فلسطين: المنعطف الصعب
د. الحسان بوقنطارفلسطين: المنعطف الصعب من بين الدروس الاساسية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية هو طابعها الديمقراطي حيث مارس الناخب الفلسطيني حقه في اختيار ممثليه ولو في ظل الاحتلال؟ وتؤشر نسبة المشاركة التي بلغت 77% علي الانخراط الجماهيري في هذا المسلسل؟ فعلي هذا المستوي، فإن الاقتراع الذي تم في ظروف مقبولة رغم التخوفات الناتجة عن الانفلات الامني الذي كان سائدا قبل اجرائه، قد نجح اجمالا في تحقيق الاهداف المنوطة به ولاسيما التعبير عن تعددية حقيقية؟ ومعني ذلك أن الديمــقراطية الانتخابية المفضية إلي تناوب النخب السياسية ممكنة في العالم العربي؟ وهو أمر جوهري يعني أن كل القوي السياسية يمكن أن تستفيد من الديمقراطية عبر الاقتراع لممارسة السلطة؟لكن سياسيا، فإن انتصار حركة حماس الذي كان منتظرا وفي نفس الوقت مفاجئا بحجمه، يدخل المنطقة استراتيجيا في وضع جديد بفعل التداعيات التي سيرتبها علي المنطقة وخاصة علي عملية السلام مع اسرائيل؟إن هذا الانتصار الكاسح لحركة حماس لايمكن تفسيره بعامل وحيد، فهو محصلة لعوامل يتداخل فيها ماهو محلي وإقليمي ودولي؟ فهو يكرس رد الفعل علي المرارة التي يشعر بها المواطن الفلسطيني من عدم تحقيق التسوية للانتظارات وخاصة في المجال الاجتماعي والاقتصادي؟ وهو أمر جعله أكثر تعاطفا مع خطاب حركة حماس الداعي الي إسقاط اتفاق أوسلو ومواصلة المقاومة لإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟ وعلي هذا المستوي فإن انتصار حماس هو في الواقع انهزام لخط التسوية سواء في صيغته المحلية أو الدولية التي لم تتمكن بشكل فاعل من ممارسة الضغوط الضرورية لتحصينه والاتيان بالوعود التي قدمتها؟ ولاريب في ان التعنت الاسرائيلي ومحاولته فرض تصور خاص به يفسر ذلك؟ لكن علاوة علي ذلك فإن هذا الانتصار يعني بالمقابل هزيمة تاريخية لحركة فتح التي قادت معركة الشعب الفلسطيني طيلة الاربعين سنة الماضية؟ فقد تعرضت ممارسة بعض قيادييها لانتقادات بفعل الفساد وعدم القدرة علي التواؤم مع حاجيات المواطن الفلسطيني؟ وبدا واضحا ان فتح أنهكتها سنوات ممارسة السلطة ولم تعد منذ سنوات وخاصة بعد اختفاء زعيمها الكاريزماتي ياسر عرفات قادرة علي بلورة مشروع يتميز بالمصــــداقية والتفاعل الايجابي مع متطلبات الفلسطينيين، خاصة في قطـــــاع غزة الذي يضج بالمشكلات بفعــــل الوضعية التي يعــيشها؟ علاوة علي ذلك فإن الصراعات والتطاحنات التي نخرتها قبل الانتخابات، زادت من ضعفها وساهمت في هذا التصويت الذي كان في جزء كبير منه احتجاجيا؟من الواضح أن هذه الانتخابات أفرزت سياسيا قطبا أساسيا متمثلا في حركة حماس، وقوة أخري أقل أهمية قد تتحول إلي المعارضة بعد أن داومت علي قيادة الشعب الفلسطيني، دون أن يؤدي ذلك إلي ظهور تيار ثالث من شأنه ان يخلق التوازن بينهما؟ فباقي القوي بدت مفتتة وضعيفة ولايمكن أن تؤثر علي مجريات الامور؟علي مستوي تدبير هذا الواقع، فمن المؤكد أن حماس بات بإمكانها لوحدها أن تشكل حكومة باعتبار الاغلبية المطلقة التي تمثلها؟ وانفتاحها علي باقي القوي يبقي في جميع الاحتمالات مرتبطا بإرادتها التي قد تدفعها، لاعتبارات تكتيكية، الي الدخول في شراكة مع القوي الاخري وخاصة مع حركة فتح حتي لاتبدو وكأنها لوحدها المطالبة بتدبير أعباء المرحلة المقبلة؟ ومن ثم يبقي التساؤل مطروحا حول نوعية الحكومة التي ستنبثق عن السلطة التشريعية الجديدة، وما هي طبيعة التعامل مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن أحد الخاسرين في هذه الانتخابات، والذي يجد نفسه في وضعية التساكن مع حكومة معارضة لبرنامجه السياسي الذي علي ضوئه تم انتخابه؟ فالساحة السياسية الفلسطينية، تبدو وكأنها باتت محكومة بشرعيتين تستقطبان وجودهما من الناخب الفلسطيني، ولكنهما متعارضتان من حيث الاهداف والمقاربة لتحقيقها؟ فكيف سيتم التعامل مع هذا الواقع الجديد؟ سؤال ستجيب عنه الممارسة المقبلة؟لكن إذا كان هذا الانتصار يكرس حماس كقطب رئيس في الحقل السياسي الفلسطيني، فإنه يطرح الكثير من التساؤلات حول طبيعة النهج الذي ستتبناه وهي تخرج من المعارضة إلي تدبير الشأن العام في ظل مناخ داخلي محدد بمعادلات خارجية، كلها مناوئة للمواقف التي كانت تدافع عنها وهي في موقف المعارض لاختيارات الحكومة السابقة؟من الواضح أن هذا الانتصار يفرض علي حماس تحديات جديدة؟ فهي أولا بدخولها في الحكومة أصبحت مسؤولة عن مستقبل الشعب الفلسطيني برمته، وعليها الآن أن تدبر التراث الذي تركه المسؤولون السابقون؟ وعليها أولا مهمة قيادة إصلاح المؤسسات التي دأبت علي انتقادها، بل أكثر من ذلك عليها الإتيان بإجابات عملية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها الشعب الفلسطيني، والذي ساهم بحظ وافر في التصويت لصالحها؟ لكن أكثر من ذلك، فإن مسؤولي حماس سرعان ما سيواجهون اشكالية التعامل مع المحيط الخارجي؟ وهو الذي في مجمله إذا كان قد عبر عن احترامه لصناديق الاقتراع، فإنه يعتبر من الصعوبة بمكان التعامل مع حكومة قد لاتلتزم بالمواثيق والاتفاقيات التي أبرمت في عهد السلطة السابقة، والتي تمثل كيانا ينبغي أن يتسم بالاستمرارية؟ أكثر من ذلك هناك إجماع دولي علي رفض التعامل مع حماس في حالة ما إذا استمرت في الدعوة إلي تدمير اسرائيل والحديث عن فلسطين الكبري؟ وليس هذا المحيط المكون من القوي الفاعلة في شؤون المنطقة مجرد متتبع، بل إنه يؤثر بسلوكه، سواء من خلال المساعدات المادية أو المساهمة في عملية التسوية وفي الضغط علي قرارات كل حكومة فلسطينية؟لكن أكثر من ذلك، فإن حركة حماس ستجد نفسها مطالبة بالتعامل مع الطرف الاسرائيلي الذي مازال يحتل الضفة الغربية، والذي ينظر بارتياب كبير لإفرازات هذه الانتخابات؟ فكيف ستوفق القيادة الجديدة بين نهج التفاوض بكل إكراهاته، وبين الاستمرار في ترديد خطاب المقاومة المسلحة؟وفي الواقع، إن انتصار حركة حماس في هذا الانتخابات إذا كان يشكل واقعا فرضته متطلبات الديمقراطية، فإنه يفرض عليها جملة من التحديات وربما من التمزقات، وقــــد يدفع المنطقة، وخاصة الشعب الفلسطيني إلي المجهول إذا لم تتمكن الحركة وكافة الفاعلين من التعامل معه بنوع من الحكمة والتبصر التي تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الدقيقة التي تتحكم في المنطقة؟ لذلك، فإن هذه الانتخابات بقدر ما أبرزت الوجه المشرق للديمقراطية، بقدر ما راكمت السحب في سماء هذه المنطقة الملبدة أصلا بالغيوم الكثيفة.ہكاتب واستاذ جامعي من المغرب8