ما قاله افلاطون عن الحويجة

حجم الخط
0

قال افلاطون ان الخط الفاصل بين الديمقراطية والاستبداد رفيع جدا، معللا قوله هذا بأن الديمقراطية قد تسمح للحثالة بأن تسيطر على الحكم وتمارس الاستبداد على الشعب. وقبل أن استطرد لابد من ملاحظة ان أفلاطون كتب ‘الجمهورية’ في نحو سنة 380 قبل الميلاد، اي عقب ما يعرف تاريخيا بعصر انحطاط الديمقراطية في بلاد الاغريق او عصر الاستبداد، وان هرم طبقات الشعب على وفق ‘الجمهورية’ هم العلماء (الفلاسفة) اولا ثم ‘المحاربون’ ثم ‘الحرفيون’، واشترط افلاطون ان يقوم الفلاسفة بتعليم الحرفيين ‘الحقيقة’ المتمثلة عنده بالخير والحق والجمال. اما الحثالة فهي تلك الطبقة الأبعد عن ‘الحقيقة’. واخيرا كان أفلاطون يتحدث عن الديمقراطية صدقا، اي : حكم الشعب، وليس وهمَ الديمقراطية المنعكسة ظلاله على جدران الحواجز الامنية.
نعم، تخمينكم صحيح. الكلام ليس عن الاغريق، بل عن جمهورية العراق الأبعد ما تكون عن كل المدن، الفاضلة منها والسافلة. ولكن المفارقة ان ما قاله افلاطون قبل 2400 سنة ينطبق نصا على العراق الآن، حيث وصل الاستبداد باسم الديمقراطية الوهمية حدّا يتساءل فيه مسؤول كبير في الدولة وعضو في ائتلاف دولة القانون الحاكم، امام شاشات التلفزيون، يتساءل باسترخاء وهدوء يستفزان الحجر: ‘لماذا تقام كل هذه الضجة حول أمر بسيط مثل مجزرة الحويجة؟ ألا يُرتكب في العراق من المجازر اكثر واكبر مما حدث في الحويجة بكثير، فلماذا يثار كل هذا الضجيج؟’.
بالله عليكم هل سمعتم عذرا اقبح من ذنب كهذا؟ فالامر البسيط الذي يتساءل بشأنه السيد عزة الشاهبندر، كبير مفاوضي الحكومة مع المعتصمين السلميين، هو المجزرة التي ذبح وجرح فيها ما يزيد على مئتين من المدنيين العزّل في ساحة الحويجة برصاص الجيش العراقي وقوات مكافحة الشغب المسماة ‘سوات’، او القوات القذرة بتعبير المواطنين العراقيين، بعد ان حاصرتهم اربعة ايام ولم تسمح لهم بمغادرة الساحة.
بوصفي مواطنة عادية ولست مسؤولة كبيرة ولا صغيرة في الدولة، لا املك سوى مزيد من الاسئلة التي يرددها العراقيون، جوابا على الشاهبندر. اذا كان العراق الذي يوصف عادة بأنه يعوم على بحيرة من النفط، أمسى يعوم على بحيرة من الدم (وهذا ليس تعبيرا مجازيّا، بل واقعي لأن صديقة لي اخذت اطفالها الى مستشفى اليرموك ببغداد ولكن موظف الاستقبال نصحها بأن تعود بهم الى البيت لأن المستشفى تحوّل الى بحيرة من الدم بما لا يجوز للاطفال رؤيته)، وهو ما أكدّه الشاهبندر نفسه، لماذا لا يقوم المسؤولون عن الأمن بعمل شيء من اجل استتباب الامن العام؟ أليس هذا هو واجبهم، خاصة أن السيّد رئيس الحكومة هو نفسه القائد العام للقوات المسلحة ولقوات الامن والشرطة والاستخبارات ومكافحة الشغب؟ (هذه الاخيرة لست متأكدة منها، لأن المعلومات المتوفرة من البرلمان تقول ألا أحد يعرف من هو المسؤول عن قوات سوات فعلا).
ان الحكومة مسؤولة عن كل قطرة دم عراقي تسفك، بغض النظر عن هوية الضحية، مدنية كانت ام عسكرية، اذا كنت لا تدري وانت كبير المفاوضين. فإذا كانت الحكومة قادرة على وقف حمام الدم ولا تفعل شيئا فهي شريك في الجريمة، وحريّ بالقضاء ان يجازيها، ويحقّ للمعتصمين ان يرفعوا السلاح بوجهها، خاصة بعد أن ذبحتهم. وأما اذا كانت الحكومة بكل اجهزتها الامنية عاجزة عن ان تفعل شيئا فلتستقل ولتسمح لمن يقدر على ادارة شؤون البلاد وحقن الدماء..
ثانيا – تعلّمنا في المدارس أنّ ‘الجيش سور للوطن/ يحميه ايام المحن’، ولكننا كنّا نظنّ أن الجيش يسوّر الوطن مصوّبا سلاحه الى الخارج ليحميه من الاعداء الخارجيين، ولم نفهم ان الجيش يجلس على السور مصوبا سلاحه الى الداخل ليحمي الحكومة من المواطنين العزّل. ولم نتعلم ولا رأينا الجيوش في اية مدينة من مدن العالم تدور بعجلاتها المدرّعة في الشوارع، من اجل ترويع المواطنين وذبحهم كما حدث في الحويجة وقبلها الفلوجة والموصل والاعظمية… ومع ذلك اذا كان في عسكرة المدن خير وحقن لدماء الابرياء لا بأس، ولكن ما يحدث في المدن العراقية هو العكس لأن القوات المسلحة تصوّب نيرانها الحيّة الى رؤوس المدنيين.
ثالثا – لنفترض جدلا أن ما تقوله الحكومة من أن الاعتصام السلمي ليس وسيلة ديمقراطية شعبية للتعبير عن السخط على ما آل اليه العراق من دمار وفساد وانتهاكات، وان وراءه جماعات معارضة للحكومة وتريد الاطاحة بها، حتى في هذه الحالة لماذا تقحم الحكومة الجيش في الصراع؟ وبأي حق تستخدم القوات المسلحة التي يتم الانفاق عليها من اموال الشعب، ويقتل فيه الجنود لتصفية حسابات سياسية؟ ومتى اصبح الجيش مالكيا؟ وفي صالح من يتم تسيّيس المؤسسة العسكرية؟ وتقول الحكومة ان بين المعتصمين ارهابيين. ما هو تعريف الارهاب؟ باجتهادي المتواضع هو فرض ارادة سياسية ما على الآخر بالاستخدام الاستراتيجي لترويع المدنيين وقتلهم، أليس هذا هو ما تفعله الحكومة منذ الاحتلال؟ علمأ بأن رئيس الحكومة كان قد أقرّ أمام الملأ بأنه على معرفة جيدة بالارهابيين ولكنه لا يكشفهم لأنه يخاف على العملية السياسية من الانهيار.
رابعا – تقول الحكومة (ويردد معها الاعلام الخارجي) انّ الاعتصامات طائفية، اذا كان الامر كذلك، أليس في اقحام الجيش في صراع طائفي اشعال فعليّ وعمليّ لحرب طائفية، خاصة ان المعتصمين اعلنوها مئات المرات انهم مسالمون؟ ولكي نكون منصفين ان رئيس الحكومة كان قد لوّح بالحرب الطائفية غير مرة.
خامسا – ان من يقول ان تقسيم العراق هو الحل في مواجهة الحرب الاهلية انما يضحك على نفسه وعلى الاخرين، فما هي حدود المناطق، اين تبدأ واين تنتهي؟ ما هي حــــدود مناطق بغداد او الموصل او كركوك او ديالى.. وكم من طائفة معينة في المنصور او الدورة او الكاظمية، وكم من طائفة اخرى في الزبير وابو الخصيب وديالى ومن يقرر ماذا يتبع لمن سوى القوة الغاشمة وسفك الدماء؟ الا تدركون ان العراق واحد وان تقسيم الواحد لا يمكن الا بالكسور؟ والكسور ليست ارقاما طبيعية ولا كاملة؟ في مصلحة من يتم تكسير العراق…
المالكي للاسف يستخدم سياسة ليّ اليد مع العشائر وهو ابن عشيرة ويعرف ان من يدوس على طرف العشيرة لا يسلم منها، فما بالك بذبح ابنائها: كيف سيواجه الجبور والجنابات والعُبيد والعزّة والدليم وغيرهم كثير بالقوة؟ وكيف سيواجه عشائر الجنوب العربية العراقية التي ذبح رجالها ورمّل نساءها ويتّم اطفالها وقطع رزقها؟

‘ كاتبة عراقية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية