عندما يخلع المحتل أقنعته فاضحا جوهر عنصريته

حجم الخط
0

عندما يخلع المحتل أقنعته فاضحا جوهر عنصريته

هيفاء زنكنةعندما يخلع المحتل أقنعته فاضحا جوهر عنصريتهللعنصرية وجوه عديدة. تعريفها المبسط هو التمييز المستند علي العنصر/ العرق، والاعتقاد بان عنصرا ما هو افضل من الآخر. ويمكن التعبير عنه فرديا، بشكل واع، من خلال الافكار والمشاعر والافعال، ومجتمعيا من خلال مؤسسات تروجه. وغالبا ما تمتزج العنصرية، لتتمكن من الهيمنة، بعاملي القوة والتحيز. من وجوه العنصرية في عصرنا، هناك العنصرية الواضحة التي يمارسها من يمتلك القوة والقادر علي الاستحواذ علي السلطة الي حد لايخشي فيه الاتهام بالعنصرية. هناك، ايضا، العنصرية الخفية المتجذرة في المجتمعات الحريصة علي تطبيق القوانين، حيث تغلف العنصرية باسماء ومصطلحات وتعبأ باشكال لاتشي بمضمونها خشية التعرض للعقاب القانوني. هناك العنصرية الفردية وعنصرية المجموعات والاحزاب والفئات. كما ان هناك عنصرية مؤسسات الدول والجيوش.وتحت الصنف الاخير يمكن ضم فعل الاحتلال. فالاحتلال وبغض النظر عن اسبابه السياسية والاقتصادية والعسكرية الواضحة، أو ربما لهذه الاسباب مجتمعة، هو في جوهره تكريس لعنصرية دولة او قوم علي قوم آخر، لغرض الاستغلال والهيمنة. وافضل مثال علي ذلك هو الاحتلال الصهيوني للاراضي الفلسطينية المستند الي نظرية التفوق العنصري. وقد باتت عنصرية الاحتلال حقيقة ثابتة، معترفا بها، دوليا علي الرغم من كل اشكال التضليل التي حاول فيها الاستعمار الصهيوني العالمي تزيين او تبرير احتلاله بها. وقد لاحظنا، علي مدي عقود الاحتلال، تعدد اساليب التبرير وتطبيقاتها من اجل ديمومة الاحتلال المستند الي صورة التفوق العرقي. من بين الاساليب اليومية، المتكررة اعلاميا، تكريس صورة الفلسطيني الكسول، المتخلف الذي لم يحسن استغلال ثرواته الطبيعية بل بقي كما كان منذ مئات السنين الي ان جاء الاسرائيليون فبنوا وطوروا واسسوا دولة حضارية. من هنا يقودنا المنطق العنصري الي انه من البديهي والطبيعي ان يسيطر الصهيوني المتفوق علي الاراضي الفلسطينية لانه الاحق بها والاكثر تأهيلا لرعايتها وتطويرها. وينتفي حق الفلسطيني في الارض لانه غير قادر علي حمايتها واستثمارها وتطويرها كما يفعل الصهيوني. فنصل الي محصلة مفادها ان من حق الصهيوني الاستيلاء علي اراضي الفلسطيني لانه الافضل ولانه المتفوق عنصريا. ويصل منطق الاحتلال ذروته العنصرية تبريرا عندما يبدأ بتحويل الاحتلال العسكري والاقتصادي المهين الي فعل انساني مفاده تحرير الشعوب المحتلة ومساعدتها علي تطوير نفسها وبناء او تعلم القيم الديمقراطية. والامثلة كثيرة في هذا المجال بدءا من الاحتلال البريطاني للهند، والفرنسي لجنوب شرق آسيا وشمال افريقيا، والامريكي لفيتنام. ولايخلو تاريخنا المعاصر من لحظات عارية يطلق فيها العنصري العنان لمشاعره وافكاره بلا رقيب، كما فعل وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر، في سبعينيات القرن الماضي، عندما صرح قائلا بان النفط ثروة مهمة ويجب الا تترك بايدي العرب. أي انه اثمن من ان يترك بيد من لايعرف قيمته الحقيقية وكيفية استغلاله بالشكل الصحيح. هنا يتشابه مفهوم الاحتلال الصهيوني للاراضي الفلسطينية مع سياسة امريكا العنصرية وتسويغها الاستيلاء علي ثروات الشعوب، باعذار تصبها في النهاية بما يتلائم ومصالحها المباشرة. امريكا، اذن، ووفق هذه المفهوم العنصري هي الاجدر بالاستيلاء علي النفط، لانها وان كان النفط ليس ملكا لها، الاقدر علي السيطرة عليه واستثماره وتوزيعه. هكذا، كما يبلغنا المفهوم العنصري، تعم الفائدة العالم كله. ومن مفارقات التاريخ المريرة ان يطلق الجنرال مود، عسكري الامبراطورية البريطانية، عند احتلال العراق في بداية القرن الماضي، كذبة جئناكم محررين وليس محتلين ، ليكررها، كما هي وبلا تغيير، قادة الاحتلال الانجلو ـ امريكي في عام 2003، وبمساعدة عدد من الساسة العراقيين. ما اراده مود، هو ذاته ما اراده جنرالات الاحتلال ومن رافقهم من عراقيين. وهو ان يضفي علي الاحتلال والاستعمار منظورا اخلاقيا، يمكنه من ادعاء انقاذ اهل البلاد من الظلم. ليتمتعوا، مثل اهل الامبراطورية، بالاستقلال والحرية والتطور، وبالتالي ان تعم الفائدة العالم كله. هكذا نشهد في تصريح الجنرال مود تغليفا لعنصرية الاستعمار بالمسؤولية الاخلاقية للمستعمر، وهي المسؤولية التي اطلق عليها الشاعر الانجليزي كبلنج، صاحب لقب شاعر الامبراطورية البريطانية، في واحدة من أشهر قصائده، تعبير عبء الرجل الابيض . وهي مسؤولية اختلقها المستعمر الابيض لتبرير سياسته الاستعمارية واستغلاله خيرات الشعوب المستعمرة وثرواتها الطبيعية، فضلا عن تغطية كل ذلك بالغطاء الاخلاقي، والتبرير بانها مسؤوليته من اجل مساعدة الشعوب المتخلفة وتعليمها القيم الحضارية والاخلاقية التي لاتعرفها. وها هم أهلنا، في العراق المحتل، يشهدون يوميا كيف يخلع الانكلو ـ امريكي الابيض اقنعته الواحد بعد الآخر فاضحا جوهرعنصريته. بداية، قال المحتل ومن معه من مستخدمين عراقيون، جئناكم محررين وليس محتلين. سنخلصكم من الطغيان والسجون والتعذيب. سنوفر لكم الامان والاستقرار والرفاه. سنساعدكم علي تذوق الديمقراطية ونعلمكم حقوق الانسان التي لاتعرفونها. هذه هي مسؤوليتنا الاخلاقية. فكيف تم تطبيق ذلك عمليا؟ ارادوا، اولا تغيير اسم العراقي. اطلقوا عليه اسم اللص علي بابا، استهانة واحتقارا. حملوه تبعة سياستهم التخريبية وتهديمهم لبلاده. نهبوا وحطموا آثاره وفنونه وتاريخه. اعتقلوه وعذبوه وصوروا بلذة اباحية عريه وتعذيبه. باعوا الصور واشرطة الفيديو وعرضوها علي مواقع الانترنت اهانة واستصغارا، حتي بات اسم ابو غريب رمزا لكل احتلال. وعندما وقف مدافعا عن كرامته، مقاوما عنصرية الاحتلال ومستخدميه، اطلقوا عليه اسم الارهابي. وعندما يرفض الجندي العراقي قتال اهله عند محاصرة جنود الاحتلال للمدن ومهاجمتها، يصفه قادة الاحتلال بانه ارهابي متسلل في صفوف القوات الوطنية! وعندما يرفض رجال الشرطة مهاجمة ابناء جلدتهم يصفونهم بانهم كسالي، متقاعسون، من المستحيل تدريبهم.ولاتقتصر عنصرية سلوك المحتل علي ابناء الشعب المقاومين لوجوده فحسب بل تمتد لتشمل، أيضا، وباحتقار واضح المتعاونين معه في مسيرة الاحتلال. فكم من مسؤول عراقي أهانته قوات الاحتلال ضربا واعتقالا وتفتيشا واستصغارا، ومداهمة للبيوت والمكاتب فضلا عن اصدار الاوامر وتغيير القرارات بلا استشارة، والتهديد والوعيد والحرمان حتي من صغائر الامور كمخصصات السكن والراتب الشهري احيانا. ولكي يحافظ المحتل علي آخر اقنعته الساترة لعنصريته صار يفضح المتعاونين معه لانهم عراقيون. فقوات الاحتلال هي التي ركبت صهوة القيم الاخلاقية عندما بدأت بفضح التعذيب في سجون وزارة الداخلية التابعة لوزير الداخلية المؤقت بيان جبر صولاغ. وهي التي باتت تصدر التصريحات المنددة بقسوة المغاوير ورجال الشرطة متناسية بانها هي التي دربتهم وجهزتهم بالعتاد ووفرت لهم الرعاية. فها هو العقيد جيفري، الذي اشرف علي تدريب قوات عراقية، يصرح لموقع ستارس ستربس الاخباري، انه اوقف تجاوزات مغاوير الشرطة العراقية في عملية تحرير مدينة تلعفر السنة الماضية. وان علي القوات الامريكية ان لا تتردد في وقف انتهاكات الشرطة العراقية الخاصة، خصوصا عمليات التعذيب. وباخلاقية المستعمر الابيض، المعروفة تاريخيا، تظاهر العقيد بانه سيفعل كل ما في امكانه للحفاظ علي ارواح الناس، مدافعا عنهم ضد عدوانية مغاوير الشرطة العراقية التي يجب الا تصل حدودها القصوي، حسب تعبيره. ووصف العقيد وجود القوات الامريكية بانه ضروري للحد من قسوة المغاوير العراقيين واساءتهم السلوك ضد المواطنين والتمادي في القسوة عليهم الي حد الموت. ولتبرير استشراء الفساد الاقتصادي في ظل الاحتلال ولتبرئة الذمة الامريكية من نهب المليارات تباكي وزير الخارجية رامسفيلد، امام لجنة الكونغرس، يوم 8 شباط/ فبراير، قائلا: ان جذور الفساد عميقة في العراق! وساهمت النائبة العمالية آن كلويد، وهي مندوبة رئيس الوزراء البريطاني لحقوق الانسان في العراق، في مسرحية تأسيس حقوق الانسان ورمت مسؤولية فشلها في تحقيق الاصلاحات علي العراقيين جميعا، حيث ذكرت في مقابلة تلفزيونية اثر فضيحة التعذيب في سجون وزارة الداخلية: لقد حاولنا تدريبهم علي حقوق الانسان. اقمنا لهم الدورات. حاولنا مساعدتهم. لقد بذلنا اقصي جهدنا لمساعدتهم. ما لم تذكره السيدة المدافعة عن حقوق الانسان انها نادرا ما تدين الانتهاكات اليومية الجارية في العراق وانها ما كانت ستستهجن التعذيب هذه المرة لولا تحوله الي فضيحة سياسية اثارتها القوات الامريكية. وبلغت عنصرية الحكومة البريطانية واحتقارها للشعب العراقي مداه عندما صرح وزير الدفاع جون ريد صباح يوم الاربعاء الماضي قائلا باننا سننسحب من العراق تدريجيا، واننا لانريد ان نطبق الديمقراطية البريطانية في العراق، بل علي العراقيين ان يطبقوا ديمقراطيتهم الخاصة. الصورة، اذن، كالآتي. ها هو المحتل الغازي يخطط للخروج، وبعد تثبيت المسار الديمقراطي حسب ادعائه، لان من حق العراقيين اختيار نوعية الديمقراطية التي تلائمهم وهي لاتشبه الديمقراطية البريطانية! وسيتم هذا بعد خراب البلاد، وزرع الفتنة الطائفية، وتكريس المحاصصات بانواعها، وقتل مايزيد علي المئتي الف شخص، ونهب الثروات، وفتح الحدود امام الارهاب، وتفكيك الدولة ومؤسساتها، وحل الجيش العراقي، واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا بانواعها، واخضاع ابناء الشعب للقصف والمداهمات والاعتقال والتعذيب. وبدلا من الاعتراف بالجرائم المشينة التي ارتكبها الاحتلال بحق الشعب العراقي، يخبرنا وزير الدفاع البريطاني، بنزاهة الشيوعي السابق الحامل رغما عنه عبء الرجل الابيض، بان الديمقراطية البريطانية لا تصلح للعراقيين، فاضحا اللون العميق للعنصرية، الدال علي ان التمييز البغيض بين الشعوب موجود حتي في مجال الديمقراطية، خلافا لكل القوانين والمواثيق الدولية والتعريفات التاريخية والفلسفية. 9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية