في وداع الشيخ زكي بدوي

حجم الخط
0

في وداع الشيخ زكي بدوي

د. عبدالوهاب الافنديفي وداع الشيخ زكي بدوي(1)أصبت بشيء من الدهشة حين صحبت الشيخ الراحل الدكتور زكي بدوي ومجموعة من الاخوة في رحلة الي باريس قبل بضع سنوات واكتشفت انه كان يحتفظ بجوازه المصري ولا يملك غيره رغم استقراره منذ عقود في بريطانيا ومكانته القيادية وسط مسلمي بريطانيا وعند أهل الشأن والحكم في المملكة المتحدة. وقد خلق تمسكه بجنسيته المصرية اشكالات عدة، خاصة عندما تقرر تكريمه بخلع لقب السير عليه، ولم يكن ذلك ممكناً الا للبريطانيين. وقد انتهي الأمر باعطائه لقبا شرفيا، وهو تكريم أندر لأن مرتبة الفروسية قل ان تخلع علي أجنبي الا في احوال استثنائية خاصة.(2)هذا التمسك الذي يقرب من الهوس بالانتماء المصري كان يعبر عن شعور عميق بالألم والفقدان لنفيه القسري ـ وقد سمعت منه خلال عدة محاورات تفاصيل هجرته من مصر، وتنقله عبر نيجيريا وسنغافورة وغيرها، حتي استقر به المقام في بريطانيا منذ اكثر من ثلاثة عقود، حيث ساهم في تأسيس مسجد لندن الكبير وكان امامه ومتولي ادارته، وظل يساهم منذ ذلك الوقت في كل عمل اسلامي مهم في بريطانيا.(3)من أكثر الروايات المؤلمة كان ما ذكره من حضور من عناصر من الأمن المصري الي مسكنه في سنغافورة لمساءلته عن استضافته للزعيم الاخواني الراحل سعيد رمضان حين زار سنغافورة. وقد استغرب د. بدوي هذه الملاحقة، وذكر زواره بتقاليد الضيافة العربية والاسلامية، وتساءل ان كانت هذه التقاليد اصبحت جريمة!!(4)خطر لي وأنا استمع الي رواياته تلك ـ والتي ذكرتني بروايات اخري مماثلة من آخرين ـ انه لو ان اجهزة المخابرات العربية بذلت ربع الجهد الذي تبذله في ملاحقة مواطنيها في ملاحقة الاعداء لكنا اليوم نحتفل بانتصارنا الألف.(5)مأساة الشيخ زكي بدوي بفقدان وطنه، ومأساة ذلك الوطن بفقدان احد ابنائه البررة، كانت خيراً وبركة علي بريطانيا التي اثري حياتها الاسلامية بتأسيس المساجد والكليات الاسلامية، ومجلس الشريعة ومجلس الأئمة، اضافة الي تحوله الي ناطق باسم التيار المعتدل وسط الجالية، وكونه محاورا باسم الجالية مع أهل الاديان الاخري ومع اهل الحكم، وقد نذر الشيخ الراحل حياته بالكامل لهذه المهام، وناله من ذلك ما ناله من سهام، جاء اكثرها من داخل الجالية الاسلامية.(6)لم يسلم الشيخ الازهري كذلك من سهام الآخرين، وكان آخرها قيام الادارة الامريكية بمنعه من دخول اراضيها الصيف الماضي، وهو امر مستغرب يدل علي الفوضي في هذه الادارة التي منحته تأشيرة دخول وهي تعلم من هو. وقد حاول البعض بعد ذلك اصلاح هذا الخطأ بدعوته رسميا لزيارة الولايات المتحدة. وبحسب الشيخ الراحل فان مواقفه من القضية الفلسطينية ربما كانت وراء عداء بعض الاوساط الرسمية الامريكية تجاهه.(7)مهما يكن فان هناك ما يشبه الاجماع علي الاشادة بالراحل الذي نظمت له بالامس جنازة لم تشهد لندن وجاليتها الاسلامية مثلها منذ عهد بعيد. وقد اجمع علي الثناء علي الراحل زعماء الجالية الاسلامية وأحبار اليهود وقادة الكنائس ورجال الحكومة والاعلام.(8)هناك بعد شخصي بالنسبة لي في الخسارة التي يمثلها رحيل الشيخ زكي بدوي، ليس فقط لانني نعمت بمعرفته زمانا، واستفدت من آرائه وحكمته، حيث كان كثيرا ما يسعدني بالتعليق علي ما اكتب. بل ايضا لانه انضم في العام الماضي الي المجلس الاستشاري لبرنامج الديمقراطية والاسلام الذي اتولي الاشراف عليه هنا في جامعة وستمنستر، وكان ايضا شرفنا الشهر الماضي بقضاء ساعات عدة معنا في المركز حيث شارك في لجنة امتحان طالب دكتوراه كنت المشرف علي رسالته، ثم تناولنا طعام الغداء معا قبل ان ينصرف مودعا، ليس في سيارة فارهة تنتظره مع سائقها، بل عبر قطار الانفاق.(9)إدراكنا الآن بان هذا اللقاء القريب كان الأخير يزيد من المنا، ولكنه ايضا يذكرنا كم كنا محظوظين باقتناص هذه اللحظات الثمينة مع شخص قضي ثمانين عاما في خدمة الاسلام والمسلمين، ونال اعلي مراتب التكريم والتشريف، ولكن أكبر وسام ناله كان تواضعه الجم وأدبه المفرط وكونه لا يحفل بالالقاب والمناصب ولا يعتز بها. وفوق هذا وذاك، الحظوة عند العباد، ونرجو ان تكون عند رب العباد ايضاً. الا رحم الله زكي بدوي وتقبله في الصالحين.9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية