عودة الفساد

حجم الخط
0

رغم حملة الضغوط الامريكية وربما بسببها ايضا قبل الاسبوع الماضي رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض. وهكذا تكون وصلت الى منتهاها مرحلة ‘بناء الدولة’ للاقتصادي غير السياسي من رام الله، وبدأ عهد جديد كفيل بان يذكرنا باسلوب ايام عرفات في المقاطعة. سلام فياض، الذي يحمل لقبا في الاقتصاد من جامعة اوستن، شكل خصما من نوع جديد لاسرائيل: خريج صندوق النقد الدولي الذي تمتع بثقة كبيرة في الغرب، تكنوقراط جلب الى السلطة اساليب ادارية حديثة وقطع الاقتصاد عن منظومة الضغوط السياسية. والى جانب قيادة حملات مقاطعة ضد بضائع اسرائيلية، ادخل فياض الاستقرار الى السلطة، وفر نموا لابناء شعبه، رفع مستوى المعيشة بعد الدمار الذي خلفته الانتفاضة الثانية، وحسن الخدمة للمواطنين بشكل واضح. فياض ليس مذنبا في الانهيار الذي وصل اليه اقتصاد السلطة. ويمكن الافتراض انه بدونه كان يمكن لهذا الانهيار ان يأتي قبل سنوات.
على مدى كل حياته في ديوان رئيس الوزراء عانى فياض من انعدام الكاريزما أو قاعدة التأييد الجدية في الشارع. فالسيماء المنطفئة والمزاج الاوروبي جعلا من الصعب عليه الاتصال بالجماهير. وتحولت نجاحاته الى موضع مزاح. واحدى المزاحات الاكثر انتشارا تروي عن فلسطيني اوشكت زوجته على الولادة، ولكن فياض وصل قبل سيارة الاسعاف. لقد حسم النزاع مع الرئيس محمود عباس مصير رئيس الوزراء، ولكن العنوان كان على الحائط منذ عدة سنوات. احد لم يعجب حين قرر ابو مازن قبول استقالته، رغم الضغط الامريكي الشديد. ابو مازن لم يعجبه ابدا ان يكون الثاني في أهميته بالنسبة للامريكيين. وكلما ارتفع نجم فياض، اصبح رئيس السلطة ذا صلة اقل، مما اغضب ابو مازن ورجاله.
السبب الفوري للنزاع الحالي كان استقالة وزير المالية د. نبيل قسيس، الذي يعتبر مقربا من الرئيس. وكان فياض قبل استقالته بناء على رأيه الخاص، دون أن ينتظر المصادقة من أبو مازن. أما محاولة وزير الخارجية الامريكي جون كيري مساعدة فياض فقد شكلت دليلا آخر على مكانته الخاصة وسياسته المستقلة مما قرب فقط تصفيته. وعلى المستوى الاعمق يبدو أن فياض ببساطة ما كان يمكنه أن يواجه فتح وحده التي وجهت نحو الغضب الجماهيري في ضوء الازمة الاقتصادية. ويعتقد رئيس الوزراء المستقيل بانه كان يستحق الاعتراف بالجميل على أنه لم يسمح للاقتصاد الفلسطيني بالانهيار. وعلى أن الدعم الاقتصادي الدولي بقي قائما وأن المؤسسات الاقتصادية الفلسطينية لم تفلس. وخلافا لايام عرفات والمليارات المختفية، ففي عهد فياض لم يتسرب المال من صندوق السلطة. غير ان كبار رجالات فتح لم يعترفوا بالجميل لقاء ذلك بل العكس. رأوا في أن قدرته على التأثير تضررت فحرضوا ضده امام كل ميكروفون وكاميرة ممكنين.
هذا ومن المتوقع لرحيل فياض ان يعيد القوانين العشائرية القديمة لاقتصاد السلطة. ‘احفظ لي أحفظ لك’، وبالترجمة الغربية ‘حك لي أحك لك’. وفي سنوات فياض القصيرة في رام الله تمكنت فتح من نسيان الغضب الجماهيري على الفساد في السلطة مما أدى في نهاية المطاف الى انتصار حماس في الانتخابات. وبدون الاموال التي ضمنها لهم فياض ودون ثقافة الادارة السليمة التي قادها، من شأن اقتصاد السلطة أن يغرق أكثر فأكثر، مما سيساهم في ضعضعة الاستقرار النسبي الذي تمتع به الفلسطينيون في السنوات الاخيرة. خسارة.

معاريف 17/4/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية