قراءة في مسرح الجزائري الشهيد احمد رضا حوحو
مسرح الفرجة والنضال في الجزائر لاحمد منور:ابراهيم صحراويقراءة في مسرح الجزائري الشهيد احمد رضا حوحوصدر عن دار هومة في الجزائر مؤخرا كتاب جديد للدكتور أحمد منور يحمل عنوان: مسرح الفرجة والنضال في الجزائر . يبدو الكتاب للوهلة الأولي تأريخا عاما للمسرح في الجزائر لولا العنوان الفرعي الذي يجعلك تنتبه إلي أنه يقصر بحثه علي مسرح أحمد رضا حوحو دون سواه. المؤلِّف أستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية آداب جامعة الجزائر ووجه ثقافي أدبي بارز في الساحة الجزائرية. هو أحد كتاب القصة القصيرة المعروفين. ينتمي إلي ما يعرف في الجزائر بجيل السبعينيات. أما الشخصية المدروسة أحمد رضا حوحو، فهو أحد الأدباء الجزائريين من شهداء ثورة التحرير الكبري. ولد في بلدة سيدي عقبة نواحي مدينة بسكرة، واستشهد سنة 1956 في مدينة قسنطينة. تلقي تعليمه الابتدائي والإعدادي في ناحيته مازِجا بين التعليم الأهلي والرسمي. هاجر بصحبة عائلته إلي الحجاز سنة 1935 ومكث هناك عشر سنين ليعود إلي الجزائر ويستقر بمدينة قسنطينة. كتب المقالة والقصة القصيرة والرواية والمسرح (وهو الجانب الذي يدرسه الكتاب). كان ينتمي إلي الحركة الإصلاحية معلِّما في مدارسها ومحرِّرا في صحفها. ترك عند وفاته مؤلفات منشورة عدة منها: غادة أم القري (قصة طويلة، ط 1 تونس 1947). مع حمار الحكيم (مقالات قصصية انتقادية، ط 1 ق. الجزائر 1953). صاحبة الوحي (قصص قصيرة، ط 1 ق. الجزائر 1954). نماذج بشرية (قصص، ط 1 تونس 1955). هذا إضافة إلي مقالاته ودراساته في جرائد ومجلات جزائرية وسعودية. كما ترك مخطوطات كثيرة.الكتاب من القطع المتوسط. يقع في ستة فصول مع مقدمة وخاتمة وفهارس للمصادر والمراجع والمواد ضمّتها 187 صفحة. في تمهيد خصَّصه المؤلِّف لظهور المسرح الجزائري وتطوره لاحظ تأخر هذا الظهور نسبة إليه في البلدان العربية الأخري وذلك بسبب ظروف الاحتلال التي عرفتها الجزائر وطبيعة هذا الاحتلال الاستيطاني الذي كانت الهوية الجزائـــــرية بمكوناتها (عروبة، أمازيغيــــة، إسلام) هدفه الأول. لم يكن اشتغال الجزائريين بالمــــــسرح تأثرا بالفرنســــــــيين الذين أدخلوه إليها في بداية الاحتلال، بل تــــأثرا بإخوانهم في المشرق خصوصا بعد زيارة فرقة جورج أبيض سنة 1921 وزيارات فرق أخري فيما بعد. كانت بداياته متعثرة ككل البدايات. غلب عليها في الفترة الأولي الممتدة فيما بين 1921 و1926 طابع الدراما الجادة وكانت لغة الحوار فيها هي العربية الفصحي. وعرفت المرحلة الثانية انطلاقة جديدة امتدت من 1926 إلي نهاية الحرب العالمية الثانية اتجه فيها رواده آنذاك أمثال: محي الدين باشطارزي وعلي سلالي ورشيد القسنطيني ومحمد التوري إلي كتابة الكوميديا واستعمال العامية بدل الفصحي. عرفت هذه المرحلة إقبالا جماهيريا كبيرا رسَّخ المسرحَ باعتباره تقليدا في المجتمع الحضري الجزائري. أما المرحلة الثالثة الممتدة فيما بين سنة 1947 واستعادة الاستقلال سنة 1962، فقد تميزت بالعودة القوية للنشاط المسرحي وعودة النصوص باللغة العربية الفصحي بعد أن تهيَّأ لها الجو بفضل الأثر الذي أحدثته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في المجتمع. كان المسرح الفصيح ذا طابع مدرسي شبه كامل في محتواه وأهدافه ولم يخرج عن إطاره الضيق هذا إلا علي يد أحمد رضا حوحو الذي أنشأ فرقة مسرحية وموسيقية هي فرقة المُزهر القسنطيني التي قدمت نشاطا متنوعا مسرحيا وموسيقيا استمر لسنوات ولم يتوقف إلا بتوقُّف حياةِ حوحو باستشهاده سنة 1956 كما سبقت الإشارة. قدم المؤلِّف في الفصل الأول ترجمة وافية للشخصية المدروسة التي ظلت جهودُها في المسرح مغمورة إلي حد ما، قياسا بما قيل وكتب عن كتاباتها الأخري خصوصا في مجال القصة. فتعرض إلي نشأة حوحو ودراسته ونشاطه ضمن جمعية العلماء المسلمين واستشهاده. كما تحدث عن ثقافته وانتمائه الفكري وآثاره ومميزات أدبه. وواصل هذا الحديثَ في الفصل الموالي (الثاني) لكنه قصره هنا علي أعماله ونشاطاته المسرحية دون سواها. مفهوم المسرح وأهدافه عند حوحو استأثر بالفصل الثالث. استخلصه المؤلف عبر مناقشته لمقالتين لحوحو إحداهما عن الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير موليير ومسرحه دافع عنه فيها وانتصر له علي خصومه، مما يشي بإعجابه به ويدل ذلك علي انه كان يعتبر المسرح وسيلة تربوية هامة تهدف بالدرجة الأولي إلي تقويم سلوك الأفراد ومحاربة الآفات الاجتماعية، ذلك أن الفن الدرامي مؤهل للقيام بهذا الدور أفضل قيام لما يتميز به من خصائص لا تتوفر في غيره من الفنون الأخري خصوصا قدرته علي التوصيل بيسر وبساطة ودون شروط مُسبَقَة كمعرفة القراءة والكتابة مثلا. وتحدثت الفصول الموالية عن تطابق تصور حوحو للمسرح مع تطبيقه. فكان الرابعُ منها معاينةً للفروق بين النصوص الأصلية والنصوص المُقتبَسة، منتهيا إلي أن بالنصوص المقتبَسة ضعفا فنيا وثغرات كثيرة في مستويات عدة ويعود ذلك أساسا إلي كثرة الحذف والاختصار الذي فرضته مبررات فنية موضوعية وضرورية أهمها ضرورة اتفاق النص مع أخلاق وتقاليد البيئة الجديدة المنقول إليها. كما يعود الضعف إلي الاستعجال الذي تحكَّم بإنتاجها، وهو استعجال يعود أساسا إلي انشغالات حوحو المتعدِّدة وتوزع جهوده بين الصحافة والإدارة وشؤون الفرقة. وتتبع الفصلُ الخامسُ الفروقَ بين التاريخ والخيال في مسرحية ملكة غرناطة التي اقتبسها عن مسرحية روي بلاس لفيكتور هيغو.وكان البعد السياسي لمسرح حوحو موضوع الفصل السادس والأخير من الكتاب. بعدٌ ينبُع من منطلق نضالي وطني مناهض للاحتلال ورافض لممارساته وأساليب حكمه. ويهدف إلي فضح غشه وادعاءاته. يختم المؤلف كتابه بجملة استنتاجات واستخلاصات ترسم فكرة واضحة عن حوحو ومسرحه. فرغم تربيته المحافظة وبعده في صباه عن المراكز الحضرية الكبري، اكتشف حوحو فنَّ المسرح وتعلَّق به. فنظر إليه نظرة مثالية ورأي فيه أداة للتربية والترفيه والتسلية بامتياز. مكنه ذلك من أن يقوم بنشاط معتبر فيه رغم عدم تفرغه له، فيؤلِّف ويقتبس ما يزيد عن عشرة أعمال كانت العمود الفقري لنشاط فرقة المُزهِر. وكان اقتباسا أعطي فيه لنفسه حرية تامة في التعامل مع النص الأصلي علي غرار طريقة تعامل رجال المسرح في الجزائر وفي المشرق العربي في هذا المجال. كما لم يأبه كثيرا بصحة الحقائق التاريخية ولم يتحرَّج من التصرف فيها وإدخال ما شاء من التعديلات. غابت السياسة إلي حد كبير في أعماله لكن حضورها في القليل منها كان شديد الارتباط بالواقع مع فهم عميق له، وجرأة في نقده، جرأة ساخرة داعية إلي تغييره. ينتهي المؤلف في آخر كتابه إلي ملاحظة غني تجربة حوحو المسرحية تمثيلا وتأليفا واقتباسا رغم قِصرها. كما لاحظ إسهامها الجيد والفعال في تنشيط المحيط الذي انبعثت منه وفيه في ظل الظروف القاسية التي نشأت عن الاحتلال. تكتسي هذه التجربة أهميتَها وخصوصيتَها من كونها وطنية في منطلقاتها تثقيفية في وسائلها تربوية في أهدافها، وهو ما جعل منها نموذجا مثاليا في المسرح الجزائري ومن صاحبها مثالا للمثقَّف الواعي الذي عاش هموم شعبه ووطنه حاملا قضاياه ومدافعا عن حقه المشروع في الحرية والكرامة غير متردِّد إذا ما دعت الحاجة، في التضحية بالنفس في سبيل هذا الهدف. الكتاب رحلة ممتعة في عالم المسرح الجزائري وبالأخص في أحد دروبه: درب أحمد رضا حوحو، وإنارة لإحدي زواياه: الشرق الجزائري. تتكون لنا بعد الانتهاء من قراءته فكرةٌ وافيةٌ عن جهود حوحو في المسرح وتكشف لنا جانبا آخر من جوانب شخصيته الأدبية لا يقل جدية وطرافة عن جوانبها الأخري. هذا عدا ثرائه بالمعلومات التاريخية القيِّمة وإحالاته الكثيرة التي هي جزء مهم من بيبليوغرافيا التاريخ الجزائري الحديث الثقافي منه علي الخصوص، في التمهيد والفصلين الأول والثاني رغم طابعها السردي التاريخي البحت. وبهذا يمكن اعتبار الكتاب إضافة إلي مكتبة المسرح الجزائري الذي ظلَّ إلي فترة قصيرة يعاني قلَّة المكتوب فيه وعنه.أخيرا، هل اقترنت الفرجة بالنضال في مسرح حوحو؟ وهل عكس الكتاب ذلك؟ نترك الإجابةَ لقارئ الكتاب. ناقد من الجزائر0