محاورة مع الذكاء الاصطناعي

حجم الخط
0

تفضل مشكورا أحد متتبعي كتاباتي ببعث ما أسماه: «رد: (Chat gpt) على مقال سعيد يقطين المعنون: «من اليسراوية إلى الأمازيغوية». ليس عندي وقت للتثبت من كون الرد اصطناعيا أو بشريا، ولكني رأيته يستحق الحوار عكس بعض الردود التي أتعالى عليها لأنها ضد الحوار والاختلاف، ومن يستبدل بهما السباب يعبر عن طينته. يبدأ الرد هكذا:
«بداية، يمكن أن نثمن مقاربة سعيد يقطين التي تركز على الوحدة الوطنية والتعددية الثقافية، وهو ما يعد أمرًا أساسيًا في مجتمع متنوع مثل المغرب. ولكن يمكن الإشارة إلى بعض النقاط التي قد تحتاج إلى توضيح أو إعادة نظر».
هذا التثمين لم يأت قط على لسان أي من الردود البشرية التي جعلني أحدها «عراب العروبية»؟ العربية لا تحتاج عرابا. فهي بـ«سوالفها، ولا تحتاج خيوطا»، وتاريخها وحاضرها يجعلانها في غنى عن أي عراب. العراب هو من يتحدث عن لغة لا يعرفها، ويهاجم كل يوم أقدم لغة حية، والتي يستعملها نصف مليار شخص، والتي لا يستعمل غيرها للنيل منها.
« التعددية اللغوية والهوية: التعددية اللغوية والثقافية ليست بالضرورة عامل تفرقة كما يصورها المقال. الأمازيغية جزء من الهوية المغربية، وأي محاولة لتقوية هذه اللغة لا يجب أن تُفهم على أنها هجوم على اللغة العربية أو الإسلام. تعزيز الهوية الأمازيغية من خلال اللغة والثقافة يجب أن يتم بطريقة تشاركية لا إقصائية، وهو ما يمكن أن يكون نقطة تلاقِ بدلًا من أن يكون نقطة خلاف».
يناقض الرد نفسه، وهو يقول عكس ما في البداية. لا أنكر الأمازيغية جزءا من الهوية المغربية. والأمازيغوي يتهجم على العربية والإسلام والتاريخ العربي الإسلامي متوهما بذلك أنه يعزز الهوية الأمازيغية، ويختلق نقطا للخلاف ما طرحت قط في كل التاريخ المغربي. ألا يعتبر هذا عامل تفرقة لدى هؤلاء؟
«خطاب التطرف: في كل الحركات الاجتماعية أو الثقافية، توجد فئات قد تتبنى خطابًا متطرفًا أو حادًا، سواء من طرف دعاة الأمازيغية أو من المتطرفين في الدفاع عن العربية. هذا أمر طبيعي في الحركات الثقافية، ولكنه لا يعكس موقف الأغلبية. من المهم ألا نختزل الحركة الأمازيغية أو أي حركة أخرى في أصوات المتطرفين، بل يجب الاستماع إلى أصوات العقلانية التي تنادي بالحوار والتفاهم».
إن فئات خطاب التطرف هي التي تتبنى التمزيغ ضد التعريب. وإحدى صور التمزيغ تبرز في إنكار أي مكون عربي في المغرب. وكل شيء ممزغ، حتى التراث العربي الأندلسي صار أمازيغيا. ويقتضي خطاب العقلانية التصدي لمختلف أنواع التطرف إسلامويا كان أو أمازيغويا لكشف تهافته وأغاليطه المبنية على الاختلاق والتزوير.
3.»النقد البناء: المقال يركز على الانتقادات دون تقديم بدائل واضحة. إذا كان هناك رفض لمواقف معينة، فمن الأفضل أن تقدم حلولًا عملية لتعزيز الهوية الوطنية التي تضم الجميع دون إقصاء أي طرف. يمكن هنا اقتراح مشاريع تعليمية وثقافية تعزز التعددية وتنشر الوعي بأهمية الحفاظ على اللغات المختلفة بما يخدم الوحدة الوطنية».
قدمت دائما حلولا عملية وبدائل ضد خطاب التطرف الأمازيغوي، والتي قدمت عنها نماذج من الباحثين الأمازيغيين الأصلاء. يتمثل هذا البديل ليس في التهجم على العربية والإسلام، بدعوى التجديد، ولكن بالانخراط، والاشتغال الأكاديمي على الأمازيغية لغة، وتراثا، والكتابة عنها باعتبارها متفاعلة مع مكونات الهوية المغربية المختلفة، أو على الأقل ترجمة ما كتبه الأجانب عنها. وليس الاكتفاء بالفيديوهات التي تدعو ليس إلى الحوار مع المختلف، ولكن إلى الطعن فيه. إن ما يبقى ويشكل قاعدة لحوار وطني حول مختلف القضايا التي تهم المغاربة، ومن بينها الهوية، ليس الشفاهي المتشنج الذي يتهم الآخر بالإقصاء، وهو يمارس أشنع أشكال الإقصاء ضد كل ما هو مغربي وعربي وإسلامي.
«الاشتراكية والأمازيغية: مقارنة (الأمازيغوية) بحركات اليسار في السبعينيات قد تكون غير دقيقة. الحركات اليسارية كانت تتمحور حول قضايا سياسية آنذاك، بينما الحركة الأمازيغية تتعلق بهوية وثقافة ذات جذور عميقة في المجتمع المغربي. من المهم ألا نخلط بين السياقات التاريخية المختلفة، فالأمازيغية ليست أيديولوجية مستوردة بل جزء من النسيج المغربي».
لا يميز الذكاء الاصطناعي بين «الأمازيغية»، و«الأمازيغوية»، ولا بين الاشتراكية و«اليسرواية»، وهو يخلط بينهما. الأمازيغية لغة وثقافة لا أحد ينكرها، مثلها في ذلك مثل الدارجة المغربية باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات المجتمع المغربي. وإذا كانت الحركات اليسراوية سياسية، فالأمازيغوية سياسية أيضا. إن من يرفع شعارات، ويتخذ له علما خاصا، متميزا عن العلم الوطني، ويحرف التاريخ بادعاء تاريخ لا وجود له، يقوم بعمل سياسي، وخطابه إيديولوجي، لا فرق بينه وبين اليسراوي الذي كان يدعو إلى الانفصال. الأمازيغية ليست إيديولوجيا. ولكن «الأمازيغوية» إيديولوجيا عنصرية لأنها ضد كل التراث العربي ـ الإسلامي الذي ساهم فيه كل المغاربة، عربا وأمازيغ، منذ قرون. وهم بذلك يتنكرون حتى للأمازيغ الذين شاركوا في هذا التراث.
الخلاصة: «المقال يطرح وجهة نظر نقدية تجاه بعض التيارات المتطرفة في الدفاع عن الأمازيغية، ولكنه قد يغفل عن أهمية هذه الهوية بالنسبة للكثير من المغاربة. من الضروري أن نتبنى مقاربة شاملة تعترف بالتعددية اللغوية والثقافية كعامل قوة وتوحيد، وأن نحذر من الخطابات المتطرفة التي تأتي من جميع الأطراف. في النهاية، الحوار والتفاهم هما السبيل لتحقيق مجتمع مغربي متنوع ومتحد».
واضح التناقض هنا أيضا. طرحُ وجهة نظري النقدية والتحذيرية حول الأمازيغوية لا يغفل أهمية الهوية الأمازيغية ليس فقط بالنسبة للكثير من المغاربة، بل يؤكدها لكل المغاربة الذين تفاعلوا وتمازجوا بينهم طيلة قرون، وهذا ما ترك اللغات الأمازيغية قائمة، وكذلك تراثها إلى جانب ما أنتج بلغات أخرى. لم يعمل العرب والمسلمون الفاتحون لكل البلاد التي دخلوها أن حاربوا ما فيها من لغات أو ديانات. فالفارسية والكردية والقشتالية والتركية والأمازيغية، ظلت قائمة في مواطنها، مثلها في ذلك مثل اليهودية والمسيحية وغيرها من الديانات القديمة في المشرق العربي، ومن بينها المندائية. وكل الادعاءات التي يقدمها الأمازيغويون عن كون التعريب أقصى الأمازيغية فمجرد أباطيل يكذبها الواقع، وكل الأجانب الذين اهتموا بالأمازيغية، يؤكدون ذلك، وهم يقارنون مثلا الإسلام في الأندلس بمحاكم التفتيش الإسبانية.
استعمل الأمازيغيون في كل التاريخ المغربي منذ الفتح اللغة العربية الكتابية والدراجة حيثما أقاموا بلا عقدة نقص. وكل الإمارات والإمبراطوريات والدول التي تعاقبت على المغرب لم تطرح فيها قط مشكلة الهوية المغربية التي ظلت متنوعة ومتعددة لا فرق فيها بين عربي وأمازيغي أو يهودي أو أفريقي أو أندلسي.
إن الحركة الأمازيغوية ضد التعددية، لأنها دعوة أحادية، وهي لا تؤمن بمجتمع مغربي متنوع ومتحد، ولكنها مبنية على تشويه التاريخ والجغرافيا والتراث المغربي، والطعن في جذوره العربية الإسلامية، وهويته الوطنية الشاملة. وهي بذلك استعادة لما عمل عليه الاستعمار قديما، وتعمل عليه أمريكا والصهيونية والغرب حديثا، وكلهم يسعى إلى نشر الطائفية والحيلولة دون وحدة الشعوب العربية والإسلامية بتشجيعها الصراعَ بين الطوائف والمذاهب الدينية، وتغذية النعرة العرقية تحت مسمى حقوق الإنسان والأقليات في الوقت الذي نجدها تمارس التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني واللبناني وتغذي الفرقة في المنطقة برمتها.
يبدو لي أن الذكاء الاصطناعي أكثر انفتاحا للحوار من ذكاء بعض البشر الذي يقول: إما أن تكون مثلي وإلا فأنت عدوي. وتراه يتشدق بالأباطيل التي لا تصمد أمام أبسط تحليل تاريخي وجغرافي، وحتى علم الوراثة الذي صار بالنسبة إلى بعضهم حقيقة مطلقة ومعتقدا أكثر قدسية من كل المعتقدات، وتراه يدعي العقلانية والعلمانية والديمقراطية.
*كاتب من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية