عمان ـ «القدس العربي»: سرعان ما التقطت منابر الحراك الشعبي الأردني المفارقة عندما طالبت في ملصق إلكتروني تم تداوله بزخم، الحكومة بوقف الجسر البري مع العدو الإسرائيلي مجدداً، رداً على تواطؤ السلطات في تل أبيب مع مجموعة المستوطنين التي يبدو أنها تحترف التعرض لشحنات المساعدات الأردنية حصراً، وتطور من آلياتها في إتلاف تلك المساعدات مع عنصر جديد هو الاعتداء على سائقي الشاحنات، لا بل إحراق بعض تلك الشاحنات.
ببساطة، طالبت منتديات الحراك الشعبي بتقليد الحكومة التركية بالحد الأدنى. والمعنى هنا وقف توريد البضائع للكيان الإسرائيلي عبر الأراضي الأردنية، وهي بالمناسبة بضائع إماراتية وهندية تحديداً، رداً على تلك الاعتداءات للمستوطنين الذين لا يقوم الجيش الإسرائيلي بالتصدي لهم أو ردعهم.
ما ثبت في السياق لهيئة الإغاثة الهاشمية الأردنية المشرفة على جسر المساعدات -إن جازت التسمية- هو أن مجموعات المستوطنين منظمة، لا بل تحصل مسبقاً على معلومات عن سير الشاحنات الأردنية جغرافياً، وتترصد تلك الحمولة من المساعدات قصداً على مرأى من الشرطة والجيش الإسرائيليين، الأمر الذي يوحي بأن الجهة التي يتم التنسيق معها في دولة الكيان هي التي ترعى وتوجه تلك الاعتداءات، بل وتسرب المعلومات عن الطرق التي ستعبر فيها المساعدات الأردنية.
يتحدث المختصون في هيئة الإغاثة الأردنية عن عدد محدود من المستوطنين المتطرفين يظهرون لإعاقة الشاحنات والمساعدات براً، وهؤلاء ظهروا قرب معبر كرم أبو سالم، وأيضاً قبل معبر إيرز، وأمس الأول قرب معبر جديد فتحته السلطات الإسرائيلية.
تطور الفعل لهؤلاء المتطرفين؛ من ثقب أكياس الطحين الأردني بهدف إتلافها وهدرها على الأرض، إلى ثقب إطارات الشاحنات وضرب السائقين. وأمس الأول، سجلت المفارقة المستجدة حين تم إحراق شاحنات، ما دفع الخارجية الأردنية للاستشاطة غضباً وإبلاغ الأمريكيين الضامنين لجسر المساعدات بواقع الحال.
الرسالة في المواصفة الأردنية واضحة وحادة من اليمين الإسرائيلي، وهي على الأرجح تقويض نشاط هيئة الإغاثة الأردنية ومشروع الأردن في تنشيط جسر بري لنقل المساعدات، وهو مشروع لا يمكن القول إلا أنه أساس لمناورات الدبلوماسية الأردنية.
إسرائيل هنا كما لاحظ السياسي والوزير الأردني الدكتور محمد حلايقة وهو يتابع مع «القدس العربي» التفصيلات، لا تقول فقط إن جريمتها وعدوانها مستمران، بل تحرص على إبلاغ الدول العربية بأن تعقيد مهمة معالجة آثار العدوان على الشعب في غزة هو أساس استراتيجيتها ليس في حصار أهل غزة والجريمة ضدهم فقط، ولكن في حصار حتى معسكر الاعتدال العربي.
لا شكوك أن مؤسسة الإغاثة الأردنية التي توفر لها لوجستياً المؤسسات السيادية العليا معطيات الحركة والنقل لديها معلومات وإحداثيات محددة ومفصلة بخصوص ما يجري على المعابر للمساعدات.
و«القدس العربي» هنا حصلت على معلومات مباشرة من ضباط ارتباط الإغاثة تقول بالقناعة بأن التعرض للمساعدات الأردنية حصراً أصبح منهجياً وترعاه حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة، فيما التذمر والملاحظة والشكاوى حتى لأصدقاء الماضي في العمق الإسرائيلي بات خطوة لم تعد تفيد. ذلك لا يعني بتقدير الملاحظين والسياسيين، إلا أن تقويض جهد الإغاثة الأردني الذي استندت إليه استراتيجية المملكة بالاشتباك مع العدوان والتفاعل معه، أصبح هدفاً للإسرائيليين في وضع لوجستي معقد، بدأ يهدد النطاق العملياتي للمساعدات الإغاثية الأردنية بعد جهد عملاق في تثبيت أركانه.
ما الذي يريده الإسرائيليون حصراً من ذلك؟
سؤال في غاية الأهمية مرحلياً، لكن الانطباع سياسياً فيما يخص الإجابة عليه أن الإسرائيلي ينتقم من الأردن ويقوض إطاره اللوجستي في ملف المساعدات دون أن تفهم عمان بعد أو تبلغ أنها فهمت ما هي الخلفيات ولماذا يحصل ذلك.
طبيعي جداً هنا أن يعود الحراك الشعبي وملتقياته إلى التذكير بالمقايضة على الطريقة التركية وإلى العزف مجدداً على أوتار ملف كان الشارع قد تجاهله مؤخراً، وهو الجسر البري الذي ينقل بضائع ومنتجات للكيان الإسرائيلي عبر الأراضي الأردنية، والذي طالما تم تبريره على أساس أنه الطريق المختصرة لمنع لمجاعة والتهجير في غزة ولتسهيل عبور المساعدات.
هنا تخدش إسرائيل وتجرح تلك المقايضة الأردنية وتخرجها من السكة والتبرير، وإحراق شاحنات أردنية وإتلاف أكياس طحين أعاد فوراً تذكير الشارع بتلك البضائع والمنتجات التي تنقل من دول خليجية، وهو أمر لفتت الخارجية الأردنية أمس الأول نظر الأمريكيين له على أمل تخفيف وطأة وحدة إعاقة المستوطنين للمساعدات بدلاً من الاضطرار لاتخاذ قرارات انفعالية لوجستياً.
ليس سراً أن مؤشرات التقويض المنهجي للمساعدات الأردنية ترافقت بالمقابل والتوازي مع عودة الناطق باسم الخارجية الأردنية السفير سفيان القضاة، صباح الثلاثاء، للعزف مجدداً على وتر النصوص التي حفظها المواطنون الأردنيون غيباً الآن، تنديداً باعتداءات المستوطنين في الحرم المقدسي الشريف والمسجد الأقصى.
صباح الثلاثاء، عاد السفير القضاة لإصدار بيانات تعيد التذكير برفض بلاده لاقتحام المستوطنين الحرم المقدسي ورفع علم إسرائيل فيه صبيحة اليوم نفسه، كما ندد بإعاقة دخول المصلين المسلمين معيداً التذكير بمتلازمة الشرعة الدولية وواجبات القوة القائمة بالاحتلال والوضع التاريخي.
ذلك في الخلاصة لا يعني إلا أن اليمين الإسرائيلي يواصل منهجياً تقويض الوصاية الأردنية وبأدوات مماثلة بدأ يسترسل في تقويض مشروع الإغاثة في غزة أيضاً.
يفترض أن يعني ذلك شيئاً.