لا تهملوا الفاتيكان
د. محمد عجلانيلا تهملوا الفاتيكان رغم ان الفاتيكان حارة من حارات اي مدينة صغيرة، وعدد سكانها لا يتجاوز العشرات، ولكن حجمها لا يعكس ابدا سلطتها الروحية وحتي السياسية بل علي العكس تماما، فالبابا يملك سلطة روحية وحتي له تأثير كبير علي الجمعيات والهيئات السياسية العالمية، والتجمعات الدينية والنقابات.ان كان الغرب قد فصل الدين عن الدولة، ولكن ما زال للبابا تأثير كبير ودور كبير ان كان بشكل مباشر او غير مباشر علي الاحداث والقرارات السياسية في العالم. والامثلة عديدة ومتنوعة لا تعد ولا تحصي ومن اهمها.1 ـ كان للبابا والكنيسة الكاثوليكية دور كبير في انهيار الشيوعية في العالم ولا سيما في بولندا، هذا ما رواه بيرزنسكي مستشار كارتر السابق في كتابه الاخير الذي يحمل عنوان الخيار الثالث ، والذي شرح فيه كيف ان رجال الادارة الامريكية اعتمدوا علي البابا يوحنا بولص الثاني البولندي الاصل لتقويض اركان الشيوعية في العالم. وكيف كان يتم الاجتماع بين مستشاري الادارة والبابا في مكتبة الكنيسة البابوية.2 ـ كذلك كان للبابا والكنيسة الفاتيكانية دور كبير في منع رجال الدين في دول امريكا اللاتينية من تقديم دعم حقيقي لرجال الحركات الثورية ضد الانظمة الدكتاتورية في امريكا اللاتينية في سنوات الثمانينات وبداية التسعينات، وكاد ان يحصل انشقاق حقيقي بين الكنائس الكاثوليكية في هذه البلدان والكنيسة الفاتيكانية لان بعض الرهبان في امريكا اللاتينية وخاصة في السلفادور رفضوا هذا الفصل وأصروا علي تقديم الدعم للحركات الماركسية.3 ـ تولي فرنسا والاتحاد الاوروبي دورا كبيرا للفاتيكان وتستشير البابا وتعتمد رأيه بالنسبة لتقديم المساعدات الغذائية الفائضة عن الاتحاد الاوروبي وارسالها الي الدول التي ينصح بها البابا، ولذلك هناك لجنة استشارية اوروبية لها مكتب اتصال دائم مع الكنيسة البابوية بشأن المساعدة الغذائية العالمية، وللكنيسة ممثل دائم لدي الاتحاد الاوروبي يتولي هذا الملف ومتابعته.4 ـ اما في منطقة الشرق الاوسط وفي عالمنا العربي بالخصوص، فللكنيسة ايضا اهميتها ودورها، ونحن نعرف تماما ان فرنسا اخرت اعترافها باسرائيل ستة اشهر كاملة وكذلك التمثيل الدبلوماسي معها في عام 1948 بناء علي شروط وضعها الفاتيكان الا وهي ان تحترم السلطات الاسرائيلية أماكن العبادة المسيحية في القدس ووصول الحجاج المسيحيين اليها. وعندما استجابت اسرائيل لهذه الشروط، تم الاعتراف بها من طرف السلطات الفرنسية وتم تبادل التمثيل الدبلوماسي معها.5 ـ البابا يقوم بوساطات عديدة وادوار مهمة وآراؤه مسموعة ويؤخذ بها، لقد كان للبابا وللكنيسة دور في اطلاق سراح المطران الفلسطيني كبوجي الذي احتجزته السلطات الاسرائيلية وللبابا الحالي دوره وكذلك السابق وان كان بشكل غير مباشر مع عوامل اخري في عدم محاكمة طارق عزيز بالشكل المهين الذي نراه اليوم في عملية محاكمة صدام واخوانه.6 ـ واهمية الكنيسة ودورها نراهما في مذكرات القادة الاسرائيليين حيث يبرزون في مذكراتهم فصولا خاصة عن العلاقة بين اسرائيل والفاتيكان وخاصة غولدا مئير التي عملت بشكل كبير لاذابة الجليد بين الفاتيكان واسرائيل. وكل زيارة للبابا الي القدس نجدها تحوز علي اهتمام ومتابعة الاسرائيليين وخاصة زيارة البابا السابق يوحنا بولص الثاني الي حائط المبكي في القدس وتأثره وهو يضع ورقة صغيرة في احدي فتحات جدران هذا الحائط. لذلك علي العرب والمسلمين ان لا يهملوا ابدا هذه الدويلة الصغيرة التي قال عنها ستالين كم قطعة عسكرية تملك حتي اعترف بها، لان قوتها الروحية والمعنوية اهم من دبابات وصواريخ العالم مجتمعة، فهي تمثل مليار مسيحي كاثوليكي ولا بد ان يكون لها دور اكثر ديناميكية وعدالة بالنسبة لمعاناة الشعب الفلسطيني وكذلك هذه الهجمة المسيئة الي الدين الاسلامي ومعايره وقيمه، وعلي المسيحيين العرب ان يتولوا القيام بهذا الدور وخاصة ان المطران ميشيل صباح اصبح رجلا مقربا من الكنيسة الكاثوليكية ومن البابا بنديكت السادس عشر، ولقد حان الأوان لنقول للكنيسة الفاتيكانية كما كان لك ادوارك في العالم فانك مطالبة اليوم بان يكون لك نفس هذا الدور في ارض المسيح عيسي عليه الصلاة والسلام، ومهد الاديان السماوية.ہ رئيس مركز دراسات الحياة السياسية السوريةباريس8