مؤتمر السعودية علي هامش مؤتمر مكافحة الارهاب

حجم الخط
0

مؤتمر السعودية علي هامش مؤتمر مكافحة الارهاب

د. مضاوي الرشيدمؤتمر السعودية علي هامش مؤتمر مكافحة الارهابحدثان شهدتهما العاصمة البريطانية منذ يوم الاثنين 16 كانون الثاني (يناير). الحدث الاول تمثل بقدوم وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لحضور مؤتمر مكافحة الارهاب والذي موله النظام السعودي واحتضنه احد مراكز الابحاث المختصة بالامن والدفاع في العاصمة لندن، تقاسم رئاسة هذا المؤتمر الوزير السعودي والذي افتتح المؤتمر شارحا الجهود السعودية في مجال القضاء علي الارهاب وتطرق للحلول الامنية والثقافية التي طبقت في المملكة منذ انخراطها في مشروع الحرب علي الارهاب واختتم المؤتمر الباحث الامريكي انتوني كوردسمان والذي تعتمد عليه السعودية دوما في مخاطبة الجمهور الامريكي بدءا باعضاء الكونغرس. اثبت كوردسمان من خلال محاضراته ونشاطه البحثي انه موسوعة متنقلة كل صفحاتها تصب في مصلحة تبرئة النظام السعودي من اي تهمة قد تلقيها الصحافة الغربية والامريكية بشكل خاص علي النظام السعودي. وبعد كلمة الفيصل الافتتاحية والتي عرضت بشكل سريع تطورات الحالة الامنية ونجاحات النظام السعودي جاءت كلمة كوردسمان الختامية لتفصل الانجازات وتضفي علي الخطاب الدبلوماسي السعودي شرعية اكاديمية ربما تكون اكثر اقناعا من الخطاب الاول. حاول الخطاب السعودي وخطاب كوردسمان تمييع الارهاب عندما تمت الاشارة الي انه يهدد العالم بأسره وهذا ليس بالصحيح اذ ان هناك دولا اوروبية لم تتعرض له وربما لن تتعرض له في المستقبل. وكذلك هناك الكثير من الدول في امريكا اللاتينية والجنوبية والتي لم تشهد انواع الارهاب التي شهدتها الولايات المتحدة واوروبا ومنطقة الشرق الاوسط وآسيا. اتي مؤتمر الارهاب هذا بعد عام من المؤتمر الاول والتي حصل في الرياض في شهر شباط (فبراير) من العام المنصرم دعت حينه السعودية الي انشاء مجمع عالمي تحت مظلة الامم المتحدة لمكافحة الارهاب ولم يكتب لهذه المبادرة النجاح لاسباب عدة. لذلك جاء مؤتمر لندن هذه السنة كمحاولة فردية تحت مظلة النظام السعودي ليس لنقل آخر التحليلات المتعلقة بظاهرة العنف السياسي بل لتزف للحضور الانجازات السعودية في هذا المجال. وبما ان الحرب علي الارهاب ليست كالحروب التقليدية والتي تنتهي عادة باستعراضات عسكرية ويناشين تعلق علي اكتاف رموزها لذلك تأتي سلسلة المؤتمرات هذه كخطوة عملية لاستعراض الانجازات التي تحققت خلال فترة الحرب علي الارهاب. ولكن جاء حدث اعتقال بضعة اشخاص في الرياض واكتشاف معمل لصنع المتفجرات ليعكر صفو المؤتمر ويشكك في مصداقية النجاح المزعوم. ولكن لا بأس ببعض التشكيك اذ انه يبرهن حجم المجهود المبذول ويطمئن اجهزة الامن الغربية والسلك الدبلوماسي والمؤسسات الاقتصادية التي ارسلت مبعوثيها لحضور المؤتمر السعودي ان الحرب علي الارهاب قد اوشكت علي الانتهاء. الطفرة النفطية التي تشهدها السعودية حاليا تعتبر من وجهة نظر هذه الشركات والمستثمرين الغربيين فرصة ذهبية لن تعكرها انفجارات هنا او هناك اذ ان بقاء البترودولار في المنطقة ليس من الامور التي تحملها الاقتصاد العالمي والغربي بشكل خاص. فالتهافت الغربي علي هذه الطفرة يقوم علي قدم وساق خاصة وان هناك قوي اقتصادية اسيوية جديدة فرضت نفسها علي الساحة العالمية والتي لم يكن الغرب متعودا عليها في تعامله مع طفرات منطقة الخليج السابقة وبالاخص طفرة السبعينات حيث كانت له حالة احتكارية واضحة لم تنافسه فيها اي قوة خارجة عن نطاق الولايات المتحدة واوروبا. اليوم الوضع يختلف اختلافا كليا عن تلك المرحلة السابقة. اراد الجميع اسدال الستار علي هذه الحرب المبهمة والتي قد تقف حجر عثرة فيوجه الحرب القادمة والتي مهد لها مؤتمر آخر تزامن مع المؤتمر السعودي.الحدث الثاني في العاصمة البريطانية تمثل باجتماع بعض اعضاء مجلس الامن الدائمين لمناقشة ملف ايران النووي وفرص تحويله الي مجلس الامن. لم ينته المؤتمر والاعضاء المجتمعون الي نتيجة حاسمة في الموضوع الايراني. ولكن تم تجنيد وزير الخارجية السعودي وانخراطه في المشروع الجديد والذي قد يأتي تحت مظلة الحرب علي ايران وهو مشروع غربي بحت ولكن لن يكتب له النجاح الا بتجنيد العناصر المحلية في المنطقة والتي جاءت تصريحات الفيصل للصحافة الغربية لتصب في هذا المضمار. خلت تصريحات الفيصل للصحافة البريطانية من الاشارة الي انجازات الحرب علي الارهاب والمؤتمر المعد له لتتطرق للخطر الايراني المتمثل بتطوير الاسلحة النووية بغض النظر عن كون هذا المشروع يهدف الي غايات واستعمالات سلمية قد تحتاجها ايران في المستقبل.اظهرت هذه التصريحات رغبة واضحة في تناسي موضوع الحرب علي الارهاب من منطلق طي صفحتها وفتح صفحات جديدة ربما تكون اليوم اكثر الحاحا من منطلق غربي بحت.يبدو واضحا وجليا ان الآلة الاعلامية والدبلوماسية الغربية بمساعدة العناصر المحلية تعد العدة لمرحلة قادمة. انخراط دول الخليج وعلي رأسها السعودية في خلاف حول الملف الايراني النووي والتي عبرت عنها تصريحات الفيصل يأتي في مرحلة تبدو المنطقة فيها اكثر ثراء وسيولة مادية وقدرة تراثية من ذي قبل. يستطيع الخلاف مع ايران او حتي اي نوع من الاستنزاف البطيء التي قد تحتضنه مياه الخليج وتكون مسرحا له ان تمتص الفائض من البترودولار الحالي. يبدو هذا الفائض وكأنه الشغل الشاغل للغرب حكومات وشركات ومؤسسات استثمارية وعسكرية اذ ظهرت سلسلة من المقالات التي تقترح السبل الكفيلة بامتصاص هذا الفائض المحلي وتحويله بطريقة دائرية تعيده الي الغرب تحت مظلة الحفاظ علي التوازن في الاقتصاد العالمي والعدالة الاقتصادية. الغرب اليوم يدفع الثمن الباهظ للطاقة التي يعتمد عليها اقتصاده ويشتريها بأسعار قد لا يتحملها اقتصاده في الامد البعيد لذلك ومحتاج لان تعود امواله المدفوعة لحكومات المنطقة ثمنا للنفط الي مصادرها الاصلية عن طريق اعادة شراء المنتجات والخبرات الغربية.من اجل ان يحصل هذا يحتاج الغرب الي امرين: اولا نجاح الحرب علي الارهاب والتي كانت موضوع المؤتمر السعودي في لندن هذا النجاح يضمن استمرارية العلاقات الاقتصادية مع المنطقة ونجاح المشاريع الاقتصادية الاستثمارية في الخليح بالذات. ثانيا يحتاج الغرب الي بعض القلق المحلي والشعور بالخطر والذي يصوره وكأنه سيأتي من ايران هذه المرة. لا يليق للمنطقة ان تشعر بالامن والاسترخاء ولكنها تخضع لمحاولة مدروسة وجادة من اجل ان تستبدل هذا الاسترخاء بحالة تشنج دائمة. ومع الاسف خلال الخمسة عقود الماضية شهدت المنطقة منظومات تهدف الي تعريف العدو وتحديد خصائصه وخطره لم تكن المنطقة حكومات وشعبا قادرة علي الانخراط في تعريفه بل كانت تستلم هذا التعريف من الخارج. صورت الولايات المتحدة الخطر الشيوعي سابقا وكأنه العدو المهدد لاستقرار المنطقة ثم جاء دور ايران بعد الثورة لتتصدر تعريف العدو فجندت الدول الصغيرة والكبيرة علي ضفاف الخليج المقابلة لايران في مشروع التصدي للخطر الجديد.وبعد ايران جاء دور العراق والذي كان الجبهة الاولي في الحرب علي ايران فصورته الآلة الغربية وكأنه الوحش الجديد وعندما وقع هذا الوحش في الفخ المنصوب له في الكويت تحققت التنبئوات الخارجية.جاءت الحرب علي الارهاب لتحتل مرحلة انتقالية فصلت بين مرحلة العدو الخارجي (الشيوعية ثم ايران وبعده العراق) وبين المرحلة القادمة. كانت هذه الحرب همزة وصل تحافظ علي حالة التشنج الخليجية والتي تسعي القوي الغربية علي المحافظة عليها لانها وحدها تخدم المصالح الاقتصادية والعسكرية الخارجية.فكان المؤتمر المتعلق بملف ايران النووي ممهدا لمرحلة جديدة تعاد فيها صياغة ايران علي انها دولة معادية وان اسلحتها النووية ستوجه في المستقبل الي منطقة الخليج العربي.لابد من طرح السؤال التالي من يشكل خطرا علي من في منطقة الخليج؟ ايران تستطيع ان ترصد من شواطئها القواعد العسكرية الامريكية والترسانة العسكرية التي تزين هذه الشواطيء من الشمال الي الجنوب. بينما ترصد الشعوب الخليجية المشروع النووي والذي هو في طور التأسيس علي الشواطيء المقابلة هذا بالاضافة الي سبعين مليون ايراني تصورهم الآلة الاعلامية المحلية علي انهم يتربصون بالبلاد ويحضرون لها المؤامرات.هذا التصور بعيد جدا عن الواقع وربما انه لا يعشش الا في مخيلة الانظمة وبعض منظريها. علاقة ايران مع دول الخليج علاقة تختلف من دولة الي اخري. فبينما تتبني اليوم الكويت الخطاب التصادمي مع ايران من خلال بعض الشخصيات الاعلامية نجد ان الامارات مثلا تفضل الاتصال الاقتصادي والعلاقات التجارية الحميمة علي خطاب العداء والصدام.اما عمان فتفضل الاسلوب الهاديء المتروي المعهود في السلطنة والذي يتسم بشيء من التروي في موضوع الخطر الايراني المزعوم. وقطر تبدو وكأنها هي ايضا تفضل الانفتاح الدبلوماسي علي ايران كبديل لحالة التشنج والتي قد بدأ التحضير لها. تبنت قطر ايضا الانفتاح الثقافي علي ايران مؤخرا وقد ظهر هذا بوضوح من خلال تواجد دور نشر ايرانية تعرض النتاج الديني والفكري الايراني في معرض الدوحة للكتاب والذي اقيم في شهر كانون الاول عام 2005. اما علاقة البحرين مع ايران فهي علاقة حساسة جدا اذ انها ذات ابعاد تاريخية واجتماعية ودينية وربما تكون من مصلحة الطرفين التعاطي مع المرحلة القادمة بحذر شديد. تبقي لدينا العلاقة السعودية الايرانية والتي عبرت عنها تصريحات الفيصل الجديدة المتعلقة بالملف النووي الايراني. اظهرت هذه التصريحات مدي استجابة السعودية لتعريفات الخطر علي الخليج والذي امسكت الولايات المتحدة بزمامه منذ نصف قرن. لا يهم النظام السعودي تطوير اي منظومة امنية او ارضية مشتركة مع ايران تساعد علي حل معضلة امن الخليج. طالما ان هذا النظام يفضل بشكل صريح وعلني اناطة مهمة هذا الامن بالقوة العظمي اي الولايات المتحدة سيظل منخرطا في مشاريع هذه الاخيرة وتعريفاتها. ربما ان هناك حالة عداء ومواجهة ايديولوجية بين الولايات المتحدة وايران في الوقت الحاضر ولكن لماذا تكون السعودية الطرف الفعال دائما في اعطاء حروب الولايات المتحدة بعدا محليا يساعد في شرعنة مثل هذه الحروب؟وربما للمواجهة الايرانية الامريكية الحالية بعد يتجاوز المنطقة ليظهر مدي انخراط روسيا ودورها وعلاقتها الخاصة مع الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص بعد الحرب الباردة. من المعروف ان روسيا تقف خلف المعرفة التكنولوجية التي تساند المشروع النووي الايراني وهذا من الامور التي يجب علي روسيا وامريكا حلها بعيدا عن معطيات الخليج وثروته النفطية. ولكن هيهات لهذه المنطقة ان تكون بمعزل عن اللعبة الدولية والتي لا تنجح عادة الا بعد عملية جادة تؤدي الي انخراط الجهات المحلية والتي قد تصل بالمنطقة الي مرحلة خطرة للغاية.جاء المؤتمر السعودي للارهاب في لندن ربما ليسدل الستار عن حرب تم استهلاكها وابتذالها حتي وصلت الي حدود خيالية وجاءت تصريحات الفيصل علي هامش مؤتمر اعضاء مجلس الامن لتفتح صفحة جديدة تكرس حالة تشنج بدأت ملامحها الهستيرية تتبلور بشكل واضح. مع الاسف تعتاش الانظمة المحلية والهيمنة الخارجية علي حالة التشنج هذه.9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية