غير موجه في الأساس الي الغرب واسرائيل
الغليان الذي يصيب العالم الاسلامي والتقلبات والصراعات كلها تعبير عن فوضي داخلية وصراع داخلي بين المسلمينغير موجه في الأساس الي الغرب واسرائيل إن من يعتقد أن العالم غارق في حرب ثقافات بين الاسلام والغرب لا تنقصه البراهين: فهناك القاعدة واسامة ابن لادن، واعمال الشغب العنيفة في إثر الرسومات الكاريكاتورية، وتصريحات رئيس ايران عن عالم بغير امريكا واسرائيل ، وفوز حماس في الانتخابات الفلسطينية.لكن الصورة أكثر تعقيدا: اذا كانت توجد حرب ـ وتوجد حرب ـ فانها ليست بين الاسلام والغرب، بل هي حرب داخل العالم الاسلامي. فبن لادن لا يري امريكا عدوه الرئيس، بل النظام السعودي، وهو كما تعلمون نظام اسلامي قمعي، يقوم علي اصولية أكثر تطرفا من النظام في ايران (مثلا فيما يتعلق بالانتخابات، وحقوق النساء ومكانة غير المسلمين)، وعدو الاخوان المسلمين في مصر هو نظام مبارك، الذي ترك قليلا القطاع في المدة الأخيرة نتاج ضغط غربي، لكنه يتابع التراث الناصري لاضـطهاد الاخـوان المسـلمين. الحكومة الحالية في تركيا، التي تقوم علي حزب اسلامي، يهددها غُلاة مسلمون استعملوا ارهابا أكثر دموية من أية مرة كانت؛ والأعداء الأشد لرئيس باكستان مشرف أحزاب وجماعات اسلامية اصولية. وننتهي الي العراق آخرا. فالارهاب السني ليس موجها الي الاحتلال الامريكي فقط ـ بل الي الكثرة الشيعية والقلة الكردية في الأساس: لكي نفهم ما حدث هناك أخيرا ـ ارهابيون سُنيون فجروا أحد المساجد الأكثر قدسية للشيعة، وفي رد علي ذلك هوجمت عشرات المساجد لأهل السنة في بغداد وفي مدن اخري.في الحقيقة أن العالم الاسلامي مثل قِدر يغلي، ومع انعدام مؤسسات وتقاليد تعددية وتسامح، فان يد العنف والقتل هي العليا: لكن القتل موجه باديء ذي بدء الي مسلمين آخرين ـ أكثر اعتدالا، وعلمانيين، وأبناء طوائف اخري. كما قد تعلمون الغرب واسرائيل مستهدفان ايضا ـ لكن هذه في الأساس حرب أهلية داخل المسلمين.سبب ذلك بسيط جدا: الاسلام لم تجرِ عليه تلك التغييرات التي أفضت في الغرب ـ بعقب الاصلاح البروتستانتي، والتنوير والثورة الفرنسية ـ الي نمو ثقافة علمانية ديمقراطية، تعددية، حرية ومتسامحة. ومن جهة اخري، العالم الاسلامي ـ وبخاصة العالم العربي ـ لم يفلح الي الآن في مواجهة تحدي الحداثة، وهو يشعر بأنه مكسور ومُهان، لا يمكن أن نعلم هل سينشأ عن الانقلابات الحالية في العالم الاسلامي تلك الأطر السياسية والقيم التعددية التي صاغت نماذج حكم ومجتمع تشبه تلك التي في الغرب: كل تصور جبري سيكون مخطوءا. لكننا حتي اذا لم نعلم من الذي سيفوز في النضال الاسلامي الداخلي هذا ـ المعتدلون أم المتطرفون ـ يجب أن نذكر أن ما يحدث الآن بين المسلمين هو في أساسه صراع داخلي علي صورتهم ومستقبلهم، لا صراع مع الغرب.شلومو أفنيريمحاضر في الجامعة العبرية(يديعوت احرونوت) 12/3/2006