متلازمة الهوية القاتلة

حجم الخط
0

لو يعلم من يدفع بمجتمعاتنا الى هاوية الرؤية الضيقة والبؤرة المحرقية التي تقضي على غيرها، ثم تتآكل هي ذاتها من الداخل، لأدرك بأن الجهل عامل أساسي ومهم لتعايش المجتمعات، لو أدرك خطيب المسجد وهو يلقي خطبته أن خطاب اللاأدري وإنما أعتقد هو الخطاب الانساني، لانفض الجمع دونما توترات أو شحن، كم خرجت مساجدنا قنابل متفجرة وألغاما قابلة للإنفجار. الدفع بالهوية الدينية كمحدد وحيد قتل مؤجل، الدفع بالمصطلح الهوياتي الديني مقدما على أوجه الهوية الاخرى، انتحار منتظر في زمن ‘الفتن’، وهو مصطلح ديني ينتج مفاهيم دينية. والحقيقة أن هذا الزمن ليس زمن فتنة وإنما زمن ‘مصالح سياسية واقتصادية’ تعيش على استهلاك مخزون الدول والحضارات الآخرى من بنى دينية واجتماعية متخلفة. ولي هنا بعض الملاحظات:
أولا: الدين ليس هدفا في حد ذاته وإنما هو وسيلة لإرشاد الناس وإسعادهم في هذه الحياة، فالهدف إذا هو الانسان.
ثانيا: ‘وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون’ عبادة الله لا يمكن تحديدها بطريقة واحدة وبمنهج واحد وإلا تنكرنا لميزة الاختلاف التي خص الله بها البشرية، نتيجة أمانة ‘العقل’ التي فضل بها الله بني آدم على غيرهم من المخلوقات، ‘ولايزالون مختلفين’. فالمسلم يأخذ من عقيدته ما يميزها عن غيرها بينما المسيحي أو اليهودي أو غيرهما له ما يستند اليه وهكذا هذه هي ديناميات التعايش.
ثالثا: التطرف الديني في المجتمعات الصناعية ناتج عن غربة الانسان وتهميشه أمام الآلة ورأس المال، فاليوتوبيا هناك يوتوبيا عدمية، بينما اليوتوبيا عندنا كمسلمين أو متدينين يوتوبيا ‘قيامية’، لذلك هي عندنا جماعية واشد تجذرا وهذه مشكلة لا يمكن مواجهتها الا بتغيير جذري في فكر المجتمعات ومنعطفات تاريخية كالتي شهدتها المسيحية مثلا، يزيد ويطور هذه الحالة سلبيا مستوى التخلف الذي تعيشه مجتمعاتنا وسوء ادراكها لمفهوم الثروة كعامل اساسي للاستقرار، بدلا من كونه عاملا او محددا للسيطرة فتتخلق نفسية تنتظر المستقبل للانتقام وليس للبناء.
وليس أدل على ذلك من مشاكل دول الربيع العربي التي تعاني منها اليوم، سقط المستبد ولكن تجلت نفسية التشفي والانتقام .
رابعا: تدوير التاريخ وليس تجاوزه عندما اقتنع المأمون بفكر المعتزلة حمل القوم على ذلك، اليوم هناك من يريد الاخوان وفكرهم وهناك من يريد غيرهم، وهناك من يحبذ الاصوليين وسلطتهم. لم تستطع أمتنا حتى اليوم من تطوير فكر حياتي تنموي لأنها جعلت من الدين هدفا اساسيا، بمعنى نريده لأنه متدين وليس لأنه كفء للمهمة بعيدا عن عقيدته أو دينه، طالما أنه كفء وملتزم بالقانون. ويسقط الكفؤ في الانتخابات لأنه لم يعرف عنه أنه يصلي مثلا.
خامسا: السلطة في عالمنا العربي تحتاج الى الدين إن لم يكن أصلا فرداء ‘وجلابية’ والدفع الذي نراه اليوم بالهوية الدينية الى الأمام لن يحمي السلطة بقدر ما قد ينقلب عليها لاحقا، والشواهد كثيرة، قديما وحديثا، لأن الفهم الديني انشطاري ومتحرك وله ألوان قوس قزح.
سادسا: المفروض التخوف من وهج يوتوبيا العصر الأول وقدسية اصحابه وتدريس التاريخ للاجيال بشكل أقل قدسية ونقاء تدريسه واقعا بشريا وتخليصه من ‘المدهش’ بقدر الإمكان، إن كان هناك ثمة أمل يرجى لجيل جديد ينتظم قدما ولا ينكص على عقبيه خوفا من المجتمع المصاب بتاريخه كمرض او متلازمة أمراض وقواه الضاغطة.

‘ كاتب قطري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية