عُرس الديمقراطية الفلسطينية حفلة تنكرية تشارك فيها السلطة واسرائيل والعالم

حجم الخط
0

عُرس الديمقراطية الفلسطينية حفلة تنكرية تشارك فيها السلطة واسرائيل والعالم

لتدريس الاحتلال وتمويله بالصدقات بواسطة دولة الكرتون القادمةعُرس الديمقراطية الفلسطينية حفلة تنكرية تشارك فيها السلطة واسرائيل والعالم المشاركة الاسرائيلية والعالمية في احتفالات الديمقراطية الفلسطينية، والتقارير حول مجري الانتخابات والتحليلات الواردة لنتائجها وما سيترتب عليها، هي بلا شك ردود فعل وأصداء مفهومة حول حدث يعتبر تاريخيا : فما الذي يمكنه أن يكون أكثر أهمية وإثارة للآمال من عملية ديمقراطية تُنصّب أخيرا نظاما نظيفا من الفساد ورافضا للعنف ومناديا بالتسوية ـ ولذلك يمكن له أن يكون شريكا ؟.صحيح أن مشاركة حماس تُفسد الاحتفالات قليلا وتثير تساؤلات حول المرحلة التالية التي يضطر فيها الاسرائيليون لمواجهة قضية الاتصالات مع منظمة ارهابية. ولكن بعد اعادة التفكير، قد تخدم هذه النتيجة بالتحديد المصلحة السياسية الاسرائيلية لأن ضم حماس لحكومة السلطة الفلسطينية سيؤكد الاستراتيجية أحادية الجانب التي ترتكز عليها احزاب الوسط الاسرائيلي (كديما والعمل) ودعايتهما الانتخابية: بما أن حماس تنادي بتدمير اسرائيل، فمن حق اسرائيل اذا أن ترسم حدودها الدائمة بنفسها، لأنه ليس لها شريك في ذلك.ترسيم الحدود الدائمة وفقا لاعتبارات تضمن اغلبية يهودية، يلزم الي جانب وضع هذه الحدود وفقا للمصالح الاسرائيلية، بالابقاء علي مناطق مأهولة بالسكان الفلسطينيين علي أمل أن يوافق طرف ما علي ادارتها، وأن تكون فيها شروط مادية وسياسية دنيا لإتاحة السيطرة عليها. لأنه اذا لم يكن الأمر كذلك، فلن تتمكن اسرائيل من التنصل من مسؤوليتها عن مصير مليوني انسان، وبذلك يضيع سعيها للخلاص من شبح الدولة ثنائية القومية.هذا هو الدور الذي تُعده اسرائيل للسلطة الفلسطينية، وهذا هو سبب إبراز الانتخابات وكأنها تجري في دولة سيادية تقوم بانتخاب برلمانها و حكومتها . من المعروف بالفعل أن الفلسطينيين ينتخبون لانفسهم لجنة اجتماعية مجردة من الصلاحيات السلطوية وتُدير منطقة خالية من السيادة، ولكن هذا، كما يُلمحون، ليس إلا مرحلة تمهيدية للحظة التي تكلف فيها اسرائيل خاطرها وتفك ارتباطها بصورة أحادية الجانب عن المناطق التي لا تهتم بها. عندئذ ستتحول السلطة الي حكومة تفرض سيادتها علي المناطق المحررة من الدولة الوطنية الفلسطينية وفقا لتصور الوزيرة تسيبي لفني. ليست هناك حدود للمهزلة: اسرائيل التي رفضت في ايام اوسلو أي استخدام لمصطلحات مثل الحكومة والبرلمان والرئيس ورئيس الوزراء ـ التي تشير الي وجود السيادة ـ تقوم بالتأكيد علي هذه المفاهيم الآن حتي تُكرس الوهم بأن هناك حكومة فلسطينية ستنتظر علي أهبة الاستعداد ـ وإن لم تكن شريكة ـ لالتقاط الفتات الذي تلقيه لها اسرائيل بعد أن ترضي مطامحها الديمغرافية. لم يكن تحول اهود اولمرت وتسيبي لفني فجأة الي أنبياء الدولتين القوميتين الاسرائيلية والفلسطينية صدفة عابرة، بينما يعارض الفلسطينيون الاعلان عن دولة فلسطينية في الظروف القائمة.هناك سبب آخر لاهتمام اسرائيل الصارخ في تكريس الوهم حول الحكومة الفلسطينية ومراهناتها السيادية: اذا لم تكن هذه الدولة قائمة، فان مصادر الدعم الخارجي ستجف، ويكشف النقاب عن حقيقة أن الاحتلال الاسرائيلي المباشر وغير المباشر يحصل علي تمويله كليا من خلال ميزانية الدول المانحة . 150 ألف شخص يُعيلون نصف مليون نسمة يحصلون علي رواتبهم مباشرة من السلطة الفلسطينية، ونفس هذا العدد يعيش من الصدقات الخارجية. لو كانت اسرائيل قد أُرغمته علي الوفاء بالتزاماتها كدولة عظمي احتلالية لكان عليها أن تدفع مليار دولار سنويا فقط من اجل استمرار الخدمات المقدمة للسكان في الضفة الغربية. ولكن اسرائيل كرست سابقة دولية: الاحتلال يُموّل بالكامل من خلال الأسرة الدولية، وهناك مصلحة فلسطينية ـ اسرائيلية ـ دولية مشتركة في منح الشرعية لنظام توزيع التقسيم ـ الخيري هذا بواسطة الانتخابات: المؤسسة الفلسطينية قادرة علي الابقاء علي الجهاز الفاسد الذي يُدير توزيع الصدقات، والاسرائيليون يستطيعون المواظبة علي الاحتلال الذي لا يكلفهم شيئا، والأسرة الدولية تواصل العيش في وهْم: لا مفر أمامنا اذا أردنا الابقاء علي الأمل بالسلام، ذلك لأن انهيار السلطة وتشرذم السكان يُزيل أي فرصة للتغيير.وهكذا، يتواصل احتفال الديمقراطية برقابة مئات المراقبين الدوليين. دورهم محدود لمراقبة الديمقراطية الداخلية الفلسطينية. ولكن، حذارِ من أن يتجرأوا علي مراقبة الحواجز والجدار والبؤر الاستيطانية. مجرد وجودهم هنا يشير الي أنهم لا يفهمون أن ملابسهم الزرقاء ووجودهم ذاته يكرس الحفلة التنكرية التي تجري هنا.ميرون بنفنستيباحث يساري ومستشار سابق لكوليك(هآرتس) 26/1/2006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية