عودة التيارات اليمينية الي الحكم في دول اوروبا الغربية

حجم الخط
0

عودة التيارات اليمينية الي الحكم في دول اوروبا الغربية

د. محمد عجلانيعودة التيارات اليمينية الي الحكم في دول اوروبا الغربية في بداية السبعينات ومنتصف الثمانينات كانت التيارات الاشتراكية تكتسح الساحة السياسية في بلدان دول اوروبا الغربية، مما سبب احراجاً للقيادة الامريكية في ذلك الوقت بسبب تحالف بعض هذه التيارات مع الاحزاب الشيوعية المحلية، وكانت زيارة جورج بوش الأب رئيس المخابرات الامريكية في ذلك الوقت للرئيس ميتران في عام 1981 معربا عن انزعاجه بسبب وجود اربعة وزراء شيوعيين في حكومته، فكان رد ميتران: ارجع بعد عشر سنوات الي فرنسا لن تجد اي شيوعي حتي في رئاسة البلديات الفرنسية، وهذا ما حدث بالطبع للحزب الشيوعي الفرنسي الذي تلقي ضربة موجعة بعد هذا التاريخ وتراجع دوره بشكل كبير.وقد عملت وصرفت المخابرات الامريكية اموالا كثيرة لتدمير الحركات الاشتراكية والشيوعية من الداخل، وتقليص نفوذها وحركتها عــــلي الساحـــة السياسية. واليوم تحصد هذه القوي ثمار ما زرعته، حيث نجد ان معظم الدول الغربية اليوم يحكمها احزاب يمينية حتي ان الصراع اصبح اليوم بين اليمين واليمين المتشدد، حتي اليسار اصبح يقوده اليوم اشخاص منفتحون اكثر بأكثر علي التيارات اليمينية وأرباب العمل ويطالبون بالطريق الثالث كتوني بلير مثلا.وفي بريطانيا مثلا نجد ان مارغريت ثاتشر قضت نهائيا علي اي حلم يساري عندما كسرت ادوات هذا اليسار من نقابات وهيئات وخصخصت بريطانيا من رأسها الي اخمص قدميها، ممهدة الطريق لبلير وجماعته من الطريق الثالث.وفي فرنسا نجد ان الاحتدام الرئاسي في الدورة الثانية عام 2002 جمع بين كل من شيراك وجان لوبان من الحزب اليميني المتشدد، واليوم الوزير سركوزي عن الحزب اليميني الحاكم يسرق افكار اليمين المتشدد، ولم يعد هناك حزب اشتراكي في فرنسا حيث يحتضر هذا الحزب في غرفة الانعاش الطبية بعد ان طردوا زعيمه الاشتراكي التروتسكي ليونيل جوسبان، ويتقاسم فتات هذا الحزب بعض الوجوه وعلي رأسهم المرأة الجميلة لسكرتير الحزب الحالي سيغولين رويال.ولو اتجهنا الي ايطاليا لوجدنا ان بيرلينفر سكرتير الحزب الشيوعي في السبعينات الذي كان يشكل ويسقط الحكومات لم يعد لديه اي وجود، حتي لدرجة ان مقتل الدومورو كان بسبب الحلف التاريخي الموقع بين الرجلين، واصبح اليوم برلسكوني رجل الاعمال الشهير ورئيس وزراء ايطاليا سيدها ومالكها حيث يملك معظم الاقنية الاعلامية في هذا البلد، ولدرجة ان ايطاليا سميت بأمبراطورية برلسكوني المالية.اما في المانيا، فانجيللا ماركيلل القادمة من دولة المانيا الشرقية صعدت وبقوة المراكز القيادية داخل الحزب الديمقراطي المسيحي لدرجة انها اليوم اصبحت الآمرة الناهية داخل الحزب مزيحة خصمها غيرهارد شرودر الاشتراكي الذي لم يكن اشتراكيا بالمعني الحقيقي للكلمة كما سماه بذلك خصمه افرسكار لوفنتاين.أما في اسبانيا فخوض رئيس وزرائها الاشتراكي زماتيرو آخر المعارك دفاعاً عن المعقل الاشتراكي الوحيد امام هجمة رجال الكنيسة واليمين المتشدد وزعماء المناطق المطالبة باستقلالها الذاتي وعلي رأسهم زعيم مقاطعة كاتالونيا.اذن نحن امام تراجع يساري في دول اوروبا المركزية، هذا بدون بالطبع ان ننسي ان دول اوروبا الشرقية سابقا قد اعادت ملوكها الي الحكم والتيارات اليمينية داخل هذه البلدان اصبح لها مواقع ونفوذ لا يستهان به.البعض من المحللين يرجع ظاهرة هذه العودة الي الظروف الاقتصادية والصعبة التي تعيشها هذه المجتمعات اما البعض الآخر فيري فيها ظاهرة خطيرة تبشر بتقوقع المجتمعات الغربية وانغلاقها لتمهيد الطريق امام ظهور تيارات يمينية متشددة ربما تقود اوروبا الي كارثة عالمية اخري.وهناك ظاهرة اخري لا تقل خطورة عن هذه الظاهرة الا وهي في دول مثل هولندا معروفة بتسامحها وانفتاحها علي عادات وتقاليد الآخرين، يقوي بداخلها تيار يميني متشدد معاد للاسلام وقيم الدين الحنيف وضد المهاجرين المسلمين والعرب وكذلك الأمر في الدانمارك وعلي اقل تقدير النمسا ويخشي في النهاية ان تتحول قضية المهاجرين العرب والمسلمين في اوروبا بمثابة الشماعة التي تعلق عليها كل هموم ومشاكل القارة الاوروبية.ہ كاتب من سورية يقيم في باريس8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية