فتح وعبور الصحراء

حجم الخط
0

فتح وعبور الصحراء

الياس خوريفتح وعبور الصحراء هل كنت تتوقع نتائج الانتخابات الفلسطينية ؟ نعم . لا بد انك فرحت لأن توقعاتك تحققت . لا لم افرح . لماذا، هل يعقل ان لا يفرح المرء حين تكون توقعاته صائبة ؟ توقعت ولم افرح، بلي فرحت لأن الشعب الفلسطيني اثبت انه يملك القدرة علي المحاسبة، لقد عاقب الفلسطينيون الفساد والتردي السياسي والأخلاقي، لكن هذا لا يكفي، لأن المشروع البديل الذي انتصر في الانتخابات لا يملك رؤية سياسية تؤهله لقيادة اصعب نضال في العالم . ماذا اذا ؟ لا ادري، لكن فتح تعبر اليوم صحراءها، وعليها ان تمتلك شجاعة عبور الصحراء، كي تعيـــــد تأسيس نفسها كحـــركة وطنية نضالية مقاومة. لأن انهيار فتح سوف يعني انهيار احتمــالات الحركة الوطنية الفلسطينية، ومن دون حركة وطنية لا أفق .هذا الحوار المتخيل جري بيني وبيني. وحدي هنا في نيويورك كنت اشاهد الشماتة والتشفي علي وجوه المذيعات والمذيعين في اقنية الأخبار الأمريكية. لقد جاء المخرج الاعلامي، الفلسطينيون ليسوا شريكا في السلام، شارون كان علي حق اذا، وما علي العالم الغربي سوي تقويض ما تبقي من السلطة الفلسطينية، كي يتسني لاسرائيل تنفيذ مخطط الفصل من طرف واحد، ووضع الفلسطينيين في اقفاص باندوستانات التمييز العنصري، واطلاق اسم الدولة علي مولود مشوه وغير قابل للحياة. انه ذروة اللؤم والانتقام. وحين تسأل ولكن اسرائيل لم ترفض التفاوض مع ياسر عرفات فقط، بل رفضت التفاوض مع محمود عباس ذي الخطاب السلامي الواضح ايضا، يجيبونك بابتسامة صفراء، ويحدثونك عن الفساد، كأن لا علاقة لهم بافساد السلطة وتقويضها. يريدون اثبات ان كل القيادات الفلسطينية ليست شريكا، كي يتسني لهم الاستمرار في لعبة قضم الأرض واذلال الناس. وجاءهم الجواب، اذا كان محمود عباس غير صالح للشراكة، فخذوا لغة تشبه لغتكم، خذوا حماس ولنعد الي المربع الأول.لقد فشلت كل محاولات اصلاح السلطة وترميم فتح بعد غياب ياسر عرفات، فكـــــان لا بد من هذا السقوط المــــدوي كي تعي فتح الي اي هاوية كانت تمضي بها الشللية وهيمـــــنة الاجهزة الامنية وقصــــور الفاسدين التي بنــــيت الي جانب اكواخ اللاجئين.والكرة في ملعب مناضلي فتح الآن. انهم امام سؤال يشبه سؤال 1965 عندما بدأ خليل الوزير وياسر عرفات وصلاح خلف ومحمد يوسف النجار مغامرة الكفاح المسلح، وتأسيس الوطنية الفلسطينية. اليوم علي فتح ان تتخذ قرارا تاريخيا مشابها، بل ربما كان اكثر خطورة من القرار الذي اتخذ منذ اربعين عاما. والقرار يتألف من مستويين:المستوي الأول: احباط احتمال الحرب الاهلية و/ او الانقلاب العسكري. اسرائيل رفضت التفاوض مع ياسر عرفات لأنه رفض القاء خيار المقاومة والانحراط في حرب اهلية مدمرة. اما خطيئة ابو مازن الوحيدة فكانت رفضه للحرب الاهلية مما استدعي قيام شارون بخطوته الآحادية في غزة. فتح تدفع اليوم ثمن رفضها للحرب الأهلية، وهذا يعني ان علي امراء الأجهزة الأمنية الذين عاث بعضهم فسادا الانسحاب من الحياة العامة، وعدم استغلال ازدواجية السلطة الجديدة وعجزها من اجل الدخول في مغامرة مدمرة.المستوي الثاني، هو استعادة اللغة الوطنية، وبناء علاقة جديدة مع الشعب، وتأسيس افق مقاوم. ان سقوط اوسلو الذي بذلت الآلة العسكرية الاسرائيلية كل جهودها من اجل اسقاطه ليس نهاية الدنيا، بل قد يكون بدايتها. فهذا الاتفاق المجحف كان في اساس بلوي السلطة الناقصة التي قادت الي الفساد وتسلق الانتهازيين، عدا عن ان الطرف الاسرائيلي قرأ اوسلو باعتباره صك استسلام غير مشروط، وفوجيء بعرفات يرفض العرض السخي بالامحاء في كامب دايفيد 2000!الصحراء التي علي فتح عبورها اليوم قد تكون شديدة الوطأة والصعوبة، لكنها الخيار الوحيد. اعادة تأسيس الحركة الفلسطينية، في وصفها حركة شعبية متعددة الاتجاهات، لها هدف واضح هو التحرير، وبناء الدولة المستقلة، ولها رؤية في الاساليب وموقف منها، فهي تدعو الي المقاومة وليس الي الانتحار، سلاحها الأول هو المقاومة الجماهيرية، وتخوض الكفاح المسلح ضد الجنود والمستوطنين، وتميز بين المدنيين والعسكر، ولا ترضي بالتنازل عن الثوابت: الدولة والقدس وحق العودة. هذه الحركة النضالية عليها ان تعيد تأسيس نفسها وسط صحراء القمع العربية، وفي مواجهة الآلة العسكرية الاسرائيلية، والايديولوجيا النيوكولونيالية الأمريكية. التأسيس الجديد ليس سهلا ولا يمكن ان يتم في فراغ، بل يجب ان يترافق مع استنهاض القوي الديمقراطية الفلسطينية من جهة، وعدم تسعير الخلاف مع حماس، بل وضعه في اطاره في وصفه خلافا ايديولوجيا ورفضا للفكر المحافظ، ورؤية لمستقبل فلسطين كوطن ديمقراطي حديث، قادر علي مواصلة المعركة مع اسرائيل علي اساس رفض اقامة كيانات اثنية او دينية، لأن هذه الكيانات تجلب الانحطاط والدمار لفلسطين والمشرق العربي.هل تستطيع فتـــح والقوي الفلسطينية اليسارية عبور الصحراء؟وكيف ستبني الحياة السياسية الفلسطينية في ظل هذا الكم الهائل من التعقيد الذي يضيـــفه الاسلاميون الي المشهد السياسي؟قد تكون فلسطين علي مشارف افول السلطة وانهيارها الكامل، لكن هذا علي ما يحمله من اعباء اجتماعية يجب ان لا يخيفنا. فالعودة الي المربع الاول الذي تفرضه اسرائيل علي الفلسطينيين في الارض المحتلة، يحمل الكثير من المآسي لكنه لا يجلب اليأس. فبعد اعوام اليأس الطويلة لم يعد اليأس ممكنا. 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية