فشل اصلاح النظام المالي في الجزائر

حجم الخط
0

فشل اصلاح النظام المالي في الجزائر

عابد شارففشل اصلاح النظام المالي في الجزائر سقط آخر بنك جزائري خاص هذا الأسبوع، وسقطت معه كل القرارات والمبادرات التي اتخذتها الجزائر مند خمس عشرة سنة من أجل تغيير النظام المالي والبنكي، مما يعني ويعلن الفشل الرسمي لإصلاح النظام المصرفي الذي يشكل أحد العراقيل الأساسية للنمو الاقتصادي في الجزائر.وقد أعلن البنك المركزي الجزائري ـ المكلف برقابة البنوك ـ أنه شرع في تطبيق قراره المتخذ قبل أسبوع لوضع حد لنشاط الشركة الجزائرية للبنوك ، التي تم وضعها تحت نظام التصفية ووضع صاحب البنك رهن الحبس الاحتياطي بعد أن اتضح أنه لم يحترم القواعد المعمول بها. ويكون هذا البنك آخر مؤسسة خاصة تختفي من الســـوق الجزائرية بعد كل من بنك الخليفة و يونين بنك و البـنك التجاري والصناعي و البنك الجزائري الدولي وغيرها.وقد ظهرت معظم هذه البنوك في التسعينات من القرن الماضي، بعد المصادقة علي قانون الصرف والقرض في يناير 1990. وأعطي هذا القانون استقلالية كبري للبنك المركزي الجزائري ليجعل منه مركزا أساسيا للقرارات المتعلقة بالاقتصاد والمالية والعملة، خاصة فيما يتعلق بقيمة الدينار الجزائري ونسبة القروض ومراقبة البنوك.لكن هذه الاستقلالية تراجعت تدريجيا خلال التسعينات من القرن الماضي، لما سيطر العنف في البلاد، مما أدي إلي تراجع سلطة القانون بصفة عامة هيمنة اللوبيات علي القرار السياسي والاقتصادي. إضافة إلي ذلك، كانت السلطة الجزائرية تتغافل عن الأخطاء التي ترتكبها البنوك في محاولة لإقناع الأجانب أن الوضع في الجزائر يتحسن وأن تضاعف عدد البنوك الخاصة دليل علي ذلك.في هذه الظروف الغامضة، تأسست البنوك الجزائرية الخاصة، وكان كل بنك معروفا عند الجزائريين أنه مرتبط بهذا الجنرال أو ذاك، حتي وإن كان الخبر خاطئا. واعتادت البنوك أن تتعامل بطريقة غير قانونية مثل منح قروض لاقارب صاحب البنك أو لأصدقاء في السلطة لا يقدمون الضمانات الضرورية. ومع انهيار بنك خليفة وما أحدثه من فضائح، اتضح أن كل البنوك الخاصة كانت تعمل بنفس الطرق ولو بدرجات مختلفة.وفي نهاية المطاف، انهارت هذه البنوك كلها تاركة أرقاما خيالية من الاختلاسات سيتحملها المواطن الجزائري، بينما تبقي البنوك التابعة للدولة تعرف هي كذلك سلسلة من الفضائح التي فاقت خسائرها المليار دولار. ويبقي الاقتصاد الجزائري من جهته يتيما لا يجد المؤسسات البنكية والمصرفية التي ترافق عملية التنمية. فالبنوك الخاصة انقرضت، والبنوك التابعة للدولة عاجزة تماما عن التعامل مع اقتصاد السوق، ولم يبق إلا البنوك الأجنبية، خاصة الفرنسية، التي بدأت تستولي تدريجيا علي سوق المعاملات التجارية في البلاد.ويخشي مسؤول في حزب العمال ـ اليساري ـ أن يكون هذا الوضع نتيجة لخطة مدبرة لا نتيجة العجز فقط. ويقول هذا السياسي لا يمكن أن نقبل أن كل البنوك الخاصة تنهار في ظرف أشهر قليلة بعد أن كانت الحكومات تتغني وتفتخر بوجودها . ويضيف أن القرار بتصفية البنوك الواحد تلو الآخر يهدف إلي القضاء علي كل المكونات الوطنية للاقتصاد الجزائري.هذا الخطاب المعتاد عند الأحزاب اليسارية أخذ طابعا جديدا بعد التطورات الأخيرة في الجزائر حيث أصبح متداولا في أوساط عديدة، منها بعض الأوساط الليبرالية التي تخشي انهيارا تاما للمتعاملين الجزائريين أمام هجوم رأس المال الأجنبي. ويذكر هؤلاء سلسلة من القرارات الاقتصادية المتتالية اتخذت خلال السنة الماضية، والتي تخدم بصفة واضحة الشركات الأجنبية علي حساب الاقتصاد الجزائري. وقد كتب أحد الاقتصاديين أن الجزائر ستخسر بين 50 الي 150 مليار دولار خلال الخمس عشرة سنة القادمة بسبب القانون الجديد للمحروقات، وهو القانون الذي لا مبررا اقتصاديا له. مع التذكير أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قال في 24 شباط/فبراير الماضي ان هذا القانون مفروض علي الجزائر.وبصفة عامة، فإن السياسة الاقتصادية والمالية تخضع منذ عشرية كاملة لتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، في إطار الاتفاق الذي تم سنة 1994 مباشرة بعد قرار الجزائر بإعادة جدولة ديونها الخارجية. ومنذ ذلك التاريخ، اعتادت الإدارة الجزائرية أن تطبق ما يأتيها من توصيات من صندوق النقد الدولي، وتخلت تدريجيا عن القرار ثم عن التحاليل، إلي أن أصبحت عاجزة تماما عن إبداء أي رأي في الموضوع. وبعـــد ذلك، وفي نفس المنطق، تم التفاوض مع الاتحاد الأوروبي والمنــظـــمة العالمية للتجارة دون مراعاة لمصالح الشركات الجزائرية، مما حطم ما تبقي من أوراق يملكها الاقتصاد الجزائري.وأدي هذا التطور إلي ضعف لا مثيل له للمؤسسات الاقتصادية الجزائرية التي أصبحت موضوع كلام العام والخاص، كما أصبحت محل تعليقات سلبية من طرف الدبلوماسيين الأجانب. ووضع الدبلوماسيـــون جانـــبا التحفظ المعتاد لديهم ليتكلموا علنا فشل المؤسسات الاقتــصادية الجــزائرية دون أن تحرك الحكومة ساكنا.ولما أعلن الرئيس بوتفليقة في الصيف الماضي أنه سيخصص مبلغ 55 مليار دولار لمخطط الإنعاش الاقتصادي، أجابه السفير الأوروبي في الجزائر بوضوح أن الإدارة الجزائرية عاجزة تماما عن تسيير مثل هذه المبالغ. ولم يتطرق السفير الأوروبي صراحة إلي موضوع الرشوة، لكنه أشار إلي هذه الظاهرة التي خنقت الاقتصاد الجزائري.أما السفير الأمريكي ريشارد إردمان، فاستعمل كلاما مشابها حيث قال في مقابلة مع صحيفة محلية أن من الضروري أن تسود الشفافية وأن تواصل الجزائر إصلاحاتها الاقتصادية، وخاصة النظام البنكي الذي يشكل عائقا للنمو الاقتصادي . وحتي الشرطات الغربية فإنها أصبحت تصدر ما يشبه التوصيات للإدارة الجزائرية. فقد قال رايموند فورتان ممثل الشركة الكندية أس أن سي لافالان أن علي الإدارة الجزائرية أن تكون في المستوي إذا أرادت أن تشرف علي تسيير المشاريع الكبري التي تكلم عنها الرئيس بوتفليقة .ومن جهة أخري ادي تراكم هذه العوامل السلبية إلي تراجع ملحوظ في النمو الاقتصادي باستثناء المحروقات. وقد بلغت الاستثمارات الأجنبية 1.8 مليار دولار سنة 2005، رغم كل التسهيلات التي تقدمها الجزائر للمستثمرين الأجانب. ويتضمن هذا الرقم علي عقود كبري لا ينتظر أن يكون لها مثيل خلال السنوات القادمة، كما أنها تقتصر علي عدد من الخدمات مثل بناء الفنادق الضخمة التي يستولي علي نصف الاستثمار الأجنبي خارج قطاع المحروقات.ومما أثبت هذا الفشل كذلك عجز السلطات الجزائرية في خصخصة البنوك التابعة للدولة رغم أن الخطاب الرسمي يعتبر العملية ذات أولوية كبري. وقد أعلن وزير سابق قبل عشر سنوات ضرورة خصخصة البنوك، ووضع في قائمته القرض الشعبي الجزائري، وهو من أكبر البنوك الجزائرية. وكان السيد مراد بن اشنهو قد نشر كتابا قبل أن يصبح وزيرا سنة 1994، شدد فيه علي ضرورة الخصخصة، لكنه، عندما اصبح وزيرا في حكومة بوتفليقة في الالفية الجديدة، عجز عن خصخصة أي بنك وأية مؤسسة. وتتابع الوزراء، منهم أحد أقارب عبداللطيف بن اشنهو، الذي عجز بدوره أمام انهيار الإدارة الجزائرية.لكن الإدارة الجزائرية، إن كانت عاجزة علي التفكير في مشروع ما أو علي تحقيقه، فإنها قادرة علي تحطيم أي مشروع يهدف إلي تغيير الوضع الحالي. فهذه الإدارة التي تشكل في الحقيقة غطاء سياسيا لحكم بوليسي عسكري، تمكنت من فرض قواعدها المبنية علي الرشوة وعدم احترام القانون في كل الميادين. واستطاعت أن تمنع البنوك الخاصة من البروز بصفة فعالة، خاصة وأن أكبر ممثل لهذه البنوك، وهو صاحب بنك الخليفة ، قام بأكبر عملية سطو في تاريخ الجزائر، مما وضع البنوك الأخري في وضع لا يطاق. ولم يبق من بديل إلا البنوك الأجنبية. ہ كاتب سياسي من الجزائر9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية