غرق العبّارة المصرية كارثة فضائية ايضا
خالد الشاميغرق العبّارة المصرية كارثة فضائية ايضااصبحت الكوارث الجوية والبحرية والبرية والاقتصادية والسياسية وحتي الرياضية روتينا معتادا في حياة المصريين، فلم يكد الناس يفيقون من فاجعة احتراق عشرات الفنانين والمثقفين احياء في مسرح بني سويف عشية الانتخابات الرئاسية في ايلول (سبتمبر) الماضي، حتي فجعهم غرق العبارة السلام 98 علي طريقة تيتانيك، وكأننا ما زلنا نعيش في عام 1912، وبعد ان اقسم العالم الا تتكرر تلك الكارثة مرة اخري، ولكن يبدو اننا لسنا جزءا من ذلك العالم (بعد).متابعة انباء الكارثة الجديدة علي شاشة الفضائية المصرية كانت كارثة مستقلة لا بد انها ستودي بعشرات المشاهدين من المرضي بضغط الدم والقلب والمرارة ايضا.وباستثناء المذيع محمد جمعة الذي وجه اسئلة حقيقية الي وزير النقل الجديد حول اسباب تكرار الكوارث، كانت الفوضي والنفاق والاستهتار بمشاعر الناس هي سيدة الموقف، وهذا غيض من فيض:ـ كان الخبر الرئيسي في كافة النشرات بعد الحادث عن توجيهات الرئيس و التعازي التي تلقاها الرئيس ، ثم الاجتماع الذي عقده الرئيس مع المسؤولين واخيرا البيان الذي القاه الرئيس بينما كان هناك نحو الف مواطن مصري يلقون حتفهم غرقا، ولا تجد عائلاتهم من يجيب عن سؤال واحد.ـ وزير النقل محمد منصور (المشهور في مصر منذ سنوات طويلة باسم منصور شيفروليه) وهو امبراطور توكيلات السيارات وصفقات البيزنس من العيار الثقيل، تطوع محاولا التهرب من المسؤولية دون استناد لمعلومات او حقائق فصرح بأن سبب غرق العبارة هو اصطدامها بالشعب المرجانية رغم ان عمق البحر في موقع الحادث يزيد عن تسعمئة متر. ثم خرج بتصريح جديد اكد فيه ان عطلا فنيا يقف وراء الحادث. وبما ان صاحب الشركة المالكة للسفينة قريب وزراء من حكومة الـ فاميلي بيزنس ، فان هذه الكارثة ستمثل اختبارا حقيقيا للنظام باكمله.ـ بعد وصول الضابط الثاني الي بر الامان، ومعرفة قصة الحريق ظهر المسؤولون الكبار بربطة المعلم في اجتماع، وامامهم خريطة لموقع الحادث شرحوا عليها تكهناتهم للرئيس مبارك، وتوصلوا بقدرة قادر الي ان الرياح هي المسؤولة عن قتل الف مواطن مصري. حيث ان (والكلام لمحافظ البحر الاحمر وليس لخبير متخصص) القبطان استدار بالسفينة مرة اخري محاولا استئناف الرحلة الي مصر بعد ان ابلغ بالسيطرة علي الحريق، فدخل في منطقة ذات رياح عاتية مما ادي الي الكارثة.وهكذا فان الرياح العاتية ـ وليست الحكومة التي سمحت لسفينة ممنوعة من دخول اوروبا بالعمل في مصر، وليست الرشاوي التي مكنت الشركة المالكة لها من استصدار شهادات الصلاحية ـ هي المسؤولة عن غرق الف مصري تغربوا عن اهلهم لسنين طويلة بعد ان استعصت عليهم لقمة العيش في بلدهم.ـ وفي تمثيلية سياسية فضائية لم تخدع احدا من المشاهدين، بدا المسؤولون الكبار حريصين علي اخلاء ذمتهم ـ لأنهم مقتنعون بأنهم المتهمون ـ اكثر كثيرا من توضيح حقيقة ما حصل للرئيس وبالتالي للاهالي المساكين.ـ واستضافت قناة النيل للاخبار خبيرا بحريا مستقلا لم يستطع ان يخفي غضبه وهو يتحدث عن عوامل الاهمال والعشوائية والفساد باعتبارها المسؤول الاول عن الكارثة، وقال، ويا هول ما قال:ـ عدد قوارب النجاة في السفينة لا يزيد عن عشرة وهو ما يكفي لانقاذ نحو ثلاثمئة راكب فقط من 1400( عدد الناجين في الحادث 426)، بينما ينص الكود البحري العالمي علي ان يزيد العدد الذي يمكن انقاذه بالقوارب عن سعة السفينة من الركاب.ـ نظرا لتجاوز السفينة عمر صلاحيتها، فان تجديد الترخيص لها يقتضي قياس حجم الغاطس باجهزة حديثة مكلفة لا تمتلكها هذه الشركة اصلا.ـ اطواق النجاة التي اعطيت لبعض الركاب كانت اطواقا للموت حيث انها كانت مثقوبة وغير صالحة للاستعمال.ـ بما ان السفينة مسجلة في بنما فان اهالي الضحايا الراغبين في مقاضاة الشركة عليهم التوجه الي بنما ليتمكنوا من رفع القضية. وغني عن القول ان معظم الاهالي من ابناء الصعيد الطيبين ربما لم يسمعوا اصلا عن بلد اسمه بنما، ناهيك عن التكاليف الباهظة التي لا يستطيعون تحملها.ولم تستضف الفضائية المصرية شخصا واحدا من اولئك الاهالي الغاضبين، وكأن النظام لم يعد يحتمل ان يظهر مواطن مصري غاضب في تلفزيون بلده لينتقد الحكومة.الي متي يستمر هذا الازدراء بمشاعر الناس، واي مستوي يجب ان يصل اليه الاحتجاج العنيف لكي يدرك النظام الاثار العكسية لهذه السياسة الاعلامية الديناصورية؟ .الي متي لا تتذكر الفضائية المصرية ابناء مصر في الخارج الا في حملات جمع التبرعات، وكأنهم زكايب فلوس متحركة ، ثم تتجاهلهم عندما تبيع حقوق اذاعة مباريات مصر في البطولة الافريقية الي منافسيها السعوديين الذين يبتزون المشاهدين بنظام الاشتراكات؟الي متي يستمر هذا الجحود السياسي تجاه المصريين في الخارج رغم دورهم الحيوي في دعم اقتصاد بلدهم، وكيف يبرر النظام حرمانهم من المشاركة في الانتخابات الاخيرة، رغم ان الدولة الفاشلة والمحتلة في العراق استطاعت اشراك مئات الالاف من مواطنيها في الخارج بالانتخابات؟واخيرا، ما هي الحلقة المقبلة في هذا المسلسل المروع من الكوارث بعد غرق ثلاث عبارات، وسقوط طائرتين، واحتراق مسرح، وانهيار مئات المباني، واحتراق المئات في قطار الصعيد، ومعدلات قياسية عالمية في حوادث الطرق ضحاياها اكثر من ثلاثة الاف شخص سنويا؟ملحوظة: لم يحاكم اي من المسؤولين السياسيين بسبب اي من هذه الكوارث، ومعظمهم ما زال يتمرغ في نعيم حكومة الفاميلي البيزنس .الاعتداءات اساءات للرسول ايضا كانت الصور الفضائية التي هيمنت علي شاشات العالم الاسبوع الماضي للمسلمين الغاضبين من رسوم الكارتون المسيئة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حدثا فريدا من نوعه باي مقياس.وبعد نوع من التفاؤل في الايام الاولي بأن المسلمين يقدمون احتجاجا حضاريا، دخل البعض علي الخط، فاذا بمتظاهرين يحرقون سفارات الدنمارك والنرويج في دمشق ثم (في مصادفة ملفتة) في بيروت، وكأن النظام البوليسي في دمشق لم يستطع حقا ان يسيطر علي المتظاهرين.وما كان الرسول الكريم ليرضي عن هكذا اعتداءات ومشاهد قبيحة طال اذاها اناسا ابرياء وكنائس آمنة، في صيد بالمياه العكرة يوجه رسالة سياسية واضحة مفادها التلويح بتهديد المصالح الغربية واستقرار لبنان ردا علي فرض عقوبات ضد سورية او ايران.والسؤال هو اين كان هؤلاء المتظاهرون الاشاوس عندما دنس السفاح شارون الحرم القدسي الشريف، وعندما احتل بوش العراق باوامر الهية وغير ذلك.وتري ايهما اكثر ايذاء للرسول العظيم حقا ان يظهر الحقد عليه في رسم كارتوني مصيره مزبلة التاريخ، او ان يري حرمات الله والمسلمين في فلسطين والعراق وغيرهما تنتهك بايدي الغربيين احيانا، وبايدي حكام المسلمين غالبا؟لقد اساءت اعمال العنف الاحتجاجية الي الرسول الكريم والاسلام والمسلمين اكثر كثيرا من رسم كارتوني لن يستطيع ان ينال من مكانته.والي ان تصدر الدنمارك قوانين تحمي الاسلام كما ان لديها قوانين تجرم معاداة السامية، يكفيها ان نقاطع منتجاتها، وخاصة تلك الالبان والاجبان الشهية المسؤولة عن انتشار البدانة المرضية في اغلب بلاد المسلمين (وخاصة دول الخليج) ما جعلنا امة مترهلة في العقل والجسم ايضا.فاكسات فضائية تهنئة للشيوخ في الجزائر علي نجاحهم التاريخي في اجبار الرئيس بوتفليقة علي منع اذاعة برنامج ستار اكاديمي ـ وكأن الجزائريين كانوا يشاهدونه في التلفزيون المحلي اصلا ـ وعقبال الانتصار في معارك مكافحة الجهل والبطالة والتطرف كما في الحرب ضد برامج الفسق والرذيلة حسب وصف الفتوي السعودية للبرنامج. في قناة نيوتي في اللبناني مذيعة بتطير العقل تظهر في منتصف الليل ـ بعد ان ينجح المشاهدون في التحايل لارسال زوجاتهم الي تناول ارز باللبن مع الملائكة ـ ببرنامج يعتمد علي الاتصالات للعثور علي فارق بين صورتين (بالمصادفة لفتاة شبه عارية دائما). ويتميز رقم الاتصال من السعودية بتصدر الشاشة دائما، في ابتزاز جنسي واضح للمشاهدين. يوجد مسرح سياسي في سورية، فقط عندما يتعلق الامر بشتم المعارضين الاوغاد. اما عندما يتعلق الموضوع باسقاط سياسي علي الوضع الراهن فقد اقتضي الامر ان يختبئ مؤلف مسرحية الدمراوي ـ وصف مهنة من يعمل باشعال الفوانيس ـ وراء الف ستار وحجاب، كما قال في حديث للفضائية السورية. وهكذا السياسة والا فلا.كاتب من اسرة القدس العربي [email protected]