فيلم “الفصل الثاني” للفرنسي كانتان دويبيو يفتتح مهرجان كان

نسرين سيد أحمد
حجم الخط
0

افتتح مهرجان كان دورته السابعة والسبعين (14 إلى 25 مايو/أيار الجاري) بفيلم “الفصل الثاني” للمخرج الفرنسي كانتان ديبيو. ولعل خير نقطة بداية لنقاش هذا الفيلم الكوميدي الساخر هي عنوانه، فهو يتناول حقا الفصل الثاني في مستقبل متخيل للسينما. فصل ثانٍ يتراجع فيه دور المخرج ويصبح فيه الذكاء الاصطناعي مسؤولا عن الإخراج وعن إدارة الممثلين.
لعل ما يزيد من سخرية الفيلم، أنه يجمع في بطولته عددا من أفضل وأبرز الممثلين الفرنسيين مثل فانسان لاندون وليا سيدو ولوي غاريل، لنتخيل أنهم أصبحوا تحت إدارة مخرج افتراضي، يُدار بالذكاء الاصطناعي يحدثهم عبر برنامج كثير الأعطال على جهاز حاسب محمول. أيعقل حقا أن يؤدي التطور التكنولوجي إلى موت المخرج واستبداله بآلة؟ أيمكن لتلك الآلة أن تقيّم صدق أداء الممثلين وأن تتعامل مع المشاعر البشرية على الشاشة؟ لكن الفيلم ليس بهذه الجدية، فرغم السخرية من الذكاء الاصطناعي، ومن احتمال استيلائه على مقدرات السينما يوما ما، إلا أننا نجد أنفسنا أمام فيلم كوميدي، مجنون أحيانا، نضحك في العديد من مشاهده.
“الفصل الثاني” فيلم مجنون أحيانا، ساخر في الكثير من الأحيان، يعبث بالكثير من المحظورات التي تفرضها الصوابية السياسية على الممثلين، وعلى صناعة الأفلام عند الحديث، على سبيل المثال، عن المثلية الجنسية، أو عن المتحولين جنسيا، أو عن ثقافة الإلغاء، حيث يحدّث أحد أبطال الفيلم زميله عن المتحولين جنسيا، محذرا إياه من استخدام تعبيرات تخل بالصوابية السياسية “أتريد أن يتم إلغاؤنا”.
“الفصل الثاني” فيلم عن فيلم، تدور أحداثه حول وأثناء تصوير فيلم، وهو فيلم يحطم الجدار الرابع، أو الإيهام بالواقع، حيث يخرج الممثلون عن أدوارهم، ليحدثونا أو ليتحدثوا مع بعضهم بعضا، ولكنهم حتى حين يحطمون الإيهام بالواقع لا يعودون لشخصياتهم الحقيقية، ولكنهم يؤدون دورا من تأليف وإخراج الذكاء الاصطناعي. أثناء الفيلم نجدنا نضحك بصوت عال أو نقهقه في بعض المشاهد، ولكن الفيلم قائم إلى حد كبير على وجود كبار ممثلي السينما الفرنسية، الذين يزخر بهم الفيلم. نرى في بداية الفيلم شابين يسيران وسط متنزه هما دافيد (لوي غاريل) وصديقه ويلي (رافايل كينار)، يحاول دافيد أن يقنع ويلي باستمالة قلب شابة يصفها بأنها جميلة للغاية، ولكنه لا يهواها تدعى فلورانس (ليا سيدو)، لأنه ملّ من مطاردتها الدائمة له. نبدأ الاستغراق في هذا المشهد، ثم نندهش ضاحكين حين يخرج الممثلان عن الدور، ثم ينبه أحدهما الآخر ألّا يتحدث بما لا يليق أمام الكاميرا. هي مزحة ممتدة طوال الفيلم الذي تدور أحداثه عن تصوير فيلم. وفي مشهد لاحق نرى فلورانس (سيدو) في السيارة مع والدها غيووم (فانسان لاندون)، الذي يقرر أيضا الخروج عن دوره في الفيلم داخل الفيلم، لأنه سئم لعب أدوار في أفلام رومانسية قليلة الجودة ويطمح إلى دور كبير في فيلم كبير يخرجه مخرج كبير مثل بول توماس أندرسون شخصيا. هي مزحة قد لا تضحك الجمهور العريض، ولكنها موجهة لمن يعملون في مجال التمثيل الذين أصبح مارتن سكورسيزي، رغم مكانته الكبيرة كمخرج، كهلا بالنسبة لهم، ويبحثون عن فرصة للعمل مع رمز من رموز هذا الجيل. يسخر الفيلم أيضا من التنافس بين الممثلين ومن محاولاتهم الاستيلاء على أدوار بعضهم بعضا، مثل سعي دافيد للاستيلاء على الدور الذي حصل عليه غيووم في فيلم بول توماس أندرسون، بل إن الفيلم يسخر أيضا من حركة “أنا أيضا” ضد التحرش في عالم السينما، وهو قضية يتعامل معها الوسط السينمائي في الولايات المتحدة بجدية كبيرة، وتثير جدلا واسعا في فرنسا. ولكن كانتان ديبيو لا يتفّه من قضايا مهمة مثل، التحرش أو رهاب المثليين، ولكنه يسخر من استغلال مثل هذه القضايا لتحقيق مكاسب على حساب الفن.
“الفصل الثاني” فيلم عن السينما وعن حاضرها وعن مستقبلها، ولكنه يتعامل مع الأمر بسخرية تدفعنا للضحك. إنه ليس بجدية أو بجودة “الليل الأمريكي” لفرانسوا تروفو مثلا، الذي يدور حول محاولات مخرج لإنجاز فيلم، ولكنه يثير بعض القضايا التي تشغل المهتمين بالسينما في وقتنا الحالي. ربما ما يتناوله الفيلم حقا ليس دور المخرج، أو كيفية إنجاز الأفلام، بل دور الممثل ودور الإيهام بالواقع. يخرج غيووم عن دوره ليحدثنا عن أنه فاض به الكيل من التمثيل، بينما العالم الحقيقي يزخر بالقضايا الحقيقية المهمة، التي يجب التصدي لها، لكنه رغم هذا التمرد على مهنة التمثيل يبتهج ويشعر بأهميته حين يعلم أن مخرجا بارزا يسعى لضمه لفيلمه المقبل. قد لا يكون “الفصل الثاني” فيلما كبيرا أو علامة فارقة في تاريخ الأفلام التي تتحدث عن السينما والأفلام، ولكنه بداية تدفعنا للابتسام في بداية مهرجان سينمائي كبير.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية