عن حمي الضنك السياسي

حجم الخط
0

عن حمي الضنك السياسي

د. عبد العزيز المقالحعن حمي الضنك السياسي يتحدث البعض بانزعاج شديد عن حمي الضنك، ذلك المرض الذي يفتك بالفقراء في بعض المناطق المتورطة حتي النخاع بالفقر والاهمال. ولا يتحدث احد عن حمي اخري هي الاخطر وتوشك ان تجتاح العالم وتفتك بما تبقي علي الارض من طمأنينة واستقرار، واعني بها حمي الضنك السياسي بكل تداعياتها المحلية والدولية وآثارها الخطيرة علي وجدان الانسان وضميره والفارق كبير جدا بين حمي علاجها متوفر في الصيدليات والمستشفيات، وحمي لا علاج لها علي الاطلاق. وبينما في مقدور الاغنياء واصحاب مبدأ الانتشار السريع ان يساعدوا الفقراء وينقذوا حياتهم من حمي الضنك/المرض، فان صيدليات العالم ومستشفياته وكل ما تمتلكه القوي الكبري من مليارات واسلحة دمار تعجز عن ان تنقذ وطنا صغيرا مصابا بحمي الضنك السياسي لانه مرض في الروح لا في الجسد وفي السلوك والاخلاق لا في الشرايين والاعضاء.تبدأ حالة الضنك السياسي في بلد ما بحالة من الانقسام الوطني، ويتحول الانقسام الي صراع علني ثم الي مواقف استفزازية بين السلطة والمعارضة. وحين لا تكون مصلحة الوطن هي الهدف الحقيقي للطرفين المتنازعين فان الحمي تعمل في الارواح عمل النار في الهشيم، وتكون النتيجة الحتمية تدمير الوطن بأيدي ابنائه المرضي بالضنك السياسي، والسير علي انقاضه. وقد تجد السلطة او المعارضة في ذلك البلد مساندة خارجية تساعد علي تأجيج الصراع ورفع درجة الحمي علي امل ان يفوز اصحاب المساندة الخارجية بما قد يتوهمونه مصلحة مضمونة النتائج، والنماذج علي ذلك كبيرة وفي الواقع العربي علي وجه الخصوص، اذا لم ترق لنا حالات يوغسلافيا ومناطق اخري خارج المنطقة العربية. ولهذا سنتوقف عند نموذجين من اصحاب الضنك السياسي في منطقتنا العربية هما: الصومال والعراق.بدأت حمي الضنك السياسي في الصومال واستمرت تفتك بهذا البلد ـ العضو في الجامعة العربية والامم المتحدة ـ الي ان انتهي الي شظايا وخرج العالم من نهايته الحزينة بتعبير دخل القاموس السياسي بامتياز وهو (الصوملة). ثم طارت الحمي الي العراق وهناك فعلت فعلها بالارض والانسان فقد تطايرت كل الاوراق السياسية ودخل الوعي الانساني في ذلك البلد العظيم في اجازة لا يفيق منها الا بعد خراب الروح والجسد معا. ولا ريب في ان غياب الرؤية الصحيحة في العراق وتدهور الاوضاع هناك علي النحو الدرامي المريع الذي يشهده العالم يضع مليون علامة استفهام علي الضنك الصادر عن العمل السياسي المغلوط ابتداء من الاستنجاد بالاجنبي الي اشعال الغرائز الطائفية والدعوة الي انتخابات مؤقتة ثم الي دستور وانتخابات دائمة تحت حراب الاجنبي واشرافه المباشر ومباركته الدائمة للعبة سياسية اختلط فيها الحابل بالنابل، والمقاوم بالارهابي، والنوايا الحسنة بالنوايا الشريرة. فكانت النتيجة المحققة والحتمية الاصابة بهذا النوع الفاتك من حمي الضنك السياسي التي لا علاج لها ولا امل في الشفاء منها، سيما مع غياب الديمقراطية الحقيقية وآلياتها، وشكلية التعددية الحزبية، والجهل المطبق بمفهوم التداول السلمي للسلطة.ولم يعد خافيا ان الحمي اياها تزحف الان الي مواقع اخري في الوطن العربي. تساعدها قوات الانتشار السريع علي الانتقال من مكان الي آخر وتبذل تلك القوات كل ما بوسعها لتسهيل المرور، واخلاء الطرقات من كل ما يعترض سيرها. والعقلاء ـ ان وجدوا ـ هم وحدهم الضمانة الاكيدة من خطر الوقوع في براثن هذه الحمي الفتاكة.واول ما ينبغي ان ينصح به اولئك العقلاء هو ايقاف حملات التشهير المتبادلة في عدد من الاقطار العربية، ووضع حد لاطلاق الاتهامات جزافا، بدلا من ايراد الحقائق بلغة موضوعية قابلة للاقناع واستبدال المهاترات بالحوار المخلص البناء. واذا حدث ذلك ـ ومن الضروري ان يحدث ـ فان المخاوف التي تلف كل ابناء الوطن العربي علي اختلاف انتماءاتهم وتكتلاتهم ستتلاشي. ويأمن الانسان العربي علي ضميره ووجدانه من ان يقع فريسة هذا النوع القاتل والمدمر من الحمي الغريبة المتناقضة مع كل ما عرفته شعوب العالم ـ قديما وحديثا ـ من خلافات وصراع حول السلطة، وما استوعبته كتب الفكر السياسي من اخلاقيات وفضائل ومن مكائد وميكيافليات.تأملات شعرية:وبعد ان كان أنا،وكنته،نسير فوق الورد والاشواكلا نخاف الزمنا،نرسم في الكتابات وفي الاشعارصورة جميلة تكون اليمنا.اختار دربا شائكا، واخترت دربا شائكافصار لا يراني حين نلتقيوصرت لا اراه.. إن دنا.0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية