عِش la vie يا مون شيري او: انتهاك العربية برعاية رئاسية!
توفيق رباحي عِش la vie يا مون شيري او: انتهاك العربية برعاية رئاسية!منذ ثلاث سنوات درج التلفزيون الجزائري علي تنظيم سهرة اشبه بسهرات الاوسكار اسماها علي بركة الله ليلة الفنك الذهبي .هذه بادرة لا يملك المرء الا ان ينحني احتراما لها، ويقف مصفقا ومشجعا لاصحابها. تشجيع هذه المبادرات واجب اخلاقي وثقافي وفني ببلاد طاق علي من طاق في الركض وراء الثراء واكتناز المال والعقارات باقصر الطرق وأقلها تكلفة واستثمارا (..) بلد احترف فنانوه ومبدعوه الشكوي والبكاء، واحترف المجتمع والسلطة معاقبتهم بتهميش وخصي كل مَن وما له علاقة بالفن والابداع.ولا يكتفي التلفزيون بمجرد بث السهرة، بل هو طرف فاعل في المؤسسة المسماة مؤسسة الفنك الذهبي ، ويوفر لها كثيرا من امكاناته المادية والبشرية.وهذه ايضا تستحق التشجيع.جرت العادة في السهرة ان توزع جوائز علي اعمال تلفزيونية محلية، احسن انتاج، احسن سيناريو، احسن دور رجالي، احسن دور نسائي.. الخ.وتجري السهرة علي طريقة سهرات مهرجانات الاوسكار ـ مع حفظ المقامات طبعا ـ بحضور عدد كبير من الفنانين ومن لهم علاقة بالانتاج السينمائي والمسرحي والتلفزيوني.الي هنا كل شيء جميل. ثم يبدأ القبح في السهرة ذاتها. تبدأ كل انواع الخلل، وتقول المنشطات للمشاهدين انها عيوب، او ثمن، البث المباشر. في كل الدنيا، المباشر مباشر وكفي، الا الجزائريين مطلوب منهم تحمل (او دفع) ثمن المباشر .وليكن. لنضع هذا علي ظهر قلة التجربة والامكانات قياسا بحجم الحدث.ہہہثم يبدأ الخلل الاخر المتمثل في ميوعة المنشطات. نفس المأساة، نفس السيناريو في كل سنة. اذكر ان في سهرة 2004 جيء بفنانة اسمها أمل وهبي فعاثت في الارض استهتارا وجهلا فكانت النقطة السوداء في السهرة (رغم شعرها الاشقر اصطناعيا). من عيوبها مثلا انها، وهي التي تقدم نفسها انها خريجة جامعة، عجزت عن نطق اسم الروائي والكاتب مرزاق بقطاش، لانها لم تسمع به من قبل. ان تكون في هذا المستوي وبك كل هذا الجهل، الاحسن لك تروح تروّح لدارك .جهل ادبي وصحافي قلنا معليهش. لكن آمال (عندما استقرت بالقاهرة، ولضرورات الفن والقافية، اصبح اسمها أمل في المفرد، مثلما اصبحت سميرة بن سعيد سميرة سعيد)، الفنانة التي قيل لنا ان صيتها ذاع في الجزائر والعواصم العربية، عجزت عن معرفة الملحن الجزائري قويدر بوزيان فتلعثمت في لفظ اسمه، حتي اضطرت القاعة ان تصحح لها بهمس التقطته الميكروفونات مثل من يهمس في اذن تلميذ فاشل في امتحان حاسم.لا اعرف من سمح لهذه المسكينة بالصعود الي تلك المنصة. وحسنا فعل من قرر تغييبها منذ تلك السهرة المشؤومة.السهرة الاخيرة جرت الاسبوع الماضي، واُريد لها ان تكون مغاربية. لهذا الغرض حضرتها المطربة المغربية لطيفة رأفت وزميلها التونسي لطفي بوشناق. حضر كذلك الممثل المصري يحيي الفخراني.في السهرة جيء بمنشطة لا اعرف من اين، تراها فيخيّل اليك انها اُصيبت بفيروس انفلونزا الطيور الذي لا اعرف ما هي اعراضه في بني البشر، لكن لا ادري لماذا راح دماغي الي هناك اول ما شاهدت هذه المنشطة مبلولة الشعر تبدأ عملها ، مذبحتها!وفاء للتهشيم الذي يبدو انه اصبح من سمات الفنك ، عاثت صاحبتنا جهلا وتقصيرا وارتباكا وعبثا باللغات. دون تعصب لاي لغة، والي ان يثبت العكس، لغة الجزائر هي العربية تليها الامازيغية، لكن اللغة التي هيمنت هي الفرنسية ولغة اخري هجينة ما انزل الله بها من سلطان.يبدو ان الذين جاؤوا بالمنشطة اياها تعمدوا ان تكون مزدوجة اللغة، عربي فرنسي، لضرورات الزوخ (التماهي).كان يمكنهم ان يأتوا باثنتين، واحدة عربي مئة في المئة واخري فرنسي مئة في المئة، فيتحقق التوازن والخدمة والتماهي في نفس الوقت (مثلما يفعل الناس في المؤتمرات والحفلات الكبري)، لكنهم لم يفعلوا.بل كان يمكنهم ان يأتوا بمفرنسة ويكون التنشيط كله بالفرنسية، فيكون الامر واضحا محسوما.واضح جيدا ان المنشطة متمكنة جيدا من اللغتين، لكن المشكلة تقع عندما تتخلي عنهما وتبدأ بالبحث عن لغة ثالثة هي خليط من العربية والفرنسية والدارجة المحلية، اي اللغة الهجينة الواردة آنفا.وجاءت لحظات فتح الاظرفة وقراءة اسماء الاعمال الناجحة او اصحابها. هنا جادت علينا ممثلة اسمها فتيحة بربار (اراها تمثل منذ كنت طفلا ولا تزال) لتتحفنا بعربية الخواجات في نطق عناوين اعمال لم تكن هي بعيدة عنها. خذوا هذه الامثلة كما وردت علي لسانها: السيد فلان.. مفتراق الطروق . والمقصود هنا الفائز هو فلان من (مسلسل) مفترق الطرق . ثم بعد تلعثم وتردد: فلان.. البضرة ، والمقصود ان الجائزة (لمسلسل) البذرة . البضرة ؟! مفتراق الطروق ؟! عيب عليكم يا ناس، والله عيب! بهدلتوا بنا يجي ما يبهدلكم. كثيرا ما خضت نقاشات هنا مع زملاء واصدقاء مشارقة ليس علي لسانهم الا لغتكم غريبة ولهجتكم اغرب لاقناعهم بالعكس، ثم يأتي من يقول البضرة و مفتراق و الطروق في سهرة تلفزيونية منقولة مباشرة عبر ثلاث قنوات لكل قارات العالم.تواطأت المذيعة والممثلة، واخرون، ليقنعوا الناس بأننا شعب كبّول ـ لقيط ـ لغويا. لكن الانصاف يتطلب مني القول ان المذبحة اللغوية وانفصام الهوية في تلك الليلة لم يكونا بدعة مستحدثة، بل تحصيل حاصل وانعكاس لمستنقع اعلامي ـ ثقافي عميق. اسالت ليلة الفنك الذهبي حبرا كثيرا، خصوصا في صحف تدّعي انها حاملة لواء الدفاع عمّا تبقي من لغة عربية ومن هوية بالجزائر.احدي هذه الصحف، اسمها الشروق ويمكن تصنيفها رائدة المدافعين، افردت اكثر من صفحة في اكثر من يوم لانتقاد التعدي علي اللغة العربية وتهشيمها بالدارجة المحلية والفرنسية في ليلة الفنك .ہہہاطرف ما في الموضوع، ان الجريدة ذاتها (عدد الثلاثاء الماضي) في الصفحة ذاتها (ص 12) المعبأة بالانتقادات والتهجم علي ناس الفنك ، كانت تنشر اعلانا تجاريا بألوان فاقعة علي نصف صفحة بالطول. الاعلان لشركة نجمة الكويتية للهواتف الجوّالة ويتحدث عن عروض بطاقات الشحن بهذه الشكل: بطاقة التعبئة 200 dinars TTC (200 دينار كل الضرائب مشمولة). وفي الاخير، وبالبنط العريض، هذه الجملة الاغرائية: La moins Chڈre في البلاد (الارخص ثمنا في البلاد .تعليقي هو: لا تنه عن خلق وتأتي مثله.. عار عليك اذا فعلت عظيم. وان اية صحيفة صادقة في دفاعها عن العربية ترفض اعلانا بهذه الصيغة البذيئة، لكن سلطان المال يا سلطان المال! بيد ان نجمة لم تبدع شيئا هي الاخري (الدنيا تعلّم واستنساخ)، بل استنسخت طريقة منافستها المصرية، امبراطورية اوراسكوم وفرعها للهواتف الجوالة بالجزائر، جيزي ، الذي كان هو الاخر سباقا لابتداع بذاءة اخري. شعار جيزي الذي تنشره صحافة الجزائر بدون استثناء تقريبا، يا سادة يا كرام، والذي جعلها الاولي في سوق الهاتف الجوّال بالجزائر، هو عش la vie (عش الحياة). اعذروني، لكني لا اجد وصفا يليق بهذا الذي يحدث سوي انه قحـ…ـجة لغوية .وفرع جيزي يدخل بيتك غصبا عن دين جدّك! فهو المعلن الاول بالجزائر، كل الناشرين يركضون وراء كرمه، ورموزه ودعاياته تكتسح الشوارع والبنايات والصحف الحكومية والخاصة بشكل فج، بما في ذلك الشروق المدافعة عن شرف العروبة والاسلام و لغة الضاد . وما من برنامج اذاعي وتلفزيوني الا فرض عليك هذا الاسم ورمزه.ما يجب ان يعرفه الجزائريون المعتوهون لغويا هو ان صحافيين وباحثين ورجال مخابرات وسياسيين في الغرب يجتهدون لتعلم العربية (لاسباب امنية وسياسية واكاديمية فرضتها التوترات العالمية الجديدة) بينما نجتهد نحن لنُري للعالم اننا صم بكم جهلة نتباهي بجهلنا.اخيرا، كنت سأسأل هل يقبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ان تتم هذه الانتهاكات باسمه وتحت رعايته السامية، ذلك ان ليلة الفنك الذهبي كانت تحت رعاية فخامته . كنت سأسأل ثم تذكرت انه هو نفسه لا يقصر في استعمال الفرنسية في كثير من كلامه المتلفز، بما في ذلك المنقول لشعبه. رحم الله اطوار بهجت وقاتل من قتلها. لا اعرفها الا من خلال الجزيرة ثم العربية ، لكن فجأة، عندما نزل خبر موتها الغادر احسست اني اعرفها اكثر من غيرها. لتُقطع اليد التي تمتد لامرأة بريئة عزلاء.كاتب من اسرة القدس العربي [email protected]