عصي الدمع : تحطيم المؤسسة الزوجية لكسر هيمنة الرجل!
دلع الرحبي كاتبة النص كانت نجمة العمل الحقيقية عصي الدمع : تحطيم المؤسسة الزوجية لكسر هيمنة الرجل!دمشق ـ القدس العربي ـ من أنور بدر ينتمي حاتم علي إلي جيل المخرجين الشباب في الدراما السورية، بل هو أحد ممثلي هذا الجيل، الذي تألق بسرعة عبر ثنائية درامية بكل عام، إحداها تاريخي (الزير سالم، صقر قريش، التغريبة الفلسطينية، ملوك الطوائف)، والثانية معاصرة (الفصول الأربعة بجزأيه، أحلام كبيرة، عصي الدمع)، وهو يدرك أن المشاهد السوري يميل أكثر إلي الدراما الاجتماعية المعاصرة، لكنه يدرك أيضاً أن نجوميته علي الفضائيات العربية ترتبط بنوع من الدراما التاريخية، أشتغل عليها بشكل جميل، حتي أن نتاجات الدراما المصرية أصبحت تقاس إلي نتاجاته كما حدث في ملوك الطوائف. إلا أننا في مسلسل عصي الدمع الذي عرض علي التلفزيون السوري والعديد من الفضائيات العربية الأخري، فقد شاهدنا لأول مرة في الدراما السورية سيطرة للنص والسيناريو، ففي مصر تنسب الكثير من الأعمال الهامة لأسامة أنور عكاشة مثلاً، أكثر مما تنسب لمخرجيها أو ممثليها، فعكاشة هو نجم العمل الحقيقي في الكثير من المسلسلات المصرية، وفي عصي الدمع كانت دلع الرحبي نجمة حقيقية لهذا العمل إلي جانب حاتم علي مخرجاً، وقد سبق لهذا الثنائي أن تألق في عمل كوميدي معاصر من جزأين باسم الفصول الأربعة . لكننا الآن نسمع من يتحدث عن دكتاتورية النص بالمعني السلبي للعبارة، وأنا لن أذهب في هذا الاتجاه، لكنني أقول أن اهتمام دلع الرحبي بقضايا المرأة المعاصرة جعلها تبتعد عن المنطقة الحيادية في الكتابة، جعلها تكتب بحميمية وانتماء إلي موضوعها وإلي أبطالها، حتي أنها في بعض المشاهد تركت هؤلاء الأبطال ينظّرون باسمها لما يعانون في واقعهم.ورغم أن هذا المسلسل لم يظهر في استبيانات الصحافة السورية حول أهم الأعمال التي عرضت في دورة رمضان الأخيرة، لارتباط خيارات المشاهـــدين بفترة العرض أو المتابعة من جهة، وللمجزرة الإعلانية التـــــي رافقت هــــذا العمل وأساءت له من حيـــــث لا تريد، حتي أن مخرجه رفض المشاركة في نــــدوة تلفزيونية حول هذا العمل احتجاجاً علي التلفـــزيون السوري الذي استسلم لدكتاتورية المعلن علي حساب العمل وعلي حساب المتلقي بآن معاً. رغم ذلك نكتشف أن مسلسل عصي الدمع كُرّم مرتين بعد انتهاء الدورة الرمضانية، التكريم الأول كان من قبل لجنة دعم قضايا المرأة السورية في مطعم بيت الياسمين بدمشق القديمة، حيث حضر المخرج حاتم علي وكاتبة العمل دلع الرحبي وعدد كبير من نجوم العمل ونجوم الدراما السورية وبعض الصحافيين إضافة إلي السيدات أعضاء اللجنة. بينما التكريم الآخر كان من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدمشق، وصندوق الأمم المتحدة للسكان بالتزامن مع انتهاء نشاطات مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول تدعيم وتعزيز قضايا النوع الاجتماعي الممول من قبل الحكومة الهولندية. وقد حضر هذا التكريم إضافة لأسرة العمل، والشركة المنتجة سورية الدولية السيد وزير الإعلام وحشد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والإعلامية. اعترف هذا التكريم ـ وإن جاء متأخراً ـ بأهمية هذا العمل، بمستوي القضايا المعالجة فيه، والتي ركزت علي قضايا المرأة المعاصرة، من خلال مجموعة من النماذج النسائية المهزومة أو المقهورة في واقعها، والتي لم تستطع أن تكسب حريتها إلا في نموذج واحد حين لجأ إلي تحطيم المؤسسة الأسرية، وأعطي للطرفين حرية العيش المنفصل كل في بيته أو منزله. فالمرأة قبل أن تولد تكون خاضعة لمشيئة الذكر الأب، الذي أراد أن يحافظ علي لقبه أبو رياض فسمي ابنته سلاف فواخرجي عند ولادتها رياض العمري وهو أسم ذكوري، دفع بهذه الطفلة ثم المراهقة فيما بعد إلي البحث عن أنوثتها المغيبة في هذا الاسم، حتي تلتقي بحبها الأول وسميّـــها رياض المرادي جمال سليمان، فنكتشف أنه ذو تجربة سابقة بالزواج، وتجربة أعمق في الحياة، يبدأ معها رحلة الإدهاش والسيطرة وهو ينظّر لها ويحدثها عن معارفه الثرة في المأكل والمشرب وفي الموسيقي الكلاسيكية الغربية، مقابل ثقافة كلاسيكية شرقية تشربتها رياض العمري من جدتها آنة زهرية مني واصف التي تعزف العود وتحب أم كلثوم، وتتحدث عنها بمناسبة وبغير مناسبة أيضاً. نموذجان من الثقافة لا يتفاعلان، بل يسيران في خط صراعي، يحاول من خلاله رياض المرادي تكريس هيمنة ذكورية في تجربة زواجه الثاني، بينما نكتشف أن زوجته الأولي شهد نجوي علوان الرسامة والتي كانت تتألق بمعارضها الفنية وشخصيتها الجميلة، فقدت توازنها إثر الطلاق، وفشلت كفنانة وكأم. باقي النماذج النسائية كلها محبطة، العوانس معزز/لينا باتع، ومكرم، أمانة والي العانس التي تتحول إلي حطبة يابسة إن لم تتزوج، أو أنها سترضي بأي رجل يستغلها مقابل الزواج. رغم تأكيد دلع الرحبي أنها لم تتقصد تقديم مرافعة نسائية ضد الرجل، إلا أن كل النماذج الذكورية كانت بائسة، زوج رزة/ شكران مرتجي الرجعي، وزوج سلمي/ صباح جزائري الذي تزوج عليها ثانية وهي الطبيبة. وزوج القاضية خلود/ يارا صبري المرتشي، وصولاً إلي رياض المرادي المدعي و الكاذب. لم تترك لنا الكاتبة خياراً إلا تحطيم المؤسسة الزوجية، مؤسسة الأسرة، مع أن هذا التحطيم قد لا يقدم حلاً في حالة الطلاق، ونري معاناة الطبيبة التي تفكر بالانفصال عن زوجها، وإحساس القاضية بالضعف أمام أي شخص يتحرش بها في المصعد، وتبقي النهايات مفتوحة لأسئلة يجب أن تتفاعل في الواقع أكثر مما نبحث عن حلول لها عبر الشاشة أو في الدراما التي نجحت في رصد الواقع، فالعمل يتابع أحوال الأسرة السورية في زمن يعصف بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. 2