في الذكري الثانية لرحيل الروائي العربي عبد الرحمن منيف: نصان غير منشورين:

حجم الخط
0

في الذكري الثانية لرحيل الروائي العربي عبد الرحمن منيف: نصان غير منشورين:

الرواية بديلا عن التاريخ.. والمكان العربي واحد في القمع.. ووصيته لا تصدقوا التواريخ الرسميةفي الذكري الثانية لرحيل الروائي العربي عبد الرحمن منيف: نصان غير منشورين:تحل اليوم الذكري الثانية لوفاة عبد الرحمن منيف 24/1/2004 كاتب مدن الملح وموثق تاريخ الحداثة المشوهة في الصحراء العربية، عبد الرحمن منيف الكاتب الذي كتب خماسية مدن الملح، التي تعتبر من اجمل واطول الروايات العربية، وهو الذي جاء الي الكتابة متأخرا ساهم في رصد مداميك الرواية العربية التي كانت تتشكل وتتطور علي يد المبدع العربي الحي نجيب محفوظ. واسهام عبد الرحمن منيف انه قدم التاريخ كشهادة عن الواقع المر، والرواية كبديل عن الواقع المشوه في صحراء فقدت وهجها ووديانها وتلالها وحل بها الغرباء. واعمال منيف ساءلت المصير العربي المر، خاصة سؤال الهزيمة، فسؤال النهضة الكبير الذي طرحه النهضويون العرب لماذا تخلفنا عن الركب وتقدم غيرنا، صار لماذا انهزمنا لماذا هزمنا أول مرة وكانت لدينا جيوش.. وكانوا هم عصابات؟ ولماذا هزمنا ثاني مرة وكانت لدينا جيوش وعصابات.. وليس لديهم إلا جيوش؟)، كما صرخ منصور في رواية الاشجار واغتيال مرزوق . كان عبد الرحمن منيف المشغول بمصير الانسان العربي، مهتما اكثر بفكرة التعذيب والسجن، وكيف تحول العالم العربي او شرق المتوسط الي سجن كبير، فبين الصحراء التي تعبر عن انطلاق الروح الي السجن الذي صارته بفعل اكتشاف النفط، رسم عبدالرحمن منيف اقانيم الواقع العربي المتمثلة بالسجن والتعذيب/ الارهاب، والبطالة والتقلقلومن خلال هذه الاقانيم قام منيف المراقب، والمثقف باكتشاف حقيقة الزمن العربي ومساءلتها، وكان بهذه المثابة الرواي/ الشاهد علي عالمنا العربي. وكان منيف ايضا تجسيدا في حياته وذاكرته وسيرته الشخصية للوطن العربي الحلم، الذي لم يولد، ، وقتلته السياسة، فهو مولود في عمان الاردنية، لاب سعودي وام عراقية، وعاش مترحلا في الفضاء العربي بين العراق ومات في سورية، وكتب سيرة مدينته الاولي التي تظل من اجمل ما كتب عن المدن العربية، عمان العاصمة الاردنية. وحمل في تكوينه الشخصي، والفكري تمردا انعكس في كتاباته، فهو جاء الي الكتابة ناضجا ومتكملا، وكأن سنواته السابقة كانت تحضيرا لانطلاق او انفجار الروائي فيه، فبعد الاشجار واغتيال مرزوق جاءت (قصة حب مجوسية) وأعقبتها روايته (شرق المتوسط)، وهي الراوية التي ابدعها منيف في ايام معدودات، ولكن وجعها وصداها كان يعيش معه لسنوات طويلة، فالكتابة عند منيف، ومتابعتها هي تدفق، وانثيال، وهي تماه مع الحدث والشخوص، ولهذا فكل عمل من اعماله يحمل ذلك التدفق الثر، والانسياب الجميل. وتتابعت اعمال منيف الروائية، التي صارت تولد مثل الحلم، رغم انها تحمل كوابيس واشواق السجناء والمحرومين من الحرية، حيث جاءت معالجته للنكبة الفلسطينية في رواية (حين تركنا الجسر) وهي العمل الذي احتفل فيه الكاتب بالمبني الروائي وحرفية السرد. وبعد انجازه هذه الاعمال تقدم لنا منيف بمشروعه الملحمي عن المدن التي تذوب او تذوب الصحراء، الزمن الطارئ، الذي يولد بفعل الطفرة النفطية مدن الملح وظل المشروع هذا اساسيا في مبني الرواية العربية بعد ثلاثية نجيب محفوظ عن القاهرة الخالدة. وهو ان لم يصل توتره الروائي الذي اقامه في الثلاثية، في عمله الاخير ارض السواد عن بغداد العثمانية، الا انه يظل من اكثر الكتاب العرب انتشارا، ومشروعيته الكتابية تنبع من اخلاصه لمهنته ككاتب، وصورته التي لم تتشوه في عقل القارئ بالسياسة او مواقفها، فقد ظل مخلصا لمداه العربي، ولهذا سيظل منيف الكاتب العربي الذي جسد فكرة العروبة، ليس كايديولوجيا او جغرافيا ولكن كحلم اكثر من اي كاتب عربي. كان منيف يري ان السرد الروائي ما هو الا صيغة من صيغ اكتشاف العالم ومعرفته بشكل أفضل من أجل التعامل معه ضمن قوانينه الحقيقية وأيضا لكي نراه دون عمليات تجميل. ومن هنا فالقاريء لاعماله يشعر بحس المكان فيها ولكن لا يعرف ماهية الجغرافيا، فهو لم يحدد الامكنة لانه كان يري ان الشرط العربي المعاصر، القمع، والسجن وغياب الحرية هي مظاهر عامة تجتاح وتتسيد العالم العربي. عاش منيف الهزائم العربية، ولم يفقد امله في ولادة عالم عربي جديد، عالم تحترم فيه كرامة الانسان، ولكنه مات وحلمه لم يتحقق، فما حققه في الرواية او حاول الوصول اليه دراميا ظل عصيا علي التحقيق في حياته، ولكن الكتابة التي تصل احيانا درجة النبوءة، قد تكون العربة التي تجرنا نحو تحقيق او انجاز هذا الحلم الذي دعا اليه منيف وحاول تبصره في اعماله.لم يكن منيف بقادر علي بناء حلمه العربي الكبير، بدون ثقافة واسعة، وانفتاح علي المعرفة، ولهذا كان لديه تلك القدرة الساحرة علي السرد والحكاية، مات وفمه ملآن بالحكايات الكثيرة ولا نعرف كيف سيكون رد منيف علي المآل الذي صارت اليه بغداد، المدينة التي تموت يوميا، وتحترق وباحتراقها تموت ادوات المعرفة، وتختفي جوهرة من مدن الحلم العربي، ولهذا السبب كثيرا ما حذر من الايمان بالرواية الرسمية للتاريخ، وبهذه المثابة تمثل اعماله رؤية مختلفة عن التاريخ الذي بنته دول القمع وانظمته وحولت البلاد الي سجن كبير يقول أين هو التاريخ؟ أري ركاما من الأكاذيب والافتراءات، ولا أري شيئا غير ذلك! ليست هناك وقائع صحيحة بالمرّة. وأيّة واقعة ترونها الآن مكتوبة بخط أنيق، علي صفحات مصقولة، يجب أن تفترضوا سلفا أنّها كاذبة! أو علي أقل تعديل يجب أن تشكوا بصحتها. ابحثوا في عقول الذين ينزوون في المقاهي لا يكلمون أحدا، وإنما يُراقبون المواكب التي تمرّ، وترتسم علي شفاههم ابتسامات حزينة، ابحثوا هناك لعلكم تجدون بداية لتاريخ حقيقي .ويقول في مقام اخر انه توجه للرواية ليس كوسيلة للهروب وإنما كوسيلة للمواجهة، فقد كان للهزيمة تأثير في روحي لا يمكن أن أنساه، عالم بهذا الاتساع وبهذه الإمكانيات وأيضاً بهذا الكم الهائل من الشعارات والضجيج يهوي ويتساقط ليس خلال ستة أيام، وإنما خلال ساعات. وقلت في نفسي: هناك خلل كبير في الحياة العربية ولا بد من اكتشاف هذا الخلل وفضحه، وتبين لي أنني من خلال هذه الوسيلة أستطيع التعرف علي الأماكن والأشياء أكثر مما أتعرف عليها من خلال خطب الزعماء والقادة أو من خلال برامج الأحزاب السياسية وشعاراتها، مما ساعد علي اقامة علاقة خاصة بيني وبين الرواية…. منيف سلب من جوازه السفر السعودي ولكنه تمسك حتي النهاية بعروبته وايمانه بالعربي الجميل الذي عاش ازمنة قبيحة ستذوب كما ذابت موران …ابراهيم درويشنصان غير منشورينخصت زوجة الراحل السيد سعاد قوادري المنيف، القدس العربي بهذين النصين غير المنشورين للكاتب الراحل، وقالت في رسالتها أمام ما يحيط المنطقة من ترد وأمام هذه الهجمة الشرسة علي الأمة العربية وخاصة ما يجري في العراق الركن الأساسي لهذه الأمة وجد عبد الرحمن مع بعض الأصدقاء أن علي عاتق مثقفي ومفكري الأمة مسؤولية ضخمة لا تحتمل التأجيل فكان ضرورة وضع أفكار مبدأية للنهوض بعمل قد يجعل هذه المنطقة تقف علي المسار الأفضل وكانت فكرته طرح ما سماه (حوار موضوعي من أجل تجديد العمل السياسي) علي أن ينشر علي صفحات جريدة السفير ليكون بيد كافة مثقفي الأمة لبدء الحوار والاشتراك بمناقشة كل الأفكار علناً وايضاً علي صفحات الجريدة المذكورة وكان ذلك قبل أشهر من وفاته ولم يكتمل ما أراد ولكن إيفاء له ننشر هذه الورقة التي كان يأمل أن تتطور في طرحها مع اشتراك المثقفين والسياسيين المخضرمين والجيل الجديد في همومه وتطلعاته.(1)حوار موضوعي من أجل تجديد العمل السياسي:المرحلة الراهنة تقتضي التحالف الوطني بين أوسع القويبناء علي برنامج وطني واستبعاد التناقضات الثانويةوصل العمل السياسي العربي الراهن، فكرأً وممارسة، إلي نهايات سلبية، تتمثل في التراجع الكامل علي كافة المستويات؛ وفي العزوف الواسع من قبل الجماهير عن القوي السياسية؛ وفي التبعية المتخلفة للفكر المعولم بحيث أصبحت المسافة كبيرة بين الجماهير والفكر الذي يروج له، وتحول العمل السياسي إلي ردات فعل عاطفية ومؤقتة، الأمر الذي جعل الوضع هشاً، والمشاركة محدودة، والمجتمع عرضة لغزوات فكرية وعلمية؛ وزاد الحال سوء الاضطراب الفكري الذي يميز المثقفين في هذه المرحلة، بحيث أصبحوا بفكرهم وعلاقاتهم أداة إعاقة أمام الجماهير، وسبباً إضافياً في الاضطراب السائد خاصة وأن الأحزاب السياسية، التي كانت طليعة الفكر والعمل خلال فترات طويلة سابقة، تحولت الي هياكل شكلية ليس لها الفعالية والتأثير اللذان كانا لها سابقاً.في مواجهة هذا الوضع العربي، وفي محاولة لتجديد العمل الفكري والسياسي العربي، لا بد من وقفة موضوعية تجري خلالها عملية نقد ذاتي للمرحلة السابقة، والبدء بحوار جريء يتناول نواقص العمل والممارسة من أجل تجاوز النواقص وأخطاء المرحلة الماضية، والبدء في تجديد الفكر والعمل السياسيين، وجذب أوسع الجماهير إلي المشاركة في العمل العام، وإرساء هذا العمل علي أسس واضحة وقوية، بحيث تبدو واضحة المهمات الوطنية المشتركة، ووجود مكان ومساهمة، ضمن القواسم الجامعة، لكثير من القوي التي تبدو متنافرة في المرحلة الحالية.إن الحقيقة الفكرية، وبالتالي الممارسة العملية، ليست حكراً لقوة أو في جهة واحدة، وإنما هي موزعة وغير كاملة، مما أقام سدوداً بين القوي السياسية وجعلها تدخل فيما بينها في معارك مجانية، الأمر الذي استنفد القوي، وتغلب التناقض الثانوي علي التناقض الرئيسي، ما جعل التباعد والعداء من السمات الرئيسية لطبيعة العلاقات السائدة راهناً.وضع مثل هذا، ومن أجل تجاوزه أيضاً، يتطلب أن يبدأ حوار واسع بين القوي السياسية، وبين المراكز الفكرية، وأن يدلي كل فريق بوجهة نظره سواء بالنسبة للمرحلة السابقة، أو ما يجب أن يُعمل لمواجهة أعباء المرحلة القادمة؛ وأن يستمع كل فريق للفريق الآخر لاستخلاص العبرة ولاكتشاف القواسم المشتركة التي تشكل أرضية صلبة للعمل المشترك ضمن رؤية واحدة أو متقاربة، لا من أجل أن يجبّ فكر الفكر الآخر، أو يعتبر نفسه المالك الوحيد للحقيقة.علي الفكر السياسي أن يكتشف المشترك أو المتقارب بين الأفكار المطروحة، وتلك التي يمكن تطويرها نحو ذلك.لأن المرحلة الراهنة تقتضي: التحالف الوطني بين أوسع القوي اعتماداً علي برنامج وطني طويل الأمد، أي أن الهدف التأكيد علي المشترك، واستبعاد التناقضات الثانوية، وبالتالي فإن إقامة الجبهات الوطنية الفعلية، وتعزيز التحالف الوطني يفوقان بأهميتهما الانغلاق الحزبي وادعاء الحقيقة.ومن سمات المرحلة أيضاً ضرورة الاعتراف بالآخر واشراكه فعلياً في اتخاذ القرارات المصيرية، كل ذلك في جو ديمقراطي حقيقي يتم من خلاله الاعتراف المتبادل والرغبة في التعاون، وإمكانية تبادل السلطة، علاوة علي حرية التعبير للجميع، والإقرار أن المرحلة الراهنة هي مرحلة تحالف وطني واسع مما يقتضي مساهمة أوسع القوي لإنجاز مهمات المرحلة.لقد تغلب علي المرحلة السابقة محاولة احتكار الحقيقة، وبالتالي العمل السياسي، وعدم الاعتراف بالآخر او ضرورة إشراكه، مما أدي إلي انغلاق القوي، والعداء فيما بينها، وكانت النتيجة ان الضحية الأولي لهذا الفكر والسلوك سد الطريق في وجه الديمقراطية، إذ تجمدت بالكامل، أو تحولت إلي مظهر شكلي، ولم يعد من السهل الاعتراف بإمكانية تبادل السلطة، أو إمكانية إشراك القوي السياسية الأخري، باتخاذ القرار، وهذا أدي إلي الخسارات المتلاحقة والمستمرة للجميع، كما أدي إلي العزلة بين الجماهير والقوي السياسية عموماً.لقد سادت خلال الفترات السابقة فرضيات خاطئة، خاصة فيما يتعلق بالثوابت بالنسبة للأحزاب والقوي السياسية، إذ يلجأ كل حزب سياسي إلي مجموعة من الأفكار والمواقف المنسوبة للطرف الآخر دون معرفة مؤكدة ودون حوار مباشر لتبين حقيقة فكر وموقف هذا الآخر، وهكذا سادت لغة غير مفهومة وقابلة للتغير باستمرار، ولذلك فإن الحوار بين هذه القوي يشكل البداية الفعلية للفهم المتبادل واكتشاف القواسم المشتركة، ودون هذا الحوار الواسع الخصب سيبقي سوء التفاهم هو الغالب، وستلحق الخسارات بجميع القوي، حتي تلك التي تحتكر السلطة الآن.هذا الحوار يجب أن ينصب علي الأمور الجوهرية، ويجب أن يكون شاملاً وصريحاً، بحيث لا يُستبعد أحد، ولا يحجر علي أي فكر أو رأي، كل ذلك بهدف تمحيص الافكار كلها، واكتشاف الشيء المشترك، أو تلك التي يمكن تطويرها من خلال التبني.هذا الحوار، في حال التزام الموضوعية والهدوء، يهدف أول ما يهدف، إلي خلق مناخ جديد يمكن من الوصول إلي صيغة جديدة ومختلفة للعمل السياسي، أي أن هدفه الحقيقي ليس تجريح الآخر أو إدانة طرف وتبرئة آخر، وإنما قراءة المرحلة السابقة بعيون مفتوحة، وبرغبة تجاوز الأخطاء التي شابتها، ومن أجل بناء فكر ومؤسسات سياسية قادرة علي مواجهة أعباء المرحلة القادمة.هذا الهدف يتطلب تحديد مفردات الحوار الذي يجب أن يجري، بدءاً من شعارات المرحلة السابقة لدي معظم القوي السياسية، وتشخيص نواقصها وسلبياتها، أو عدم إمكانية تطبيقها في الواقع، مروراً بالمحطات العربية الكبري، خاصة الهزائم التي حلت بالامة وتحديد أسبابها وكيفية استخلاص الدروس منها.وهنا تبرز القضية الفلسطينية كأولوية أولي، وضرورة دراستها مجدداً، اعتماداً علي معلومات موضوعية وصحيحة، وبالتالي وضع برنامج، فكري وعملي، لمواجهة ما يترتب بشأنها من مواقف والتزامات.إن القضية الفلسطينية بمقدار ما يمكن أن تكون رافعة للوضع العربي بمجموعه، في حال وضع استراتيجية صحيحة بشأنها، فإنها يمكن أن تغرق المنطقة العربية بأسرها في حال اتخاذ مواقف خاطئة أو انتهازية. كما يمكن للطرف أو الأطراف الأخري المعنية بهذه القضية، من الذكاء والقدرة والتأثير، بحيث تستثمر لحسابها الأخطاء التي تقع والنواقص التي تشوب المواقف العربية، خاصة وقد ظهرت في السنوات الأخيرة فجوات لدي عدد غير قليل من المثقفين يدعو إلي القبول بإسرائيل وضرورة التعايش معها ضمن موازين القوي الراهنة.كما أن الشعارين اللذين أعطيا الأولوية طوال المراحل السابقة، وهما الوحدة العربية والاشتراكية، لا بد من إعادة نظر جذرية بخصوص هذين الشعارين، لا من أجل إسقاطها أو تجاوزها، وإنما من أجل إعطائها صيغاً عملية، وإن كانت متواضعة في البداية، أي بكلمات أخري دراسة التجارب التي طبقت ونجحت في أماكن أخري، ومحاولة الاقتداء بها، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المنطقة والتجاذبات التي تجتاحها، مما يقتضي بدايات متدرجة لكن نامية من أجل الوصول إلي صيغ أكثر تطوراً مما نراه الآن.هذا فيما يتعلق بشعار الوحدة، أما شعار الاشتراكية فلا بد أن نتملي طويلاً تجارب الدول الاشتراكية والأسباب التي أدت إلي انهيارها، وكيف يتم الوصول إلي صيغة جديدة تؤمن حداً مناسباً ومتطوراً للعدل الاجتماعي، دون إخافة الرأسمالية الوطنية أو هروبها، علماً بأن لها دوراً إيجابياً إذا أحسن تحديده وضبطه، وإذا أشركت في اتخاذ القرارات، وأعطيت ضمانات تجعلها متحمسة للمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني.إن التطرف، اليميني واليساري، القومي والأممي، الذي طبع العمل السياسي خلال الفترات الماضية، ساهم في زيادة الانقسام والفرقة، وأدي إلي سوء فهم جعل لقاء القوي أو حوارها فيما بينها أمراً بالغ الصعوبة وغير مرغوب فيه، علماً بأن حواراً إيجابياً لو جري بين هذه القوي دون تطرف أو تعصب، لأمكن اكتشاف أرض مشتركة أو متقاربة تتيح التعايش وتسمح باللقاء، لكن هذه الفرص فاتت وتشبث كل فريق بمواقفه ووجهة نظره مما أدي إلي خسارة الجميع.يجب الآن معرفة حدود وسقف العمل القومي، أي يجب أن يكون منسجماً ومتناغماً مع الحاجات القطرية وليس الواحد نقيض الآخر، بحيث توضع برامج ومهمات تتناسب مع طبيعة المرحلة وتلبية الحاجات القطرية والقومية معاً، وهذا يدعو إلي دراسة التجارب السابقة ومعرفة الأسباب الكامنة وراء فشلها.ويمكن أن يقال الأمر ذاته حول الاشتراكية، والتطرف اليساري الذي ميّز الكثيرين من دعاتها والمبشرين بها، ثم الارتداد عن هذا الشعار كلياً أو عملياً، من قبل الجمهرة الكبري من الدعاة والجماهير في آن واحد، مما يستدعي رد الاعتبار لجوهر هذا الشعار، وإن أخذ اسماً آخر أو صيغة مختلفة عن السابق. كأن يتم استبدال شعار الاشتراكية بالعدل الاجتماعي، وإشراك القوي المنتجة، واعتماد الديمقراطية لمعالجة الأخطاء التي قد تقع أثناء العمل والتطبيق.وبمقدار ضرورة وأهمية التوقف عند المواقف والشعارات في المراحل الماضية، لا بد من دراسة متأنية ومدققة لما حصل في العالم بدءاً من منتصف القرن العشرين وحتي الآن، بما في ذلك العولمة والحداثة والديمقراطية وغيرها من الأفكار والشعارات التي تملأ العالم، خاصة بعد ثورة الاتصالات، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتحول العالم إلي نظام القطب الواحد.دراسة من هذا النوع تعني الانفتاح علي العالم ومحاورته، والاعتراف بالهوة الكبيرة، والفاجعة، بيننا وبين العالم المتقدم، وبذل كل الجهود، ضمن خطة واضحة ومحكمة للحاق به.وهذا يعني ضمن الأولويات والخيارات الرئيسية: اصلاح نظام التعليم واستقلال الجامعات، وإقامة مراكز الأبحاث المتخصصة، وتوسيع قاعدة المجتمع المدني، والإصرار علي حرية التعبير والتنظيم، واعتماد الديمقراطية مفتاحاً لهذا الاصلاح وحجر الزاوية فيه.ان ورشة حوار كبري ومستمرة يمكن أن تشكل الأرضية الضرورية من أجل تجديد الفكر السياسي العربي، وتالياً العمل السياسي العربي، والحوار النزيه والجاد وحده يمكن أن يفتح الآفاق ويشكل البداية الفعلية لانطلاقة جديدة.عبد الرحمن منيف دمشق اواخر 2003(2)إجابة علي سؤال لم يوجه لأحد:أحلم؟ يمكن أن تقولوا إنه الحلم.. كثيرا ما غيرتالأحلام الواقع خاصة إذا كان الحالمون رجالاً أقوياءلا شيء في مكانه الطبيعي أو الصحيح، ولا شيء يستند إلي قاعدة أو منطق ؛ إن الاشياء في حالة من التداخل والاختلاط والتناقض تصل حدود الفوضي المطلقة.. أو تشبه المآسي الإغريقية العابثة والقدرية، هل هي حالة فريدة وهل هي مرحلة طارئة لا بد أن تنتهي مثلما حصل لشعوب أخري كثيرة؟يمكن الافتراض أن هموم الأمة العربية، خاصة في هذه المرحلة، من أكثر هموم العصر كثافة ومأساوية، أو إن الأمرين معاً، وقد يكون هذا أحد عناصر المأساة، خاصة في هذه الفترة من عمر البشرية.لقد عانت شعوب كثيرة من الاستعمار والاستغلال والاضطهاد، وعانت شعوب أخري من التجزئة والانقسام، لكن لو حاولنا المقارنة بين واقع الأمة العربية، في هذه المرحلة وواقع أية أمة أخري نجد الفرق كبيراً جداً.أية أمة أخري علي وجه الكرة الارضية تعاني من هذه الهجمة العنصرية البربرية المتمثلة بإسرائيل؛ جنوب افريقيا؟ ولكن جنوب افريقيا لا تزال تحمل علي أرضها ذلك الشعب الذي يصارع أقلية مستغلة ولا بد أن يقهرها ويتغلب عليها يوماً ما لكي ينهي الاستغلال والاضطهاد. أما إسرائيل فإنها شيء آخر، شيء خاص، وهذه الخصوصية تعطي المشكلة حجم المأساة وتجعلها مختلفة عن أية حالة أخري.أية أمة أخري تمتلك هذا المقدار الكبير من الملوك المتوجين وغير المتوجين. والذين يملكون كل شيء ولا تملك شعوبهم أي شيء؟في إفريقيا؟ في جنوب اسيا؟إن أية مقارنة بين ملوك وممالك تلك البلاد وما نراه هنا تظهر الفرق الكبير.. هناك الممالك والملوك إلي الزوال والانقراض… وهنا الملوك والممالك ينبتون كل يوم ويتضاعفون عدداً وثروة. أية أمة أخري تمتلك هذا المقدار الهائل من الثروة ولا تعرف سوي الاستجداء والركوع والتوسل؟في امريكا؟ولكن في تلك البلاد، رغم الاستغلال والقهر، فإن الشعوب قادرة، بعض الأحيان علي أن تنتزع رؤوس ملوكها الأثرياء كما تنتزع الأحذية وحتي ملوك تلك البلاد قادرون علي التمتع بثرواتهم بشكل أفضل آلاف المرات من أولئك الذين يحملون معهم قربهم وإبلهم ويذهبون إلي أوروبا كل صيف لكي يفركوا أصابع أرجلهم ويتثاءبون ثم يذهبون إلي الجوامع والمواخير، ولا يعرفون هل يضاجعون هنا أو أن يصلّوا هناك!هناك آلاف القضايا التي لا يمكن فيها المقارنة.. إن العرب أمة من نوع خاص. هل هي عنصرية؟ هل هو الحقد؟ هل هو التشاؤم؟ لقد وصلت جميع الشعوب إلي مشارف القرن العشرين، حتي شعب التيبت في أقصي جبال الهيمالايا يعرف الكثير الكثير عن هموم وشجون العصر، والعرب، رغم أنهم في مفترق الشعارات أو في نصف الأرض كما يقال فإنهم لا يعرفون إلا القليل القليل عن العصر الذي يعيشون فيه.إن شيئاً ما فقد توازنه في الطبيعة، أصبح غير حكيم وغير ممكن. وإلا كيف نفسر ما يجري تحت أبصارنا وحولنا؟كيف نفسر الجنون والسادية والتسليم الكلي للأعداء؟ إن الكلاب والقطط وجميع جنس الحيوان ترفض أن تكون ذليلة بهذا المقدار. وهي تعض اليد التي ترميها بحجر. فما بالنا نحب الذل ونقبّل اليد التي تصفعنا؟ما بال الناس وقد كشفوا عن مؤخراتهم. مثل السعادين. وأخذوا يفاخرون الآخرين بهذا المنظر ويضحكون مع الآخرين ببلاهة؟ما بال الفقراء قد استكانوا إلي هذه الدرجة ولم يعودوا قادرين علي البكاء إلا خفية وتحت جنح الظلام؟ما بال المحاربين يرمون أنفسهم بالنار بعد أن يئسوا من كل شيء ويرون كل ما حولهم يحترق ويتدمر ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً؟ما بال الملوك والحكام لا يكفون لحظة واحدة عن الصراخ بالكلمات الكبيرة ويتحدون شعوبهم في كل وقت، ويخافون من كلمات صغيرة يحملها سفير دولة مجهولة؟الفقر والذل والحاجة والموت اليومي والاستجداء والصراخ والبكاء والتناسل.. وأخيراً الموت الكلي ولا أحد يرفع صوته، لا أحد ينادي أو يقول كفي؟ليست هناك أمة مثل العرب..يجب أن نعترف ونسلم.. ويجب أن يكون الاعتراف بصوت عالٍ وأمام جميع كهنة العالم.. ويجب أن يكون التسليم أكيداً وراسخاً لأنه بداية سلوك الطريق الآخر. أما المكابرة والعناد، أما اتباع طريقة النعام، أما الادعاء الرخيص المزور فإنه يقودنا إلي مزيد من المهانة والذل والانتظار.. إنه طريق هزيمتنا الحقيقية..ألم نهزم بعد؟ نعم لم نهزم.. قد يهزم جيل، قد يهزم قادة، قد يهزم ملوك أما الناس فإنهم لا يستطيعون أن يهزموا.. نعم لا يستطيعون. حتي لو أرادوا.. تفاؤل؟ لا.. إنها طبيعة الحياة، قانونها.. اتجاهها، ولا يمكن أن تغير الحياة طبيعتها أو قوانينها أو اتجاهها من أجل مجموعة من القردة الممسوخين.. نعم لا يمكن أن تغير الحياة، حتي لو دفعوا لها جميع أموال النفط وجميع معادن الأرض.. إنها مستقلة وبمعزل عن إرادة هؤلاء..تفاؤل أيضاً؟ يمكن أن يسمي هذا الشيء، أي شيء.. لكن الاسم الحقيقي يبقي هو الاسم الوحيدإنه صراخ في ليل عميق.هكذا يمكن أن يلخص الوضع كله، ولا شيء غير ذلك.. إنه أولاً ليل.. وإنه ثانياً طويل.. وإنه أخيراً صراخ، لكن كل ليل مهما كان طويلاً لا بد أن ينتهي، وكل صراخ مهما كان خافتاً، يمكن أن يسمعه في النهاية أحد ويستجيب له.هل هي لحظة غضب، توتر، تشاؤم؟ الإثنان، وأكاد أري جميع ما حولي ينفجر أكاد ألمس الصبح بيدي، الآهات التي تغطي الأرض العربية تنزلق بسرعة نحو المراحيض.. وأكاد أسمع أصوات الأجنة في بطون الأمهات يتنادين بأسماء وكلمات أكثر وضوحاً وأشد قوة من كل الصراخ الذي يملأ الأجواء العربية في الوقت الحاضر.. وأكاد أري جماجم جميع الملوك وقد انسلخ عنها اللحم وأصبحت جافة لفرط ما مر عليها من الزمن.. أكاد أري كل ذلك بعيني.أحلم؟ يمكن أن تقولوا إنه الحلم.. ولكن كثيراً من الأحلام هي التي غيرت الواقع. خاصة إذا كان الحالمون رجالاً أقوياء. يستطيعون أن يترجموا الحلم إلي فعل.. ساعة غضبعبد الرحمن منيفبطاقة وسيرة:ولد عبد الرحمن منيف في عام 1933 في عمّان، لأبٍ من نجد وأم عراقية. أنهي دراسته الثانوية في العاصمة الأردنية، ثم التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952. وبعد عامين من انتقاله إلي العراق، طرد منيف منها في عام 1955، مع عدد كبير من الطلاب العرب، بعد توقيع (حلف بغداد); فواصلَ دراسته في جامعة القاهرة.تابع عبد الرحمن منيف دراسته العليا منذ عام 1958 في جامعة بلغراد، وحصل منها في عام 1961 علي درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، وفي اختصاص اقتصاديات النفط، وعمل بعدها في مجال النفط بسورية.في عام 1973، انتقل منيف ليقيم في بيروت حيث عمل في الصحافة اللبنانية، وبدأ الكتابة الروائية بعمله الشهير (الأشجار واغتيال مرزوق). في عام 1975، أقام في العراق، وتولي تحرير مجلة (النفط والتنمية) حتي عام 1981، الذي غادر فيه العراق إلي فرنسا حيث تفرغ للكتابة الروائية. وفي عام 1986، عاد منيف مرة أخري إلي دمشق، حيث توفي هناك. صدر لعبد الرحمن منيف عدد من الروايات: (الأشجار واغتيال مرزوق) (1973)، (قصة حب مجوسية) (1974)، (شرق المتوسط) (1975)، (حين تركنا الجسر) (1979)، (النهايات) (1977)، (سباق المسافات الطويلة) (1979)، (عالم بلا خرائط) كتبت بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا، (1982) (خماسية مدن الملح): (التيه) (1984)، (الأخدود) (1985)، (تقاسيم الليل والنهار) (1989)، (المنبت) (1989)، (بادية الظلمات) (1989)، و(الآن هنا) أو (شرق المتوسط مرة أخري) (1991)، (لوعة الغياب) (1989)، (أرض السواد) (1999). كما صدرت لمنيف مؤلفات في فن الرواية، ومؤلفات أخري في الاقتصاد والسياسة.حاز علي جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية للرواية عام 1989 وعلي جائزة القاهرة للإبداع الروائي التي منحت للمرّة الأولي عام 1998 .7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية