للمرة الأولي في التاريخ ثمة إمكانية القضاء نهائيا علي الإنسانية!

حجم الخط
0

للمرة الأولي في التاريخ ثمة إمكانية القضاء نهائيا علي الإنسانية!

العنف تحت مجهر جان بودريار وإدغار موران وأرونداتي روي:منتصر حمادةللمرة الأولي في التاريخ ثمة إمكانية القضاء نهائيا علي الإنسانية!مع أن ضيف هذا العرض حرر خصيصا علي هامش تفجيرات نيويورك وواشنطن، إلا أن تبعات الصدمة الأمريكية بالأمس والصدمة البريطانية اليوم، وصدمات عديدة في الطريق، برأي أغلب المتتبعين لجديد هذه الاعتداءات، تشجع علي التوقف مليا عند قراءة كبار المفكرين لظاهرة العنف أو الإرهاب.يتعلق الأمر بالفيلسوف الفرنسي جان بودريار والفيلسوف الآخر إدغار موران، والمؤلفان لهما باع طويل في الكتابة ومتقاربان عمرا، وهما أقرب إلي مدرسة فرانكفورت النقدية أكثر من أي اتجاه آخر، وامتداد لها ـ مع الألماني يورغن هابرماس بطبيعة الحال ـ حيث يصنفان في حيز كتاب ما بعد الحداثة، بآرائهما الجريئة، بالرغم من أن لكل منهما عالمه المميز وقراؤه، وليس حديثهما عن العنف في العالم ـ محور هذا الكتاب ـ سوي التعبير الأمثل عن الهموم المشتركة رغم الاختلاف في الكتابة. (جان بودريار وإدغار موران. عنف العالم . ترجمة عزيز توما، وتقديم إبراهيم محمود. دار الحوار السورية. ط 1. 2005. 158 صفحة من القطع المتوسط).يري إبراهيم محمود أنه لا يمكن لأي كان أن يزعم أنه يعيش بمعزل عما يجري كونيا. فالعولمة بتصوراتها ومشهدياتها المتلفزة سواء بدت عولمة البربرية كما يقال أو الوحشية أو قانون الأقوي أو توحيد العالم بصيغ متفاوتة، لا تعفي أحدا من هم التفكير بتداعياتها، ويعني هذا أن مفرداتها المتعلقة بالحداثة وما بعد الحداثة والعلامات الفارقة للإنسان الاستهلاكي، ولأمم وشعوب تخشي علي نسفها من التفكك وفقدان الهوية.. هي مفردات لا يمكن التغاضي عنه، لأنها معاشة ولو بدرجات متفاوتة.من النقاط النقدية غير المبهمة التي يقف عندها كثيرا نفس الكاتب، تلك المتعلقة بموقفنا من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يرفض أن يصفها بأنها راعية الإرهاب أو دولة الكاوبوي، وأصل البلاء العالمي والشر المحض ، فليست هذه أمريكا، ولو كان الأمر كذلك ـ يضيف محمود ـ لما غدت في الواقع بمثابة (الأنا الأعلي) لغالبية الأوروبيين، لما بقيت كما هي، لما استطاعت الصمود. فدولة تستطيع المزج بين الواقع والخيال وتحيل الخيالي إلي واقعي، وتقرر مصير الواقع بوصفه جنحة خيال، وتغير المصائر والأفكار كثيرا، تتطلب المزيد من الرؤي ودقة المقاربات إذا رمنا الحقيقة من جوانب مختلفة وانطلاقا من الحدث الأمريكي نفسه .فأمريكا لم تكن بول كيندي أو فوكوياما أو هنتنغتون، لأنها كانت أمريكا والت ويتمان ووليام فولكنر وأليكس هالي وطوني موريسون وبول أوستر ونعوم تشومسكي بالطبع.تحدثنا عن نقاط نقدية غير مبهمة لأن قراءة إبراهيم محمود لأعمال بودريار وموران تجاوزت، من وجهة نظرنا، سقف التلاعب بالألفاظ والدلالات. فتارة يتحدث عن كتابة بودريارية تبدو أدونيسية تماما نسبة إلي أدونيس (ص 113)، وتارة أخري يتحدث عن كون الحدث هو حدث اكتشاف، اكتشاف المكتشف، المكتشف الذي يتطلب منه تقديم أوراق اعتماده للذي جعله موضوعا له دون تسميته إلا بوصفه الملحق باللا مسمي، بما هو مجازي، جغرافي غامض ! (ص 19) أما قمة المراوغات اللغوية، فنطلع عليها، نموذجا، في المقطع التالي: علينا الحديث هنا عن الطابع الثقافي والفكري والحقيقة الديوانية والتدبيرية لما هو أمريكي، حيث البحر اللصيق بمانهاتن بمداه المفتوح والأزرق وكأنه يوغل في اللامتناهي ويخترق اللاتناهي ويعيب الميتافيزيقا ذاتها كمفهوم مفارق، من خلال تجاوز عالم ما وراء البحار، إذ أن أوروبا ذاتها وقبل غيرها، أمست، مع العالم الآخر، في ما ورائها ، ولم تعد أمريكا محصورة في الركن الأقصوي (ما وراء البحار) إنما بات العالم نفسه حاضرا كمفهوم داخل حدود المدي المجدي لها، ومحصورا بها !! (ص 111)علي صعيد آخر، وجب التنبيه إلي أن الكتاب يحفل بالعديد من الأخطاء النحوية واللغوية وأخطاء أفظع في الترجمة، فاسم المعطي قبال الكاتب المغربي المقيم في باريس أصبح ماتي كبال (ص 44)، ولا ضير، إن لم يكن هذا الاسم معروفا لدي قراء المشرق العربي، علي أن الأدهي كان وصف الكاتبة والروائية الهندية أرونداتي روي بأنها كاتب هندي! (ص 58)، وأرونداتي روي، للتذكير، نالت جائزة بووكر عام 1997 عن كتابها إله صغار القوم وقادت التحرك ضد بناء السدود الكبري في وادي النارماد ولخصت تجربتها هذه في كتابها ثمن الحياة والصادر في عام 1997. ولو اطلع مترجم الكتاب، علي محررة الافتتاحية الثالثة في العدد ما قبل الأخير من فصلية بدائل البيروتية، لعلم بأن الأمر يتعلق بأرونداتي روي، دون سواها، ولأهمية ما جاء في الافتتاحية، نقتبس منها هذه الصرخة الإنسانية ضد عنف الأقوياء، ما دمنا نتحدث عن عنف العالم .نقرأ إذا، لأرونداتي روي أن الحاصل فعليا في عالم اليوم، هو أن العولمة الليبرالية، تقوم بتدمير فكرة الدولة القومية لإخضاعها لإرادة الشركات متعددة الجنسيات، وتخضع الهند اليوم لإرادة مثل هذه الشركات التي تقرر وحدها مصير بلدنا. اشتركت منذ مدة، مع خمسة آلاف شخص هجروا من قراهم نتيجة بناء سد النارماد لمصلحة حفنة من كبار مزارعي وتجار الأرز، في مظاهرة في شوارع نيودلهي، قمنا خلالها بافتراش الأرض أمام مقر رئيس البنك الدولي الذي يدعم هذا السد، من أجل مساءلته. خرج إلينا الرئيس من عليائه، كملك متوج، وقال سأدرس أوضاعكم بشكل فردي وبدأت الأسئلة تصفعه: من تكون؟ كيف تتحكم بمصيرنا؟ ومن أعطاك الحق في تقرير مستقبل أرضنا وأنهارنا؟ . يعتبر رئيس البنك الدولي اليوم، أقوي بكثير من وزراء الدولة في الهند، وتكمن المأساة في وجود تحالف بين البنك الدولي ونخبة العالم الثالث من أجل امتلاك الموارد والحفاظ علي هذا النموذج من الاستهلاك . (أرونداتي روي. العالم الثالث وسخونة المناخ بدائل بيروت. العدد 3. ربيع 2005)يجزم جان بودريار بأن رعب الضحايا الذين قضوا في هذين البرجين لا ينفصل عن رعب العيش والعمل في هذه التوابيت الحجرية المصنوعة من الإسمنت والفولاذ.فأمام حدث فريد كهذا، لا بد والحالة هذه من رد فعل فريد مباشر وعبثي. رد فعل يستخدم بطريقة ما الطاقة الكامنة للحدث، فكل ما سيتبعه، بما فيه الحرب، ليس إلا شكلا من أشكال التمييع والضعف المتصاعد. من هنا جاءت صعوبة العدول عن التعليق بشكل مباشر. ومن هنا نتفهم تأخر بودريار في نشر أولي قراءاته لتفجيرات نيويورك وواشنطن، ونتحدث عن مقاله الشهير روح الإرهاب الذي نشر في يومية لوموند الفرنسية، وصدرت ترجمات عديدة له في أسبوعية أخبار الأدب القاهرية و القدس العربي اللندنية وفصلية الفكر العربي المعاصر الباريسية ويومية الوطن السعودية.من المفارقات الدالة التي يقف عندها مليا بودريار، كون حدث نيويورك تم تصويره مرات عديدة كسيناريو البرج الجهنمي من قبل هوليوود أو من قبل المخابرات المركزية الأمريكية، لكن لم يكن أبدا تصوره كحدث ممكن، لهذا بقي غير متوقع تماما. فالسيناريوهات الافتراضية قادرة علي أن تستنفد كل الاحتمالات إنما ليس بوسعها أن تستنفد الحدث ذاته.فيما يتعلق بمفهوم الإرهاب، موضع الساعة في العالم بأسره، يري بودريار أنه إذا كان الإرهاب يدعي أنه يحدث الخلل في النظام العالمي أو الدولة فإنه إرهاب عبثي، وبما أن النظام العالمي أو الدولة لم ينوجدا علي درجة عالية ويحصر المعني، ومصدر فوضي ولا استقرار، فمن غير الفائدة الرغبة في إثارة مزيد من الفوضي وعدم الاستقرار. وتكمن الخشية في تعزيز النظام ورقابة الدولة وسط هذه الفوضي الإضافية، مثلما نجد الآن عند اتخاذ إجراءات أمنية جديدة في العالم بأسره.قراءة موران مغايرة بالمرة لقراءة بودريار، علي الأقل فيما يتعلق بالتعاطي مع مفهوم الإرهاب، حيث أنه لا يتطرق له بالتفصيل والتفكيك، وحتي عندما يعرج عليه في عجالة، يدقق فقط في العنوان، من خلال مطالبته للمتلقي بتصحيح العبارة، من منطلق أن الحرب لا يمكن أن تتم إلا ضد دولة، وليس ضد منظمة ليست قائمة علي دولة كما هو الحال مع تنظيم القاعدة .ولمن قرأ أعمال هذا الفيلسوف الفذ، عليه أن يتوقع تصدير النقد المركب والرصين لمفاهيم التقدم والعلم والتقنية والتطور والتنمية.. وهكذا، نقرأ لموران أنه إذا كان التقدم العلمي التقني والطبي والاجتماعي مذهلا، فإنه لا يجب التقليل من قيمة السلطة المريعة المدمرة والتي تجد تحت تصرفها العلم والتقنية. إنها المرة الأولي في التاريخ الإنساني حيث ثمة إمكانية القضاء نهائيا علي الإنسانية. كما أن الحياة علي كوكبنا هي أيضا تهدده بالفساد: هذه الأخطار هي ثمرة تقدمنا، فالتطور، ذو النموذج الغربي، يجهل أن هذا النموذج يحتوي علي مساوئ، حيث أن رفاهيته تعمم البؤس، وفردانيته تحتوي علي الأنانية والعزلة، وتفتحه المديني يولد القلق والملل، وقوته المنفلتة تؤدي إلي الموت النووي. ثمة عيوب تأتي من التخصص المبالغ فيه حيث كل فكر ينغلق ضمن قالب ويغدو غير قادر علي معرفة العام والأساسي. هذا التقسيم المعمم الذي نشهده يحمل علي الاعتقاد بأن نظامنا التربوي يحتوي علي عيوب أساسية لأنه يقف عائقا أمام المعارف بينما يكمن دوره في ربطهما ببعضهما البعض. (يمكن العودة إلي القراءات النقدية لموارن حول عيوب التخصص المبالغ فيه من خلال ثنايا كتابه القيم الفكر والمستقبل: مدخل إلي الفكر المركب . ترجمة أحمد القصوار ومنير الحجوجي. سلسلة المعرفة الفلسفية . دار توبقال للنشر. الدار البيضاء. 2004)لهذه الأسباب، يطالبنا موران بأن نأخذ في الحسبان بأن الحضارة الغربية تحمل في داخلها سرطانات ومشاكل. وهكذا فإن الأنماط الشهيرة للتطور التي نقلتها أوروبا إلي البلدان الإفريقية أو إلي الشرق الأوسط قد فشلت. وإذا مات التقدم، فلا جدوي إذا من المستقبل.وحتي يكون ختامه دينيا محضا، يري موران أن الديانات الكونية كالمسيحية والإسلام والبوذية، تخاطب الجميع، أيا كان أصل المؤمنين. إنها الديانات التي أصرت علي قيم العلاقة مع الغير، سواء كانت قيم محبة القريب، المؤثرة جدا في المسيحية، أو فكرة الرحمة المتينة جدا في الإسلام. هذه الديانات لها فضائل واسعة، وتكمن علتها، حسب موران، في تقوقعها، أو في انغلاقها وتعصبها، وفي رفضها للديانات الأخري، وقد شاهدنا تبعات الحروب الصليبية حتي أنها يخشي من أن تندلع مجددا. ويدعو موران هذه الديانات ـ ولعله يقصد الناطقين باسم هذه الديانات والمعتقدات ـ أن تتحد انطلاقا من نقاطها المشتركة، كالعالمية والتضامن والمحبة التي تصدر من القلب، والرحمة التي ربما تعلب دورا هاما جدا في كوكبنا، حتي يكون ختامه مسكا.كاتب من المغرب0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية