في سورية من يسيطر على القلاع يحكم المدن.. والتراث التاريخي للبلد في خطر

حجم الخط
0

لندن ـ ‘القدس العربي’: ضربت اسرائيل سورية مرتين خلال الايام الماضية، الحكومة الاسرائيلية صامتة لم تؤكد او تنفي، اما سورية فاتهمت اسرائيل بضرب مركز للابحاث العلمية له علاقة بابحاث السلاح الكيماوية وهو نفس الموقع الذي ضربته اسرائيل في كانون الثاني (يناير) الماضي. والغريب ان اول من سرب خبر غارات يوم الخميس نواب امريكيون، حيث تعكس هذه التسريبات الموقف الملتبس للادارة الامريكية التي تتحدث عن ‘خط احمر’، يبدو انها تركت لاسرائيل مهمة تنفيذه.
بالنسبة للحكومة السورية فضربات اسرائيل هي دليل على التواطؤ بينها وبين المعارضة وهو ما اشار اليه محلل اسرائيلي من ان الغارات تخفف عن المقاتلين السوريين وتردع الطيران السوري، وهي تعليقات لن تعجب المعارضة التي تحاول الابتعاد قدر الامكان عن اسرائيل. ولكن دخول سورية تحت مسمى حماية امنها، ومنع تسرب الاسلحة الكيماوية لايدي جماعات معادية، ووقف وصول شحنات الاسلحة لحزب الله ينذر بانجرار تدريجي لاسرائيل للحرب.
واكد وزير الخارجية البريطانية ويليام هيغ على ‘حق اسرائيل في الدفاع عن امنها’. ومع ان تفاصيل الهجوم الاخير لا تزال ترشح شيئا فشيئا الا ان البعض يقترح انه استهدف قاعدة جوية يعتقد انها مركز تخزين الاسلحة الايرانية التي تقدم لدعم الجيش السوري وحزب الله ونقلت ‘واشنطن بوست’ عن مسؤول لبناني بارز كان في دمشق ساعة وقوع الغارة ان الهجوم استهدف مخزنا لكميات كبيرة من الصواريخ المخزنة في الموقع. وفي الوقت الذي لم تتمكن فيه الصحيفة من التحقق من تصريحات المسؤول الا ان تقارير المعارضة قالت ان هجوم يوم الجمعة استهدف مطارا في دمشق. وفي الوقت الذي اكد فيه مسؤولون امريكيون هجوم يوم الجمعة فان هذا يؤكد ما تقول الصحيفة اصرار اسرائيل على ‘التصدي لما تراه التهديد الذي يمثله النزاع السوري عليها’، مشيرة تأكيدات بنيامين نتنياهو وفريقه الامني ان اسرائيل لن تتسامح مع نقل اسلحة متطورة لحزب الله. وما يثير القلق هو ان تؤدي النشاطات الاسرائيلية على سورية الى اعادة المواجهة بين حزب الله واسرائيل، فدائما ما توقع الكثيرون في لبنان حربا جديدة على شاكلة حرب 2006. وترى الصحيفة ان قلق اسرائيل الاكبر ينبع من دفع النظام السوري لحزب الله كي يشن هجمات على اسرائيل، وفي المقابل يخشى حزب الله من ان يؤدي انهيار نظام بشار الاسد الى اضعاف موقفه في لبنان وتوقف وصول الاسلحة الايرانية اليه.

قصة الخط الاحمر

وعن خيارات الرئيس باراك اوباما تقول صحيفة ‘نيويورك تايمز’ ان الرئيس الذي ووجه باستخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي وضع امام محك يطال سمعته، والخيارات التي يواجهها كلها مرة. وترى ان اصل معضلة الرئيس والخط الاحمر، بدأت في 20 آب (اغسطس) العام الماضي عندما اقترحت الوكالات الامنية ان النظام السوري المحاصر ربما يحضر لاستخدام السلاح الكيماوي. ووجد اوباما نفسه في قلبها، بعد اشهر من تجاهله للازمة، حيث تبع ذلك سلسلة من اللقاءات المحمومة ونتج عنها خطة لمنع الرئيس الاسد من استخدام الاسلحة الكيماوية عبر ارسال رسائل له من خلال وسطاء روس وايرانيين. وكان حديث الرئيس للاعلام خلاصة اجتماعات محمومة نوقشت فيها سلسلة من الاجراءات، لكن ما حدث في اللقاء الصحافي لم يعكس المزاج العام في اللقاء، فقد خرج اوباما عن النص وذهب ابعد مما هو متفق عليه. واصاب رد اوباما عن سؤال حول الموضوع دهشة المسؤولين الذين حضروا الاجتماع، وتساءلوا من اين جاء اوباما بهذا الكلام، ولكن لم يكن هناك امكانية لانقاذ الموقف فقد ورط الرئيس نفسه في التزام لم يكن البيت الابيض يهدف اليه حيث نقلت الصحيفة عن مسؤول قوله ان الغرض كان ‘تخويف نظام الاسد بدون تقييد الرئيس في اي عمل محدد’. وقال مسؤول اخر ان ما قاله الرئيس في ذلك اليوم كان خروجا عن النص، حيث يقول ان الرئيس كان يتحدث عن استخدام واسع للسلاح الكيماوي وليس عن كميات صغيرة وحوادث على قاعدة ضيقة.

كيف تطور موقف الرئيس

ونتيجة لذلك يجد الرئيس نفسه الآن يتحرك قدما لدعم المعارضة بالاسلحة الفتاكة، حيث ناقش الامريكيون مع نظرائهم الاوروبيين منظور تدمير الدفاعات الجوية السورية في حالة استخدم النظام السوري الاسلحة الكيماوية. وتشير الصحيفة الى الطبيعة المتفجرة للازمة السورية مع الغارات الجوية الاسرائيلية، مما يعني ان سورية اصبحت الآن الموضوع الاكثر الحاحا في سياسته الخارجية، وهو موضوع عليه ان يوازن بين الجانب الانساني وحماية ارواح الجنود الامريكيين.
وتعتقد الصحيفة ان تطور فكرة ‘الخط الاحمر’ والتسعة اشهر التي تبعت تهديده تشير الى الطبيعة المتطورة لمدخله تجاه مشكلة من اكثر المشاكل ازعاجا في العالم. فمن التردد الى التورط سيواجه اوباما مشكلة اقناع الامريكيين بدخول حرب جديدة في الشرق الاوسط، ويبدو ان هذا هو السبب الذي منع اوباما من تحديد طبيعة الرد حالة خرق الخط الاحمر. ومع ذلك فان الكثير من محللي اليمين ودعاة التدخل يرون خطورة في اطلاق تصريحات ثم تبريرها فيما بعد بلغة قانونية بارعة حسب باري بافل، المستشار الدفاعي السابق لاوباما، حيث قال انها تؤثر على مصداقية الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي يدعو بافل الى رد حاسم على القتل في سورية يحذر اخرون من تورط اوباما، وكما قال زبينغو بريجنسكي، مستشار الامن القومي السابق لكارتر من ان تدخلا عسكريا ‘سيؤدي الى كارثة وعلى قاعدة واسعة لامريكا’.

التحقيق في الادلة

ما يعقد وضع اوباما هي الادلة الغامضة التي قدمت حول استخدام السلاح الكيماوي وذكريات العراق. وتعترف الادارة الامريكية بان للمعارضة وداعميها مصلحة بجر الولايات المتحدة للازمة من خلال الحديث عن السلاح الكيماوي او حتى المبالغة بادلته. وتشير في هذا الى تحدي جمع الادلة في وضع فوضوي، وعدم وجود مؤسسات صحية او حتى طرق لنقلها، ولهذا قام سكان المناطق بجمع الادلة، شعر، تربة، بول، طيور ميتة وما الى ذلك.
وفي احدى الحالات قاموا بحفر قبر واستخرجوا من الجثة شعر الانف واليد، ووضعوا الصور على الانترنت. ولكن اوباما وضع الشروط التي من المستحيل لاحد ان يحققها. وتشير الصحيفة الى ملف الاسلحة الكيماوية السوري نفسه والذي يعود لعقود ولم يثر القلق الا في الصيف الماضي عندما اشارت تقارير الى قيام وحدات في الجيش السوري بخلط مواد كيماوية لتحميلها على رؤوس صواريخ. وقام دنيس ماكدونو، مستشار الرئيس للامن القومي بتوصيل سلسلة من التقارير المقلقة.
وقام المسؤولون بدراسة سلسلة من الخيارات العسكرية ثم تم رفضها باعتبارها غير عملية. وطرح مسؤولون مجموعة من القضايا القانونية، حول كيفية تدخل امريكا بشؤون دولة، وما هو دور مجلس الامن، وتساءل مسؤول ان قام ‘الاسد’ باستخدام السارين ضد شعبه فما علاقتنا؟. ومن هنا قرروا وضع خط واضح وايصال رسائل للاسد عبر ايران وروسيا، كما وقالوا انه يجب على الرئيس الحديث عن الموضوع علنا؟ ويؤكد المسؤولون الذين حضروا الاجتماع انهم لم يسمعوا شيئا عن الخط الاحمر.
وفي الوقت الذي عبر فيه المسؤولون عن دهشتهم من تصريحات الرئيس الا انهم شعروا بالارتياح لانها نجحت في ردع الاسد. وتغير الوضع في كانون الاول (ديسمبر) العام الماضي عندما كشف عن تحركات غير اعتيادية اعتقد انها محاولة لنقل الاسلحة وتركيزها في مواقع قليلة لتأمينها، ثم تحدثت تقارير عن مقتل 7 في حمص جراء تعرضهم لغاز سام، وهنا قال مسؤول اسرائيلي انها محاولة من النظام السوري لفحص ردة فعل المجتمع الدولي. وناقش المسؤولون الاسرائيليون والامريكيون خططا طارئة، حيث تراجعوا عنها في ظل قلق اسرائيلي من اية غارة ستعزز من موقع الاسد حالة قيام دولة اجنبية خاصة اسرائيل بضرب سورية. ثم جاءت زيارة اوباما لاسرائيل وسط تقارير عن استخدام للاسلحة الكيماوية في حلب. ثم تطور الوضع في وقت لاحق باتهام اسرائيل النظام بشكل واضح باستخدام السلاح الكيماوي.
وفي الوقت نفسه حاول مسؤولون امنيون امريكيون وبريطانيون الحصول على ادلة. ونقلت الصحيفة هنا عن احد قادة المعارضة انه تم نقل عينات لمسؤولي استخبارات امريكيين في الاردن عبارة عن شعر وبول من مناطق تحدث فيها المعارك حول دمشق. وبعد ان اظهرت العينات اثار مواد كيماوية طلب المسؤولون عينة اخرى لم يتمكن المقاتلون من ايصالها للاردن بسبب صعوبة الطريق.
في الوقت نفسه نقل البريطانيون العينات من حلب الى تركيا ومن ثم الى مخبر بورتون داون في ويلتشاير، واقتنع البريطانيون بوجود اثار للسارين وغاز الاعصاب اكثر من الامريكيين. لكن ايا من الطرفين الامريكي والبريطاني لم يكن متأكدا من هو المسؤول عن العينة. وتقول الصحيفة ان المسؤولين الامريكيين لا يزالون يتساءلون عن السبب الذي يدفع النظام لاستخدام السلاح الكيماوي، فجيشه وان بدا منهكا الا انه لا يزال يواصل عملياته ويستعيد مناطق. كما ان شبيحة النظام قادرون بالسكاكين والخناجر على قتل العشرات اكثر من الغاز السام. ومع ذلك فاوباما اشار الى تراجعه عن معارضته لتسليح المعارضة وهذا يعود الى الموقف البريطاني والفرنسي حيث يظهر انهما مصممتان على تزويد المعارضة بالسلاح في نهاية الشهر الحالي حيث سينتهي مفعول الحظر، كما ان المسؤولين الامريكيين يشعرون بثقة في قيادة سليم ادريس، قائد اركان قوات الجيش الحر. ونقلت عن مسؤول امريكي بارز قوله ‘انهم يراهنون على ادريس’. وفي اطار اخر عبر مسؤولون عن شكهم في ان دعم المعارضة بالسلاح الآن اصبح ملحا منه قبل ستة اشهر، مشيرين الى ان السلاح يصل للمعارضة من السعودية وقطر ودول الخليج الاخرى، ومع ذلك حقق الجيش السوري تقدما على المعارضة.

الدول العربية لم تف بوعودها

وما دام الحديث عن دعم دول الخليج، قالت صحيفة ‘اندبندنت اون صندي’ ان ملايين اللاجئين السوريين يواجهون نقصا في الحصص الغذائية المخصصة لهم ونقصا حادا في المواد الطبية، بسبب فشل دول الخليج الوفاء بالتزاماتها التي وعدت بها تجاه الازمة الانسانية السورية. فحتى الآن لم تف كل من السعودية وقطر والبحرين والامارات العربية بما التزمت به من توفير مبلغ 650 مليون دولار لدعم اللاجئين في مؤتمر الدول المانحة الذي انعقد في الكويت. ويقول التقرير ان تناقص المساعدات المالية يجبر مؤسسات الامم المتحدة على تخفيض الحصص المخصصة للاجئين حيث يتوقع ان يرتفع اعدادهم الى ثلاثة اضعاف نهاية العام الحالي، كما وتخفض من عمليات تطعيم الاطفال. ويقول برنامج الغذاء العالمي انه ينفق اسبوعيا 19 مليون دولار لاطعام 2.5 مليون لاجىء في داخل سورية و1.5 مليون لاجىء في الاردن وتركيا ولبنان. ويقول البرنامج انه لا يضمن استمرارية برنامجه داخل سورية.
وبحسب تحقيق الصحيفة فانه حاول ملاحقة تعهدات 42 دولة بتوفير 1.5 مليار دولار لمواجهة اكبر كارثة انسانية في التاريخ الحديث حيث وجد ثغرات في مساهمة عدد من الدول وفرقا بين القول والفعل. ونقلت عن مسؤولين في الامم المتحدة ان الامين العام بان كي مون يستخدم دبلوماسية خلف الابواب لحث الدول العربية على توفير الدعم الذي تعهدت به. وبحسب الاخصائيات المتوفرة فالسعودية تعهدت بتقديم 78 مليون دولار ولم تقدم حتى الاول من الشهر الحالي سوى 21.6 مليون دولار. اما الامارات العربية فقد تعهدت بـ 300 مليون ولم تقدم سوى 18.4 مليون دولار، وقدمت قطر 2.7 مليون دولار من المبلغ الذي وعدت به وهو 100 مليون دولار. اما البحرين التي استضافت الشهر الماضي فورمولا وان وانفقت ملياري دولار على بناء البنية الخاصة به فلم تقدم اي شيء حتى الان مع انها تعهدت بمبلغ 20 مليون دولار.

الحرب على القلاع

من يسيطر على القلعة يسيطر على حلب، كان هذا الحال في القرون الوسطى وزمن سيف الدولة الحمداني الذي غادر وعائلته المشهد منذ زمن وخلفوا وراءهم قلعة اصبحت جزءا من التراث الانساني وعلى لائحة اليونسكو، حيث بقيت مكانا للسياح ومركزا لطالبي الراحة في مقاهيها الجميلة، ومن يرغب في مشاهدة الاضواء الليلية الجميلة المنبعثة منها. هذا ايضا اصبح تاريخا فمنذ اندلاع الحرب الاهلية عام 2011 عادت القلعة لممارسة دورها الحربي من جديد، حيث تتخذها قوات النظام مركزا لها لقصف المقاتلين من المعارضة ومنع تقدمهم. وقلعة حلب ليست الوحيدة، فسورية تعتبر من اغنى دول العالم بقلاعها التاريخية والتي تعود الى العصور الرومانية والصليبية. ويخشى الكثير من الباحثين الاثريين ان لا تنجو هذه من امتحان الحرب الاهلية الحالية مع انها نجت من حروب وغزوات وامتحان الزمن. وبسبب تعثر الوصول الى القلاع فانه من الصعب تقييم الدمار الذي اصابها وتقدير حجم النهب الذي تعرضت له خاصة قلعة الحصن الشهيرة. ولكن مسؤولة قسم الدول العربية في اليونسكو فيرونيك دوج ‘من المؤكد تعرضها لاثار العنف او احتلت من قبل القوات النظامية لاستخدامها لاغراض عسكرية’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية