غارات الصهاينة لن تنسينا مجازر بانياس

حجم الخط
0

الحدثان اللذان سيطرا على ساحة تطورات الثورة السورية في هذين اليومين هما: مجازر بانياس التي أرهقت صحائف التاريخ بقبحها ونتنها ووحشيتها. والغارات التي شنتها الطائرات الصهيونية على بعض المواقع الحساسة، لما تبقّى من تشكيلات جيش نظام الأسد. تزَامُنُ هذين الحدثين يزيد مشهد الثورة السورية غموضاً وتداخلاً، بحيث تزداد صعوبة فهمه وتحليل أحداثه وتوقع تطوراتها.
أسوأ ما في نظام الأسد على الإطلاق أنّه جعلنا نستصغر ما فعله ويفعله الصهاينة فينا، مع فداحته وفظاعته ووحشيته، بل أنسى العالم مجازرهم المتكررة في حقّنا، وصار أعمدة الإجرام والإرهاب الصهاينة يحاضرون في حقوق الإنسان وحرمة الدم الإنساني، ولك أن تتصور الأمر عندما يحاضر شمعون بيريز رئيس الدولة الصهيونية وصاحب مجازر (قانا الثانية وغيرها) حول كيفية حقن الدماء في سورية، ووضع حد للمجازر التي ترتكبها قوات النظام وطائراته في مختلف انحاء البلاد. ويقول بالحرف الواحد: ‘لا يمكننا ان نقف مكتوفي الايدي، فيما الرئيس بشار الاسد يقتل شعبه واطفاله،.
قد تدفع المشاعر المتناقضة في قلوب المنكوبين والمجروحين من السوريين الى أن يفرحوا أو يستبشروا بهذه الغارات، لأنّها قد تشفي غليل قلوبهم بعصابات الأسد، وهم يرون تخاذل الدنيا عن حماية نسائهم وأطفالهم، ويرون إخوانهم من العرب والمسلمين عاجزين أو متفرجين على ما تفعله هذه العصابات، مكتفين بالتنديد لا يجرأون على فعل شيء، بينما تستطيع دولة الصهاينة أن تمرّغ أنف الأسد بالتراب وتقصفه في عقر داره، وتدّمر جزءاً من آلة الدمار والقتل التي تفتك بهم ليل نهار.
هل هذه الغارات التي شنتها الطائرات الصهيونية تصبّ في مصلحة الثورة السورية؟
السوريون كلهم يعلمون يقيناً أنّ إسرائيل لم تقم بهذه الغارات كُرمى لسواد عيون الأطفال والنساء الذين ذبحوا بالمئات في بانياس، ولا انتقاماً للوحشية والبهيمية التي يتصرف بها شبيحة بشار الأسد، ولكنّها على أقلّ تقدير أربكت عصابات الأسد، خصوصاً وهم يرون الخوف والهلع في عيون الشبيحة على الحواجز، وفي قنوات النظام، نعم لقد شعروا بأنّ هناك من لا يأبه لتهديدات إيران وحزب الله ولا لتهديدات روسيا حتى.
في منطق المكلوم والمجروح الذي تغلب عليه مشاعر القهر الخذلان هذا صحيح، ولكنهم لو قلّبوا من جوانبه كلّها سيرون أنّ هذه الغارات قد جاءت خدمة للنظام؟ خصوصاً وقد بدأت الصور والفيديوهات تظهر هول وفظاعة ووحشية ما جرى في بانياس، ألا يمكن ان تكون هذه الغارات عبارة عن فقاعات صوتية أراد الصهاينة أن يقدموا بها خدمة إلى النظام، بحيث يشغلون السوريين والعالم عن البحث في تفاصيل ما جرى في بانياس، وسواء كان هذا حقيقياً أم افتراضاً من غير دليل، ألم ينشغل العالم بهذه الغارات، بحيث تصدرت أخبار القنوات الفضائية والصحف العالمية وبحيث صارت أخبار ما حصل في بانياس من مجازر، رغم فظاعتها وشناعتها خبراً هامشياً؟
وبالتالي فهي تصبّ في مصلحة النظام الذي سيستثمر هذه الغارات من كلّ الجوانب، وقد فعل بحيث ربطها مباشرة بعمليات الجيش الحر، مؤكداً أنّ هناك تنسيقا وتعاونا بين الكيان الصهيوني والجيش الحر، وإن كان يعلم أنّ مثل هذه الدعاوى بعيدة عن التصديق. وربما اتخذ ذلك ذريعة لزيادة البطش والتنكيل بالسوريين مع أنّه لا يحتاج إلى ذريعة، ومن ناحية أخرى سيزيد من إصراره على تأكيد كذبته الكبرى في المقاومة والممانعة، فلو لم يكن مقاوماً وممانعاً للمشروع الصهيوني الإمبريالي ما الذي يدفع دولة الصهاينة لقصفه.
الأيام القادمة ستظهر بعض دلائل تناقضات المواقف الخارجية من الثورة السورية، فنحن ننتظر ردَّ إيران التي ما برح قادتها الدينيون و السياسيون والعسكريون يهددون ويتوعدون كلّ من يحاول إسقاط نظام الأسد، وينتظرون أيضاً ردّ حزب الله الذي زجّ بنفسه مباشرة في صف النظام، وصرح أمينه العام من أيام عن الأصدقاء الإقليميين والدوليين الذين لن يسمحوا بسقوط (نظام الأسد) وكلنا شوق لنعرف موقف روسيا التي تحاول العودة كفاعل رئيس على الساحة العالمية، من خلال بوابة الثورة السورية.
لن تقنعنا هذه الغارات أنّ العدو الصهيوني يريد إسقاط نظام الأسد، ولن تبعد عنّا حقيقة أنّ مصلحة الصهاينة الاستراتيجية ببقائه، ونعرف أنّها لعبة السياسة والمصالح التي قد تخلط الأوراق، ولكنها لن تستطيع قلب الحقائق. ولن تنسينا هذه الغارات مجازر بانياس، وإن نسيناها فهل ننسى مجازر الحولة والقبير وكرم الزيتون وعشرات المجازر التي ترتكب يومياً.

عبد عرابي
حمص ـ سوريا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية