كي لا تغرق حماس في السلطة
زكريا محمدكي لا تغرق حماس في السلطة تخطئ حركة فتح وحركة حماس إن تصرفتا علي أساس أن فلسطين دولة يتداول حكمها هذا الحزب أو ذاك. نحن لسنا بدولة، بل حركة تحرر وطني بحاجة إلي برنامج مشترك لكي نصل إلي أهدافنا. أما ما يدعي السلطة الفلسطينية فهي جسد سياسي يملك ولاية محدودة علي الناس، ومن دون ولاية علي الأرض تقريبا. أكثر من ذلك، فهــــذا الجسد الذي اعتقده الناس بداية للدولة المستقلة يهدد بأن يتحول عقبة في طريق نيل الأهداف الوطنية، ومن بينها الدولة، لا إلي أداة لتحقيقها. فهو، منذ وقت يتخذ، عبر موظفيه، أداة للضغط علي الحركة الوطنية وابتزازها. أي أن الأهداف الوطنية للشعـــب الفلسطيني صارت رهينة للوظائف التي أفرزتها السلطة. فإذا أرادت الحركة الوطنية أن تتخذ موقفا ما فإنها تهدد بقطع رواتب موظــــفي السلطة. وهكـــــذا يطلب من حماس الآن الاعتراف بإسرائيل أو تكون النتيجة قطــــع رواتب الموظفين. وهكــــذا فبدل أن يكون قيام دولة فلســطينية هو ثمن الاعتراف بإسرائيل وصلنا حد أن تكون الرواتب ثمن الاعتراف. نعم، فبدل الأرض مقابل الاعتراف صار الراتب هو المقابل. وهذا يعني في النهاية: الراتب مقابل السلام، ولا شيء غير ذلك.من أجل هذا فإننا نعتقد أن من الخطأ الفاحش أن تظل السلطة مركز الحركة الوطنية. أي انه يجب أن تتم إعادة بناء الإجماع الوطني خارج هذه السلطة، وأن تكون السلطة ومن يديرها هي النتاج الثانوي لهذا الإجماع، لا هدفه ومركزه. وربما يكون علينا أن نعيد إقامة هذا الإجماع عبر منظمة التحرير بعد أن تصلح ويعاد بناؤها. من المؤكد أن ابتعاد حركة فتح عن السلطة أمر جيد جدا، رغم أن البعض يريد أن يبتعد لعله يعود سريعا مراهنا علي فشل حماس. أي انه لا يبتعد تعففا ورغبة في إصلاح ما سببته السلطة من إفساد لفتح. فالسلطة أفسدت فتح حتي عظام العظام، وكادت أن تحولها من حركة تحرر وطني إلي خادم لامتيازات هذه السلطة الضئيلة الشأن. بل إنها حولت عناصر كثيرة من فتح، بفعل هذه الامتيازات، الي خطر علي وحدة الشعب ككل. غير أن هذا لا يجب أن يعني الابتعاد عن السلطة وترك قيادة الحركة الوطنية لطرف ما وحده. علي العكس، فحركة فتح يجب أن تظل في صلب الإجماع الوطني، شرط أن لا نضع إشارة مساواة بين السلطة والإجماع الوطني.وتخطئ حماس كذلك إذا تصرفت هي الأخري بشكل يجعل السلطة تبتلعها كما ابتلعت فتح. فالسلطة ليست مرامنا، بل الاستقلال الوطني. وتخطئ أيضا إذا اعتقدت أن إسرائيل ستسمح لها بقيادة هذه السلطة وإصلاحها. إسرائيل لن تسمح بذلك مطلقا. وسوف تنتظر اللحظة المناسبة لكي تُفهم حماس أنها لن تسمح لأحد لا يعترف بإسرائيل ويريد أن يحاربها أن يقود السلطة. هي لم تسمح لعرفات المعتدل بذلك، ولم تسمح لعباس الذي هو أشد اعتدالا بذلك. فكيف تظن حماس، إذن، أن هذا مسموح به لها؟أطرح هذا التساؤل لأنني أحس، في بعض اللحظات، أن حماس علي وشك الانزلاق في لعبة الوهم القائل بأن هناك حكومة وأن لها رئيسا، وأنها ستصلحها. من قال لها ان إسرائيل ستسمح لحماس بإصلاح السلطة لكي تكون أشد قوة في مواجهة إسرائيل؟ هذا وهم خطر جدا أيها السادة في حماس وفي غير حماس.أكثر من ذلك، فعلي من يأتي إلي قيادة الحكومة من حماس أن يفهم أن دمه يمكن أن يهدر من قبل إسرائيل في أي لحظة. ويمكن لهذا الدم أن يهدر بأسرع مما نتوقع. لقد هدر دم عرفات حين حاول أن يتحدي. لقد استغرقت إزاحته وقتا لأنه كان يملك ثقلا عربيا ودوليا لم يكن تجاوزه سهلا. لكن هنية أو غيره من قادة حماس لن يكون بحاجة إلي كل هذا الوقت لكي يزاح عن وجه الأرض. لقد قنصوا بالطائرات الشيخ أحمد ياسين وهو مقعد علي كرسيه أمام أعين الكون كله، فهل سيخشون من إطاحة رأس واحد من قادة حماس الآخرين حتي ولو سمي نفسه رئيس وزراء؟ من المؤكد أن حماس، باختيار الناخب الفلسطيني لها بمثل هذه القوة تجد نفسها في حرج. وهذا ما يعكسه قول بعض مسؤوليها: (إذا اعتذرنا عن عدم تحمل المسؤولية تحت أي مسمي، فإننا سنخذل شعبنا الذي أولانا ثقته) ـ كلام ينقله فهمي هويدي عن خالد مشعل، ونشر في القدس في الثامن من شباط (فبراير)، من دون الإشارة إلي مصدر المقال الأصلي. أن لا تتراجع حماس عن تحمل المسؤولية شيء وأن تتورط في السلطة شيء آخر، إلا إذا أرادت أن تقع في المأزق الذي وقعت فيه حين حولت السلطة إلي هدف بدل أن تكون وسيلة إلي هدف. لذا فقد آن الأوان لنكف عن التحدث عن حكومة وعن وزارات. آن الأوان لكي نكف عن المزاح. ليست هذه حكومة وليس فيها وزارات. هذه سلطة محدودة جدا، ولا تستطيع أن تمثل مصالح الشعب الفلسطيني. والانتخابات الفلسطينية كانت في أعمق أعماقها شكا في هذه السلطة وفي دورها. فقد انتخب الشعب الفلسطيني الحزب الذي كان خارج هذه السلطة. انتخبه لأنه رأي أن طريق السلطة قد أغلق. عليه فحماس ترتد علي إرادة الناخب الفلسطيني إذا أغرقت نفسها في السلطة كما حصل مع فتح. يجب عليها، في رأينا، أن توفر أكبر جهدها لما هو خارج السلطة، أي لبناء إجماع وطني جديد مناضل. أما الانبهار بالحديث عن تداول الحكم وفوز حماس بالسلطة، وما إلي ذلك، فهذا أقرب إلي أوهام الصبيان.وما ان يأتي الصيف، وربما قبله، حتي يتكشف لنا ولحماس أن السلطة حفنة تبن صغيرة بالنسبة إلي إسرائيل تستطيع أن تنفخ عليها فتعصف بها إذا حاول أحد أن يستغلها لمواجهة إسرائيل.عليه، فلنهتم بما هو أهم من الحكومة ووزاراتها البائسة!ہ شاعر وكاتب من فلسطين8