أثارت حلقة من برنامج فرنسي سياسي ساخر بعنوان Le petit journal على قناة Canal + الفرنسية نقاشا مغربيا واسعا على شبكة الإنترنت، فقد كان موضوع الحلقة للرابع من شهر نيسان/أبريل هو زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى المغرب. وقد أخذ الموضوع حيزا هاما من الحلقة، نال فيها الضيف ومضيفوه نصيبا وافرا من الانتقاد الساخر. خصوصا ما يرتبط بعادة تقبيل يد العاهل المغربي وابنه الحسن ذو التسع سنوات، والمشي فوق الزرابي التي غطت الطرقات التي مر بها الموكب بالأقدام، والسير فوقها بالسيارة الملكية. لمس المشاهد بوضوح حرص فريق إعداد البرنامج على الإشارة إلى برمجة الزيارة والتي بدأت أول ما بدأت بجولة في محطة تصفية المياه العادمة لمديونة (جهة الدار البيضاء والتي أنشأتها الشركة الفرنسية ‘ليديك’) للاطلاع على موضع النفايات وخزانات مياه الصرف الصحي للشخصية الاعتبارية الأولى في فرنسا، ولعلها رسالة لوم وعتاب حادة اللهجة من الملك للرئيس الفرنسي الذي كان قد اختار زيارة الشقيقة الجزائر أولا منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر نهاية السنة الفارطة. كاسرا بذلك التقليد الفرنسي الذي يقضي بتقديم المغرب، وقد اعتبر المراقبون في حينه أن الأمر ردة فعل من هولاند على دعم محمد السادس لغريمه ساركوزي في الرئاسيات الفرنسية. شعر بعض المغاربة بالغضب والامتعاض من الانتقادات الفرنسية الساخرة للطقوس المخزنية (يستخدم اللفظ للدلالة على كل ما ومن له صلة بالسلطة) المغربية، ذلك أنهم رأوا أنها تمس بالملك كرمز مغربي. فكانت التعليقات متباينة، انطلقت من الزيارة لتتجاوزها إلى قضايا أخرى، منها: أن الأولى أن نسخر من الفرنسيين الذين يقبلون أن يحكمهم رئيس غير متزوج، وأن الأمر بكل بساطة أن كلا يسخر بناء على معتقداته. وتم الرد بأن كون الرئيس متزوج أو شاذ فتلك حياته الشخصية ولا تهم الفرنسيين في شيء، فالمهم هو بصمته على تدبير الشأن الفرنسي وما يقدمه للبلاد وسياساته الداخلية و انعكاساتها على الفرنسيين، أما تقبيل الأيدي والمشي فوق الزرابي الحمراء والركوع والسجود فليست من معتقداتنا ولا من ديننا في شيء. وهناك من وجد الأمر مضحكا جدا، فالنقد منطقي جدا وأن كل ما يمارس من مظاهر وبروتوكولات لا صلة له بالتقاليد ولا بالدين. ثم ما المشكل إن لم يكن الرئيس متزوجا؟ في حين عزا البعض الأمر إلى الكرم المشهور للمغاربة، ولا سيما مع الأجانب. بينما رأى البعض الآخر المشكل في أننا لا نستطيع حتى أن نسخر من رئيسهم علانية في الإعلام كما هم يفعلون! مؤكدا على أن المسألة مسألة حقوق وليس معتقدات. بينما ذهب آخر إلى أن حتى لو شتموا في وجهنا فسلاحنا السكوت، فنحن نعرف من نحن ومن هم. يجب في اعتقادنا أن تكون أولوية كل شعب هي مردود الحاكم، وليس مظهره أو حياته الشخصية. كما أن البرنامج قصد أولا انتقاد زيارة الرئيس الفرنسي والتي جاءت كتغطية على فضيحة وزيره السابق في المالية جيروم كاهوزاك، صاحب الحساب المصرفي ذي 600.000 يورو بسويسرا. والذي خصصت له الصحافة الفرنسية والدولية مساحات واسعة، وجاءت العناوين بلهجة حادة إزاءه إذ وصف ‘بالكاذب’ و’بفاقد الأخلاق’. ونزيد من شعر الفضائح الفرنسية بيتا: فقبل أيام صرح جوزيف عبد الله، شقيق الناشط اللبناني جورج عبد الله الذي أصدر القضاء الفرنسي في 10 من يناير/كانون الثاني حكما بالإفراج عنه شرط ترحيله من فرنسا، وأثار هذا الحكم احتجاجا قويا من الولايات المتحدة، صرح أن القضاء الفرنسي في الحضيض. توجهه الإدارة الأمريكية التي أصرت مجددا على التدخل لمنع تنفيذ الحكم. لذا فالقضية قضية حرية تعبير وتقبل للنقد. ففي بلد إسلامي بحكومة إسلامية ليس مقبولا على الإطلاق كل مظاهر الترف هاته، وما يقابلها من تفشي الفقر والبطالة، فمراجعة بسيطة لأدبياتنا الإسلامية تُجلي بوضوح أنه إذا افتقر الناس فلا مال لأحد، والسارق إن سرق عن حاجة فإنما تقطع رأس الحاكم، لا يد السارق. وكوننا في سياق ثورات الكرامة والحرية، فما موقع طقوس الطاعة المذلة في مغرب العهد الجديد؟ ثم أليس باكرا تدريب طفل على الملك، وعلى الملأ؟! الأولى بنا- حكاما ومحكومين- بل الأجدى من الغضب: مراجعة الذات.