كيف نقيم الديمقراطية في بلادنا؟
كيف نقيم الديمقراطية في بلادنا؟ الديمقراطية كالإنسان، تنعقد نطفتها في رحم المعاناة، ثم تولد بهزة عنيفة، كأن تكون حربا أو ثورة، وقد تموت قبل الولادة أو عندها أو بعدها، فإذا ولدت سليمة وبتمام العافية، فإنها بحاجة إلي مداراة كاملة ومراعاة مستمرة، لتنمو وترشد وتكبر، لتأتي أكلها كل حين، بإذن ربها.والناس عادة، يبدون استعدادا منقطع النظير للنضال والجهاد والقتال ضد الاستبداد والديكتاتورية، فيضحون بكل شيء من أجل إنهاء عهدها، إلا أنهم يبدون برودا، ربما منقطع النظير كذلك، إزاء بناء الديمقراطية، وكأنهم يتصورون بأن الديمقراطية هي البديل الطبيعي للديكتاتورية، فإذا سقط الصنم، نهضت الديمقراطية من تلقاء نفسها، وكأنهم لا يتصورون أن من الممكن أن ينهض صنم جديد آخر إذا ما سقط صنم قديم، وتلك هي الطامة الكبري، ولذلك رأينا، ونري، كيف نهضت ديكتاتوريات علي أنقاض ديكتاتوريات، وأنظمة استبدادية علي أنقاض أخري، لأن الناس ينفضون أيديهم عن المسؤولية، حالما يتم الإعلان عن سقوط الديكتاتورية.يجب أن نتذكر دائما، بأن النضال من أجل تشييد دعائم الديمقراطية، لا يقل أهمية، أبدا، عن النضال من أجل تهديم قواعد الاستبداد والديكتاتورية.ولذلك، يدور في الخلد، السؤال التالي، كلما جري الحديث عن الديمقراطية، وهو من يحمي الديمقراطية؟ وكيف؟يمكن تحديد الإجابة علي هذا السؤال، بالنقاط التالية:أولا، شعب متعلم، وأمة مثقفة.شعب يعرف حقوقه وواجبات الحاكم، كما يعرف واجباته وحقوق الحاكم.فالشعب الجاهل ليس بامكانه أن يحمي ديمقراطيته الوليدة، وبالتالي فهو أعجز من أن يبني ديمقراطية راسخة.إن التعليم والثقافة، هما شرطان أساسيان لتشييد دعائم الديمقراطية، فضلا عن استمرارها، ولذلك، تسعي الديكتاتوريات إلي تجهيل الناس لتستمر في الحكم، فالعلم نور يضيء الطريق أمام الناس، فيميزون بين الصح والخطأ، أما الجهل، فظلام دامس تتحرك فيه الديكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية، بعيدا عن أعين الرقيب، لأن الظلام لا يتيح المجال للناس في أن يفكروا بشكل صحيح، كما لا يسمح لهم بكشف الحقائق، ولذلك، تنقلب في أذهانهم الأمور والمفاهيم، فالصحيح يبدو عندهم خطأ، والخطأ يتراءي أمامهم صحيحا، وهذا العشو الليلي هو الذي توظفه الديكتاتوريات للاستمرار في حكم الناس والتسلط عليهم، وسلب حريتهم وإرادتهم. إن علي العراقيين اليوم، أن يتعلموا كل ما من شأنه أن يفتح عيونهم فلا يستغفلوا أو يخدعوا، كما أن علي السلطة أن تهيئ للشعب كل سبل طلب العلم، فلا تحرمه من فرص التعليم أبدا، عملا بالحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله (ص) (اطلبوا العلم من المهد إلي اللحد) فلا يقولن أحد، مالي وطلب العلم؟ فلقد كبرت عن ذلك، أو يردد المقولة (العراقية) المشهورة (بعد ما شاب، أخذوه للكتاب) وهو، بالمناسبة، لم يبلغ الثلاثين أو الأربعين من العمر.نزار حيدرالعراق6