عم تحكي جدّ ليش ما قلتي كنا فلينا وعمرو ما يكون مسرحيات. ما حبيت عكر لك مزاجك واحرمك من المسرحية، خاصة انها عن الحب. بلا حب بلا بطيخ، شو منموت منشان الحب. كمان هيدي مسرحية سخيفة. كل شيء فيها سخيف، الممثلين والقصة وكل شي. يا ريت قلتيلي قبل مانفوت، بلا مسرحية وبلا بلوط.0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية