كيف نسي محتلو العراق الانتخابات وعرس الأصبع البنفسجي؟
هيفاء زنكنةكيف نسي محتلو العراق الانتخابات وعرس الأصبع البنفسجي؟في عراقنا، تمر الايام بطيئة. ساعاتها ودقائقها تحمل الينا احداثا ثقيلة، خانقة، تنذر بهبوب ريح مسمومة. من بينها أخيرا، الاعتداء الارهابي علي مسجد الإمام الهادي في سامراء، الكشف عن مقبرة جماعية حديثة الدفن للضحايا، وسط بغداد، وتضم 45 جثة. العثور علي جثث مجهولة الهوية عليها آثار لطلقات نارية في الصدر والرأس وهي مقيدة الأيدي ومعصوبة العينين في عدة مدن. العثور علي جثث 14 شخصا معصوبين ومقيدين في صندوق شاحنة. استلام 80 جثة لاشخاص مجهولي الهوية في الطب العدلي ببغداد. هذا هو مسار ايامنا، بينما ينشغل سياسيو الاحتلال والطوائف باقتسام فتات المناصب والمحاصصة التي باتت مغموسة بدماء أهلنا. فأين هم مما يجري، حاليا، للناس العاديين؟ أين وعودهم التي بذلوها لمن صدقهم من الناخبين؟ وفي خضم مايجري، هل يتذكر احد تلك الانتخابات؟متي تمت الانتخابات الديمقراطية في العراق المحتل؟ قبل اعوام أم أشهر؟ هل تتذكرون الأصبع البنفسجي، الضجة، الخطب، البرامج، التصريحات، والتهديدات التي رافقتها؟ تري، هل اعلنت نتائجها وتم تشكيل حكومة تمثل الشعب علي اختلاف مظلومية افراده التاريخية، أم….؟ ماذا جري للقوائم التي خاضت الانتخابات، وصرفت الملايين من اموال الشعب لطباعة ملصقات، زاهية الالوان، براقة الشعارات تحمل وجوها واسماء ومرجعيات؟ اين هي وعود الامين القوي بالامان والاستقرار ووعود رجال المرحلة بانهاء الطائفية وارساء الوحدة الوطنية؟ ماذا جري للخطوط الحمراء التي لا يمكن لقوات الاحتلال تجاوزها، ونزاهة وشفافية لجان النزاهة والشفافية؟ من يتذكر ليث كبة، المتحدث باسم رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري ورئيس كتلة السلام الوطني الذي اخبرنا، قبل الانتخابات، بتاريخ 28/11/05، انه سيفجر قنابل شديدة القوة، تتعلق كما قال، بحقائق علي الارض لايعرفها الشعب العراقي. كما نسبت له تصريحات اشارت الي ان الفساد الاداري وصل الي مرحلة مخيفة، فقوات الاحتلال سرقت، ووزراء سرقوا، واحزاب اغتنت، وقيادات كردية وصلت من الغني الي ارقام مخيفة فاقت كل التصورات .ماذا جري لبضاعة الديمقراطية المعلبة التي تم بيعها للناس يوم العرس البنفسجي، وما تلاها من ماراثون التشكيك والطعن والتحقيق وتهويل النتائج؟ تشير الاحداث كلها الي ان برامج الانتخابات ونتائجها، قد تمزقت، بعد شهرين من اجرائها، تحت ثقل الهم اليومي من قبل الشعب من جهة، وعنجهية المحتل الانكلو ـ امريكي وعبودية حكومة الاحتلال من جهة اخري. فمن الجهة الاولي، يمضي معظم ابناء الشعب ايامهم بقدرة قادر، وهم يحسبون اعمارهم بالدقائق وليس بالايام والشهور، مهنئين انفسهم وذويهم علي سلامتهم وبقائهم في قارب الحياة يوما آخر. مما يشعرهم بان الانتخابات قد تمت منذ عهود سحيقة وانهم شاركوا فيها من باب دفع البلاء لا غير. إذ انهم مازالوا كما كانوا قبل الانتخابات، يراوحون في مواقعهم ذاتها، عاطلين عن العمل، واقفين في صف انتظار طويل للتزود بمكونات الحياة الاساسية من البطاقة التموينية والغاز والبنزين، والوقود، اقدامهم غائصة بمياه المجاري والنفايات، الكهرباء مقطوعة ومياه الشرب ملوثة. وفيات الاطفال تضاعفت والوصول الي المدارس والكليات مخاطرة كبيرة. الاساتذة والعلماء والاطباء يقتلون. النساء والرجال، يعتقلون ويعذبون. كل ذلك يتم بلا تمييز وبديمقراطية نحسد عيها. من الجهة الثانية قامت سلطة الاحتلال المعجونة بعناصر العنجهية، والعنصرية، والجهل بطبيعة الشعوب والقوة العسكرية الهائلة، بتمزيق رداء الديمقراطية بنفسها، وان كانت قد صممته وفق مقايسها، لانه صار اشهارا عن فشلها. فالطائفية والعرقية والاقليمية والفيدرالية والجنسوية والميليشيات والمغاوير وارهابيي الاحتلال، مكونات انتشرت مثل فيروس يهدد بالتهام الجميع، بلا استثناء، وأولهم سلطة الاحتلال ومستخدميها. الامر الذي ادي اخيرا الي استشراء الخلاف بين المتعاقدين. وبات الخلاف بين سلطة الاحتلال الفعلية والمستخدمين المحليين حول توزيع المناصب والمراكز وعقود الاعمار الوهمية وضخ النفط بلا مقياس او رقيب واضحا حتي لأكثر الناس سذاجة، وان اختارت سلطة الاحتلال تغليف الخلاف بالحرص علي حياة العراقيين ودفع خطر الطائفية وحرصا علي وحدة العراق. وافضل مثال علي مباراة الكذب المفضوح حين حذرت امريكا علي لسان سفيرها زلماي خليل زاد، من تسليم وزارات الداخلية والدفاع والاستخبارات والأمن القومي الي عناصر طائفية، ملمحاً إلي أنه سيستخدم الفيتو لمنع الاعضاء الطائفيين من الوصول إلي هذه المناصب. ولم يكتف خليل زاد بذلك بل هدد سياسيي الاحتلال بقطع مايعادل الشرايين الدموية لديهم، أي الرواتب والمخصصات، قائلا: ان الولايات المتحدة تستثمر مليارات الدولارات في قوات الأمن والجيش والشرطة في العراق، وينتظر دافعو الضرائب الأمريكيين إنفاق أموالهم علي نحو سليم. ولن نستثمر موارد الشعب الأمريكي في قوات يديرها طائفيون. وهو ذات التهديد الذي اطلقته الادارة الامريكية بوجوه عملائها في فيتنام الجنوبية في سنوات الاحتلال الاخيرة لفيتنام. ولمواصلة العرض المسرحي، وصل وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الي العراق ليفرض بدوره شروط ومواصفات حكومته، داعيا عقب لقائه بالرئيس الانتقالي جلال الطالباني إلي تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تهيمن عليها جماعة دينية. ومثلما اشرف خليل زاد علي كتابة الدستور العراقي بمساعدة الزيارات المفاجئة لوزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس، ووزير الدفاع رامسفيلد وحملات التهديد والوعيد من البيت الابيض، كذلك يشرف الآن علي تعيين الوزراء في الحكومة العراقية ذات السيادة والمنتخبة ديمقراطيا، تبعا لتصريحات مسؤولي الاحتلال. وسيتم التعيين، مثل كل شيء آخر تحت الاحتلال، وفقا لحاجات الشعب الامريكي وكيفية استثمار اموال ضرائبه وحماية لوطنيته وسلامة ابنائه. وهو ذات الهدف الذي يحرص عليه العراقيون المستخدمون لديهم، وان أنشدوا غير ذلك علي غرار تصريح. رئيس الوزراء العراقي الانتقالي إبراهيم الجعفري القائل ان مسألة تشكيل الحكومة العراقية القادمة هي شأن داخلي محض تقرره الأطراف السياسية العراقية. وكانت هذه هي الجملة الاولي في تصريحه، اثناء مؤتمر صحافي مشترك مع جاك سترو الذي بدأ زيارة للعراق هي الثالثة له في أقل من ثلاثة أشهر. إلا أن الجعفري سرعان ما انتبه الي انحرافه عن خطاب الاحتلال المستقيم فاستدرك قائلا بأدب جم: من الطبيعي أننا سنستفيد من تجاربنا السابقة إذا كانت هناك أخطاء. نحن نرفض أن يتحول الانتماء إلي عقدة طائفية تأخذ مسارها في المؤسسات والوزارات العراقية .ولنتذكر بان واحدة من حجج المتعاونين مع الاحتلال، بداية، كانت حجة تقاطع المصالح. وهي اسطوانة كررها كل من دخل العراق اثر الاحتلال بصحبة القوات الانكلو ـ امريكية. فأين اختفت حجة تقاطع المصالح الآن؟ هل تم خزنها في ذات الدرج المظلم المستخدم لاخفاء الانتخابات ونتائجها؟ وهل بامكان الجعفري والطالباني وعلاوي والحكيم وبقية الاحزاب والمكونات، وان اجتمعت كلها وطالبت بصوت واحد موحد تعيين منظف في البيت الابيض الامريكي، ستوافق الادارة الامريكية وتعينه؟ وتبلغ مأساة ايامنا محطة مضحكة جديدة عندما يؤكد لنا الجعفري، وبعد مرور ثلاثة اعوام علي ما اختار هو وحزبه تسميته تحريرا وبناء للعراق الجديد، بان اغلب محافظات العراق تعيش وضعاً مأساوياً في مجال الخدمات والأعمار برغم انها تطفو علي بحيرة من النفط مشيراً الي أن حاجة المحافظات الي الأعمار حاجة موضوعية وواقعية لأن هناك خصوصيات ومشتركات للمحافظات في ما بينها . متجاهلا الاشارة الي مسؤوليته كرئيس للوزراء عن الاسباب التي حالت دون تحسين الخدمات العامة وتحقيق برنامجه الذي وعد به خلال الحملات الانتخابية. الأمر الذي يذكرني بتصريح للمغني الامريكي الاسود هاري بلفونتيه، عبر من خلاله عن رأي معظم الامريكيين من اصول افريقية في مناهضتهم لغزو العراق واعتبار الحرب خطا جسيما. حيث أدان موقف وزير الخارجية الامريكي السابق كولن باول، الداعم للاحتلال، وهو من ابناء جلدته السود، الذين عانوا تاريخيا من استعباد الرجل الابيض. قال بلفونتيه في تشرين الاول (اكتوبر) 2002: كان هناك نوعان من العبيد. الاول هو من يعمل في المزرعة والثاني هو من يعمل في منزل السيد. وبامكان العبد الحصول علي امتياز العمل في المنزل اذا ما خدم السيد بالطريقة التي يطلبها منه السيد بالضبط. ان كولن باول يعمل بتفان في خدمة السيد ليتم نقله الي المنزل .المفارقة التاريخية هي ان تفاني كولن باول في خدمته لسيده لم تبقه طويلا في المنزل، بل سرعان ما تم الاستغناء عن خدماته حال العثور علي عبد آخر اكثر منه تفانيا بالخدمة وان كان بنفس لون بشرته وهو السيدة كوندوليزا رايس. فهل ستصل رسالة بلفونتيه الواضحة البسيطة الي المتعاونين مع الاحتلال ليجنبوا اهلنا وانفسهم فقدان المزيد من الحياة وما تنتجه وتصنعه الحياة؟9