بذلت جهود كبيرة من قبل الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية ودول عربية؛ لوضع الأساس لخطة “اليوم التالي” قبل دخول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض وطرح بديل عملياتي لإدارة القطاع. أمس، وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى القاهرة للمشاركة في لقاء قمة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في نهاية الزيارة التي ستستمر يومين، يتوقع أن يعلن محمود عباس، بأمر رئاسي، عن تشكيل لجنة فلسطينية لإدارة شؤون غزة.
هذه القمة تشكل استمرارية فورية للقاء الذي أجري السبت بين وفود من فتح وحماس مع رئيس المخابرات المصري حسن محمود رشاد، التي شارك فيها أيضاً نائب عباس، محمود العالول، ومستشاره محمود الهباش، وممثلون عن حماس، الذين اتفقوا على تشكيل لجنة مهنية ستعمل برعاية الحكومة الفلسطينية. هذه اللجنة ستأخذ بيدها إدارة إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها، وتشغيل معبر رفح في الطرف الغزي وإعداد خطة عمل لإعمار القطاع بعد وقف إطلاق النار.
تمت مناقشة تشكيل هذه اللجنة في تشرين الأول الماضي، لكن النقاشات المبكرة انتهت بدون نتائج. ومنذ ذلك الحين، لم تكف مصر عن الدفع قدماً بفكرة تشكيل هذه اللجنة، في الوقت نفسه، مع نشر خطة “وقف إطلاق النار القصير” التي بادر إليها السيسي. حسب الخطة الأخيرة، سيتم إطلاق سراح أربعة مخطوفين مقابل سجناء فلسطينيين (الذين لم ينشر عددهم وأسماؤهم في إطار وقف قصير لإطلاق النار الذي سيتم خلاله استئناف المفاوضات حول وقف الحرب وعقد صفقة تبادل شاملة).
رفضت حماس الاقتراحين، وعبر المتحدثون باسمها عن خشيتهم من أن وقفاً قصيراً لإطلاق النار وصفقة تبادل محدودة لن تمنعا إسرائيل من استئناف الحرب، وأنه بدون اتفاق على وقف الحرب بشكل كامل وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، لن تحدث صفقة. بخصوص لجنة لإدارة الشؤون المدنية والشؤون الإنسانية في قطاع غزة، صممت حماس على تشكيل حكومة خبراء في البداية، ستتحمل المسؤولية عن إدارة القطاع. هذا الموقف الذي أيده يحيى السنوار في حينه أيضاً، استهدف ضمان مكانة لحماس بشكل رسمي ومعترف بها في حكومة فلسطينية. يبدو الآن أن حماس لينت موقفها وهي مستعدة للموافقة على تشكيل “لجنة إدارة” في إطار الحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة محمد مصطفى، الذي عينه محمود عباس في هذا المنصب في نيسان الماضي. التعيين، الذي عرض كجزء من الإصلاحات التي يتعين على السلطة إجراؤها، حسب الخطة المطلوبة من قبل الإدارة الأمريكية، لم يكن مقبولاً لدى حماس بسبب ذلك. وطلبت حماس تشكيل اللجنة حسب أمر رئاسي ينشره محمود عباس بصفته رئيس م.ت.ف. وطلبت حماس أيضاً بأنه سيتم لاحقاً تشكيل إطار موحد لتمثيل الشعب الفلسطيني، م.ت.ف محدثة، سيشمل جميع الفصائل الفلسطينية ومن بينها حماس.
هذا الطلب هو استمرارية للموافقة التي توصل إليها اللقاء الذي عقده 14 فصيلاً فلسطينياً، الذي أجري في تموز في بكين، والذي أعلنت فيه الفصائل عن المصالحة والاستعداد للعمل بالتعاون. ولكن منذ ذلك الحين، لم تتوقف الخلافات بين حماس وفتح، ووصلت هذه الخلافات إلى تبادل اللكمات اللفظية، هاجم فيها الهباش خالد مشعل، المسؤول عن حماس الخارج، والذي تحدث عن “إنجازات الحرب… الجديرة بالثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون” – وأعلن عن إلغاء اتفاق أوسلو. “الشعارات الكاذبة لن تحقق أي إنجاز ولن تدافع عن أي فلسطيني”، هذا ما قاله الهباش الذي يمثل موقف عباس، المعارض للنضال العنيف، ويشجع النضال السياسي والدبلوماسي.
مصدر رفيع في حركة فتح، قال أمس للصحيفة إن تشكيل لجنة الإدارة، إذا تم تشكيلها حقاً، “ليست سوى مرحلة أولية. سيأتي الامتحان الحقيقي عندما يطلب من إسرائيل المصادقة على عمل اللجنة في قطاع غزة والسماح لأعضائها بالوصول إلى القطاع وبدء معالجة الشؤون الإنسانية الملحة”. وحسب قوله، فإن الولايات المتحدة وافقت مبدئياً على هذه العملية، وأيضاً دول عربية مثل السعودية والإمارات، تؤيد هذه الفكرة. “لكننا ندرك طموحات حكومة نتنياهو اليمينية؛ السيطرة على غزة بشكل دائم، واستئناف الاستيطان في القطاع”، قال. بخصوص تغيير موقف حماس إزاء تشكيل اللجنة، أوضح رجل فتح بأنه “منذ تصفية السنوار وحماس الخارج هي التي تتخذ القرارات السياسية، وهي الآن منشغلة بالأساس في الحفاظ على مكانتها كحركة وكمنظمة سياسية”. وحسب قوله، يبدو أن قيادة حماس تعترف بأنه “لا مناص لديها من الانضمام لـ م.ت.ف والقيام بالشراكة مع “فتح” من أجل ترميم شرعية المنظمة. هذه المرة بشروط أصعب من الشروط التي حاولت إملاءها في السابق”.
مصدر إسرائيلي مطلع على الاتصالات مع مصر، قال إن العملية الفلسطينية تمت مناقشتها في اللقاء الذي عقد في الشهر الماضي بين رئيس “الشاباك” رونين بار ورئيس المخابرات المصرية. وحسب قوله، فإن الموضوع طرح بشكل مفصل في اللقاء الذي أجراه الأسبوع الماضي الرئيس المصري مع رئيس الـ سي.آي.ايه وليام بيرنز. واستنتج المصدر أن وتيرة التطورات منذ الخميس قد تدل على أن السيسي وعباس حصلا على الضوء الأخضر من واشنطن للمضي وبسرعة لتشكيل اللجنة كحل فوري للحاجة الملحة لاستئناف توفير المساعدات الإنسانية التي قلت دراماتيكياً في الفترة الأخيرة، ومنع تطبيق “خطة الجنرالات” في شمال القطاع. في هذا السياق، فإن تشكيل اللجنة أمر حيوي للسماح بإعادة فتح معبر رفح الذي أغلقته مصر في أيار الماضي، عندما سيطرت عليه إسرائيل وعلى محور فيلادلفيا، واستئناف العمل فيه تشترطه مصر بتشغيله على يد قوة فلسطينية.
في الوقت نفسه، حتى لو صودق على تشكيل هذه اللجنة، فثمة حاجة إلى ترتيب قضايا تقنية كثيرة، التي يمكن أن تفشل عملها. أهم هذه القضايا هي: هل سيكون وقف إطلاق النار شرطاً لتشكيل هذه اللجنة؟ حتى الآن، ليس واضحاً من الذي سيؤمن نشاط أعضاء اللجنة وما هي القوة التي سترافق قوافل المساعدات، التي ستكون هذه اللجنة هي المسؤولة عن توزيعها: على فرض أن أعضاء اللجنة لم يرغبوا في العمل تحت حماية الجيش الإسرائيلي، فكيف وأين سيتم فحص البضائع التي ستدخل إلى القطاع؟ في المقابل، تشكيل لجنة من قبل الحكومة الفلسطينية كجزء من السلطة الفلسطينية قد يفتح الباب إلى غزة أمام قوات دولية، وبالأساس عربية. جزء منها، الإمارات مثلاً، أوضحت بأنها ستكون مستعدة للمشاركة في جهود حماية القطاع إذا تما استدعتهم السلطة الفلسطينية.
العقبات التي ستقف أمام اللجنة، بالأساس موقف إسرائيل المبدئي، التي تعارض إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة، تضع علامة استفهام كبيرة على إمكانية تشغيلها. ولكن مجرد تشكيلها، حتى لو بقي على الورق في هذه الأثناء، فسيضع الحكومة الإسرائيلية أمام حقيقة تفيد بوجود بديل فلسطيني سيحصل على الدعم الأمريكي والعربي، ما قد يمكن من وقف إطلاق النار، ويمنع حماس من السيطرة على المنظومة المدنية في القطاع.
تسفي برئيل
هآرتس 4/11/2024