متى تنقشع السحب الرمادية… من سماء تونس!؟

حجم الخط
0

“إن السياسي الجيد هو ذاك الذي يمتلك القدرة على التنبؤ، والقدرة ذاتها على تبرير لماذا لم تتحقق نبؤته.
(ونستون تشرشل)
سنوات عجاف من عمر الثورة التي ضجّت بها هتافات المحتجين في كل الولايات التونسية بدءا من سيدي بوزيد المنسية، مرورا بالقصرين التي يئنّ شبابها تحت نير الظلم والحيف والبطالة، وليس انتهاء بتونس الكبرى وأحيائها الشعبية المفقرة، ما زالت على ثقة أن السؤال الذي طرح نفسه بين أطياف واسعة منذ فترة طويلة لا يزال يبحث عن إجابات: تونس إلى أين؟
تونس اليوم في مفترق طرق. لا هي قادرة على الصمود في وجه العنتريات التي يخوضها رجال السياسة، ولا باستطاعتها لملمة جراحها للنهوض من شبح الأزمة الاقتصادية الساكنة ولم تتزحزح من فرط المهادنة وتعطيل الإنتاج في أكثر من مكان.ليزيد سأم الطبقات الاجتماعية نتيجة السقف العالي للمطلبية من إرباك الدولة وتقييد تحركاتها على جميع الأصعدة.

شعارات رنانة

لا حاجة اليوم للتونسيين لإحياء شعارات رنانة تختزل تظاهرهم في يوم ظنوا أنه كان فاتحة ليتخلصوا من إرث نظام جثم على قلوبهم لمدة 23 عاما بالتمام والكمال ولم يجترح فيها حلولا لمشاكلهم ويحقق مطالبهم في التنمية والتوازن الاجتماعي. فها هم يقفون اليوم بعد مرور عقد ونيف على رحيل “الرئيس” ولا شيء تحقق مما تركه هو لحظة هروبه خارج تخوم الوطن.
واليوم..تسيطر-اليوم-حالة من الضبابية على المشهد العام في تونس بعد ثلاث سنوات (25 يوليو / تموز 2021) من قرارات الرئيس التي أدخلت تونس التي تعاني من أزمة اقتصادية مستفحلة وكارثة وبائية غير مسبوقة في منعرج جديد لم تتبلور ملامحه السياسية بعد..!
اختلفت الآراء وتباينت فيما يتعلق بما شهدته تونس من القرارات وتداعياتها خاصة على الجانب الاقتصادي في البلاد التي تعيش بدورها ازمة اقتصادية ومالية خانقة منذ انتشار فيروس كوفيد 19 الذي أودى بحياة ما يزيد عن 18 ألف شخص وإصابة آلاف آخرين.
في هذا الشأن يقول الخبير والمحلل المختص في الشأن المالي والبنكي سفيان الوريمي “لنتفق أولا أن من أبجديات المعادلة الاقتصادية والنظرية المالية ضرورة توفر حد أدنى من الاستقرار السياسي والأمني لدعم الاستثمار وتحفيزه، هذا الاستقرار الذي لم يتحقق في تونس حتى قبل تاريخ 25 يوليو / تموز 2021 وتحديدا منذ سنوات ما بعد ثورة 14 كانون الثاني/ يناير، حيث شهدت البلاد أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة بالإضافة إلى سوء الحكم وتداعيات جائحة كورونا والأزمة المالية العمومية التي لم تعرف لها البلاد مثيلا في تاريخها المعاصر، مما زاد في تعميق الوضع الاجتماعي واحتقانه وأدى مباشرة إلى تراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية وضعف النسيج المؤسساتي والبنية الاقتصادية التي قاربت على الانهيار بسبب القرارات المرتجلة خلال فترة كوفيد-19”.
وفيما يتعلق بالانعكاسات المحتملة لإعلان الرئيس التونسي عن الإجراءات الجديدة خاصة، وتخوف البعض من تأزم الوضع وتأثيره على الاقتصاد التونسي، يقول الخبير سفيان الوريمي إن تونس اليوم “تعيش حالة من الترقب تسود تعاملات المتعاملين الاقتصاديين خاصة في حجم التعاملات المنخفض بالبورصة التونسية، في المقابل، فإن عدم تعطل أي من المؤسسات الاقتصادية أو المرافق العمومية هو مؤشر ايجابي لاستمرارية الدولة ولتوقعات بتجاوز الأزمة في أقرب الآجال.”
العديد من التونسيين يعتقدون في أن النظام البرلماني في تونس أدى الى كوارث سياسية عطلت تقدم البلاد والخروج بها من أزماتها المتلاحقة السياسية والاقتصادية وبالتالي حان الوقت لوضع حد للعبث السياسي واتخاذ قرارات جريئة، في حين يرى أخرون أنه انقلاب عسكري وجبت مواجهته والدفاع عن الديمقراطية في تاريخ تونس الحديث وهو ما يرفضه انصار الرئيس على اعتبار أن من ينادون بالمحافظة على المسار الديمقراطي هم أصلا لا يعرفون قيمته..!

الطبقة السياسية

وسواء اتخذ قيس سعيد هذه القرارات أو لم يتخذ فإن انفجارا كان سيحصل في تونس لأن الاحتقان من الطبقة السياسية بلغ مداه، وهي التي بدت مستهترة بمعيشة وصحة المواطنين التونسيين ولم تقم بمجهود يذكر إزاء الأرقام المفزعة للوفيات ( زمن محنة كورونا).
لقد جنحوا إلى التسول من بلدان العالم فيما لم يعرف مصير مبالغ كبيرة ضخت إلى تونس من الاتحاد الأوروبي وغيره لمجابهة جائحة كورونا.!
إن ما قام به قيس سعيد -في تقديري- والذي استحسنه بعض التونسيين ورفضه البعض الآخر هو تأويل لنص دستوري من رئيس منتخب ديمقراطيا يحتمل الخطأ والصواب.
فلا أحد بإمكانه الجزم بصحة قراءته للنص الدستوري في غياب المحكمة الدستورية العليا التي عطلت تشكيلها الأطراف التي تشتكي اليوم من القراءة التي قدمها قيس سعيد للفصل 80 من الدستور.
أما أنا فأقول: مرّت اللحظات والدقائق والساعات والأعوام أيضا وهرم التونسيون والكثير منهم أخذه قطار الانتظار إلى غير محطة النزول التي كان يأمل ويمنّي النفس بالنزول فيها. ولكن لا شيء تحقق غير الأمنيات والوعود التي لم يعد يأبه التونسيون لها ولا ينتظرون سوى أن يمضي يوم ويأتي مثله أو أسوأ منه ربما.
هذه النظرة يلحظها أي مراقب لمشاكل تونس من الداخل وأي متابع للأوضاع عن كثب، في الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم والنقل والخدمات العمومية بجميع صنوفها.

شهادة المنظمات العالمية

تونس اليوم من أكثر البلدان فقرا بشهادة المنظمات العالمية والتقارير الدولية.
تونس اليوم من أكثر البلدان التي يهاجر أبناؤها هربا من الوضع البائس وقلة الموارد وضعف الرواتب في جميع القطاعات.
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع:
ما الذي جناه التونسيون (وأنا واحد منهم) بعد عشر سنوات ونيف من المهاترة وضعف الأداء السياسي والتعصب في الرأي وغيرها من الأيديولوجيات المقيتة التي حكمت الطبقة السياسية المراهقة في هذا القطر الذي كان في يوم ما مقصدا لعدة شعوب وحكام يتباهون بزيارته لسبر أغواره وكشف إرثه التاريخي العميق.
كان لتونس أن تسلك غير هذا الطريق الذي أريد لها أن تسلكه وأن تكون الاستثناء فعلا لو توفرت الإرادة القوية لسياسييها ووقوفهم صفا واحدا خدمة لشعار “تونس أولا”. لكن ما بدا واضحا أن تونس تركت في الصف الثاني وغلبت أنانيةُ البعض وطنيتهم وظلت تونس ثانيا وربما أخيرا.
ولذا… اتخذ الرئيس قرارا جريئا ومؤلما في ذات الآن… وما علينا جميعا والحال هذه، إلا الانتظار فالأجواء تعبق برائحة الوليد المقبل على مهل..سيما ونحن على مشارف استحقاق انتخابي مفصلي.( الانتخابات الرئاسية 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024) إنه الإيمان الأكثر دقة في لحظات تاريخ-تونس السوداء-من حسابات راكبي سروج الثورة في الساعة الخامسة والعشرين..

كاتب تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية