محاولة الربط بين ايديولوجية حماس ببعض القوي الاسلامية الاصولية تهدف تشكيل جبهة اصطفاف دولية ضدها
محاولة الربط بين ايديولوجية حماس ببعض القوي الاسلامية الاصولية تهدف تشكيل جبهة اصطفاف دولية ضدها موسي أبو مرزوق، أحد كبار قادة حماس، أعلن يوم الاثنين الماضي في نهاية اجتماعات مطولة أجرتها قيادة الحركة مع المسؤولين المصريين في القاهرة في اطار الاستعدادات التي تجريها هذه الحركة لتسلم السلطة في المناطق، أعلن بأن حركة حماس ستحترم جميع الاتفاقات التي عقدتها السلطة الفلسطينية مع اسرائيل ، ولكنه حذر قائلا لا يوجد أي اتفاق يبقي الي الأبد . فأي اتفاقات كان يقصد؟ هل يقصد اتفاق اوسلو ايضا؟ فهذا الاتفاق لم يُوقع بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية (التي لم تكن قد تشكلت في وقت التوقيع عليه ـ كما هو معروف)، بل تم التوقيع عليه مع ممثلين من الشعب الفلسطيني ، وهو عنوان أكثر اتساعا كما هو معروف. وهكذا، تم افتتاح مقدمة الاتفاق: لقد اتفقت الأطراف أنه قد حان الوقت لوضع حد لهذا الصراع بينها، وأنه قد حان الوقت للاعتراف المتبادل بالحقوق الشرعية والسياسية والتوجه الي العيش ضمن الاعتراف المتبادل بوجود الطرفين في اطار سلام واحترام متبادل ومستقر، بما في ذلك عملية مصالحة من خلال التفاوض والاتفاق السياسي . هذا جيد لكي نذكره ونتذكره.والآن، نحن في هذه الايام نعرف تماما أن ياسر عرفات لم يكن يقصد ولا لمرة واحدة بأنه يريد الاعتراف بوجود الكيان الصهيوني علي أنه دولة يهودية في المنطقة.المخاوف الاولي كانت قد ثارت في الفترة الاولي من سنوات التسعين، وذلك حين ألقي بعض الخطابات التي كانت موجهة فقط لأسماع العرب وحدهم. فقد ذكر أكثر من مرة صلح الحديبية ، مع أن المستشرقين مختلفون حول تفسير ذلك المصطلح ومقاصده، ولكن المتفق عليه بينهم أن ذلك المصطلح يمكن أن تُستخلص منه امكانية الاخلال بالاتفاق والانسحاب منه اذا كان مع الكفار . فهل هذا ما يذكره وما فهمه المتواجدون في جامعة القاهرة (شهر آب/اغسطس 1995)، حين سمعوا علي لسان عرفات قوله اثناء خطابه هناك. بعد ذلك جاء اتفاق اوسلو بما فيه من عناصر سيئة وجيدة، فاذا كان من بينكم من له اعتراض علي اتفاق اوسلو، فانني، أي عرفات، لي ألف اعتراض علي هذا الاتفاق، ولكن يا اخواني، أريد أن أُذكركم بشيء مهم، حين قرر النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) الموافقة علي صلح الحديبية فقد فعل. وأنا لا أقول لكم شيئا من عندي، بل أُذكركم بما تعرفونه أكثر من غيركم.. أُذكركم فقط .فما الذي أراد أن يقوله لمستمعيه؟ هل هذه الانتفاضات، ولا سيما انتفاضة الاقصي، ألم تكن من تخطيطه لكي يثبت بواسطتها أنها لا تختلف عن مجري التاريخ، وكأنها هجوم النبي علي الكفار من بني قريش (الذين كانوا الطرف الثاني الذي وقع علي هذا الصلح المشهور)؟.وبعد موته، وخلال مرحلة الاستعداد لانتخاب خلفه، وعن طريق الانتخابات حيث كان المرشح الأقوي هو محمود عباس (أبو مازن)، فقد كبرت الآمال وانتعشت الأماني بأنه أخيرا قد يكون الوقت قد حان للتوصل الي اتفاق سلام سياسي جيد يمكنه الصمود، ومن خلاله (أي أبو مازن) يمكن التوصل الي هذا الاتفاق مع السلطة الفلسطينية.ولكن ما نراه اليوم، هو أن الفوز الساحق الذي فازت به حركة حماس في الانتخابات التشريعية، أعادنا الي مربع صلح الحديبية مرة ثانية. فهذه السلطة (سلطة حماس القادمة) تعلن حاليا أنها ستحترم كل الاتفاقات الموقعة بين الطرفين ، ولكنها مع ذلك تؤكد بأنه لا يوجد اتفاق أبدي . وكما هو مفهوم ومعروف فانها لن تعترف بوجود اسرائيل ولا بحقها في العيش كدولة مستقلة في الشرق الاوسط وكدولة أم لليهود في ارض الوقف ـ فلسطين ـ وأن هذه الحركة ستُصر علي تجسيد وتحقيق كل الحقوق الفلسطينية بما فيها حق العودة .هكذا، نكون قد عُدنا الي سنوات الستين، وذلك حين تنبأ ذلك المستشرق (اليهودي)، يهوشفاط هركابي، وحلل الطموحات التصفوية الموجهة الي اسرائيل من خلال نظرية التحرير الفلسطينية والتي تكمن في التوجهات اللاسامية الواضحة والمؤثرة. وأن حركة حماس مستمرة بوضوح بالتمسك بالخط التصفوي لاسرائيل والذي انتهجه ياسر عرفات، وأنها لا تخفي نواياها بهذا الخصوص.الشيء الوحيد الذي يُسهل هذا الأمر علي اسرائيل، هو أنها ليست وحدها التي تواجه خطر المسلمين الاصوليين العدائيين . وقد فهمت الدول الاوروبية معني هذا الخطر وحجمه من خلال هذه المظاهرات الغاضبة التي تشهدها شوارع العواصم العالمية في الشرق والغرب، وتفهم ما معني قدرة الاصولية الدينية علي التحريض حيث بلغت قوتها شيئا مبالغا فيه وصل الي حد إحراق القنصليات والسفارات والمراكز التجارية والمقاطعة وما الي ذلك (وهذا لا علاقة له بموقفنا من الاسباب التي أدت الي ذلك)، فهذه الدول ستهتم أكثر بكثير من السابق في فهمها لمعني استيلاء مثل هذه الحركات علي السلطة في الدول ذات العلاقة مع الغرب (ومع اسرائيل)، ومعني الأخطار التي تنتظرها رغم أن عدد المسلمين في بعض الدول الاوروبية ليس كبيرا، إلا أن نفوذ هؤلاء وقدرتهم علي تحريك الشارع كبيرة (مثل بريطانيا التي تسمح لحزب التحرير الاسلامي بالعمل مع أنه من دُعاة الأسلمة في تلك المملكة).وكذلك يمكن التوقف ومراجعة تلك التحليلات التي نشرها البروفيسور المستشرق برنارد لويس، والذي أجمل دراسته في هذا الشأن (كما نشرتها صحيفة معاريف في عددها بتاريخ 3/2/2006 بأنه توجد ثلاث مراحل في ايديولوجية تنظيم القاعدة (الاسلامي) بوصفه التنظيم الذي يمثل الجانب الهجومي العدائي لنوعية من المسلمين الأكثر تطرفا. فهو يضع الامور وفق ترتيب يبدأ بعملية طرد الكفار من ارض الاسلام والمسلمين، وبعدها يأتي دور احتلال اراضي الاسلام المفقودة والتي سبق وأن حكمها المسلمون في التاريخ القديم (مثل اسبانيا والبرتغال وسسيليا واسرائيل بطبيعة الحال). وبعد ذلك تأتي المرحلة الثالثة والأخيرة والتي يسيطر فيها المسلمون علي العالم، وبذلك فانه علي طريق مقاومة مثل هذه الظاهرة التي نراها في نوعية محددة من المسلمين المتطرفين، فان اسرائيل لن تكون وحدها فيه.ابراهام طالخبير اقتصادي(هآرتس) 9/2/2006