صندوق الإستثمار الفلسطيني: اقتراحات قبل ان نخسر كل شيء
جودت الخضريصندوق الإستثمار الفلسطيني: اقتراحات قبل ان نخسر كل شيء شاء حظي أن أنضم الي عضوية مجلس ادارة صندوق الإستثمار في ايلول (سبتمبر) 2003م بدلاً عن السيد عزام الشوا الذي أصبح وزيراً للطاقة في حكومة السيد محمود عباس الأولي، وكانت تلك الفترة حافلة بالآمال في الإصلاح، وهذا أحد الأسباب الذي دفعني للقبول بعضوية مجلس ادارة صندوق الإستثمار.إن صندوق الإستثمار تشكل بقرار من السيد ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية بتاريخ 14/8/2002م، ويرأس مجلس الإدارة وزير المالية السيد د. سلام فياض وعضوية وزير الإقتصاد السيد ماهر المصري ومستشار الرئيس للشؤون الإقتصادية السيد محمد رشيد، بالإضافة الي أربعة أعضاء من القطاع الخاص الفلسطيني وهم (صبيح المصري، سامر خوري، طلال ناصر الدين، عزام الشوا)، وكان الهدف من انشاء صندوق الإستثمار هو تجميع كل استثمارات السلطة الفلسطينية وكل شركاتها في وعاء واحد وهو صندوق الإستثمار، وذلك لضمان أكبر قدر من الشفافية والمحاسبة، وهذا كان طلب رئيسي للدول المانحة نظراً لكثرة الأقاويل في ذلك الوقت عن الشركات الإحتكارية التي تملكها السلطة الفلسطينية مثل شركات الأسمنت والبترول وخلافه، وكانت ادارة الصندوق في ذلك الوقت تقوم بعمل رائع وذلك بتجميع كل استثمارات السلطة وحصرها وتقييمها وإضافتها الي أصول صندوق الإستثمار الفلسطيني بمساعدة وإشراف شركات عالمية متخصصة في هذا المجال مثل: ستاندرد آند بورز.بعد فترة زمنية من تعييني عضو مجلس الإدارة أحسست أن طريقة العمل داخل المجلس غير مرضية، حيث أن المطلوب هو توقيع أعضاء مجلس ادارة صندوق الإستثمار علي صفقات بيع لأصول الصندوق بدون توافر الحد الأدني من التفسير والتوضيح عن السبب الذي أدي الي طلب البيع وعن السبب الذي أدي الي اختيار هذا المشتري بعينه.ومثال علي ذلك: صفقة بيع حصة صندوق الإستثمار في شركة جوال، حيث أنني دعيت لحضور اجتماع مجلس الإدارة في مكتب السيد رئيس مجلس ادارة صندوق الإستثمار (وزير المالية) بتاريخ 4/12/2004، ولم أستلم أي أجندة لهذا الإجتماع أو المواضيع التي ستتم مناقشتها بل جلست لأري الموافقة علي بيع الحصة الخاصة بشركة جوال، وقام السيد رئيس المجلس وجميع الأعضاء بالتوقيع علي عقد البيع بقيمة (42) مليون دولار أمريكي وهي تمثل ثلث شركة جوال، وللحقيقة فإنني أذكر للسيد صبيح المصري قيامه بمغادرة الإجتماع قبل التوقيع وأخبرنا أنه سيترك الجلسة حتي البت النهائي في هذه الصفقة منعاً لأي تعارض في المصالح بصفته نائب رئيس مجلس ادارة الصندوق.في ايار (مايو) 2004م التقيت بالسيد سامر خوري وبدأت الحديث له عن قلقي من وضع مجلس الإدارة والطريقة التي تدار فيها شؤون الصندوق، فوجدته يحمل نفس الهموم وعنده نفس الإحساس بالقلق علي صندوق الإستثمار، فقررنا مجتمعين ارسال رسالة الي السيد رئيس مجلس ادارة الصندوق وأعضاء مجلس ادارة صندوق الإستثمار تعبر عن عدم رضائنا عن الطريقة التي يدار بها الصندوق، وعن اقتراحاتنا بالتعديل وتم ارسال الخطاب الي مجلس ادارة الصندوق موقعا من السيد سامر ومن جودت الخضري بتاريخ 26/6/2004م، وأهم ما يحتويه هو:1 ـ عملية بيع الإستثمارات:وضع نظام محدد وواضح لعملية بيع الشركات التي يقرها مجلس الإدارة، هذا النظام يربط بين قيمة الشركات التي سوف يتم بيعها حسب التقييم وبين قيمة البيع ونسبة التغيير المسموح بها، فعلي سبيل المثال:لمن ستكون أفضلية بيع هذه الشركات؟ وهل سيتم التفاوض مع مشتر واحد أو أكثر؟ … الخونقترح تشكيل لجنة تكون مسؤولة عن بيع الأصول التي يقرها مجلس الإدارة.2 ـ اعتماد المشاريع التي ينوي الصندوق الإستثمار بها:نقترح أن يكون اعتماد هذه المشاريع من خلال لقاءات دورية للجنة الإستثمار تتم فيها مناقشة المشاريع بشكل موسع، وسماع رأي جميع الأطراف وإتخاذ القرار المناسب وتنفيذه، وهذا أيضاً يمنع الإحراج لجميع الأطراف حيث أن التوقيع بالقبول أو الرفض هو من وجهة نظرنا قرار متسرع ويمكن أن يكون قراراً غير موفق، ونقترح أن تكون اجتماعات لجنة الإستثمار بصفة دورية وغير مرتبطة بإجتماع مجلس الإدارة.3 ـ الإستثمار في فلسطين:* الإلتزام بإستراتيجية الإستثمار التي أقرها مجلس الإدارة، وهي أن تكون 50% من استثماراته داخل فلسطين علي الأقل، الا أنه للأسف خلال الفترة الماضية لم يتم اعتماد أي مشروع للإستثمار في فلسطين، بالرغم من الحالة الإقتصادية المتردية للإقتصاد الفلسطيني وإحتياجه الي أي مشروع لخلق فرص عمل.4 ـ العلاقة بين مجلس الإدارة والأعضاء والإدارة واللجان المنبثقة:* نرجو أن يتم تحديد العلاقة بين مجلس الإدارة وبين اللجان المنبثقة وبين ادارة الصندوق، وآلية العمل بينهم وتحديداً العلاقة بين لجنة الإستثمار ومجلس الإدارة، وطريقة نقل المعلومات بين أعضاء مجلس الإدارة.* لجنة التدقيق والتي يترأسها السيد رئيس مجلس الإدارة وهي من أهم اللجان في المجلس لم تجتمع ولو لمرة واحدة بالرغم من اصدار التقرير السنوي الأول.* كذلك نرجو من السيد رئيس مجلس ادارة الصندوق أن يقوم بإبداء رأيه في المواضيع التي يتم النقاش فيها، حيث أنه لغـــاية الآن لم نستلم أي رأي للسيد رئيس مجلس الإدارة في أي موضوع.واللافت في الأمر أن السيد رئيس مجلس ادارة صندوق الإستثمار لم يرد علي هذا الخطاب بأي تعليق، ولم يقم بإرسال أي خطاب أو أي رأي لأعضاء مجلس الإدارة طيلة فترة مكوثي في المجلس، ومن الواضح أنه بدأ يظهر نوع من عدم الإرتياح داخل مجلس الإدارة، وقام السيد مدير عام الصندوق في أغسطس 2004م بتقديم استقالته الي السيد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية علي أن تكون سارية المفعول من 31/12/2004 وتم الإعلان عن الإستقالة مما زاد الأمر تعقيداً في مجلس الإدارة.وأدي مرض السيد الرئيس ووفاته بتاريخ 9/11/2004 الي حالة من القلق والخوف من المجهول نظراً للتاريخ الطويل الذي عشناه مع السيد الرئيس ياسر عرفات.وبتاريخ 22/11/2004م استلمت رسالة من السيد مدير عام الصندوق يطالب فيها بالموافقة علي بيع حصة صندوق الإستثمار الفلسطيني في شركة أوراسكوم الجزائر وتونس بقيمة (315) مليون دولار أمريكي ذاكراً أن السيد رئيس مجلس الإدارة يقوم بالتفاوض للحصول علي عرض أفضل من العرض السابق، وقمت فوراً برفض عرض البيع للأسباب الآتية:1 ـ أنه لا يوجد أي تقييم فعلي ومحايد عن قيمة تلك الأصول المعروضة للبيع.2 ـ أنه لا يوجد سوي عرض واحد للشراء والمفروض بصفقة بهذا الحجم أن تحصل علي ثلاثة عروض حتي يمكننا المقارنة للأفضل.3 ـ لماذا يراد البيع الآن ولم يمض علي وفاة الرئيس عشرة أيام؟4 ـ كيف يمكنني الفهم أن صفقة بهذا الحجم يراد الموافقة عليها بالتمرير؟5 ـ أين سيتم استثمار هذه الأموال في فلسطين أم في العراق أم في أي بلدان أخري.6 ـ من سيدير هذه الأموال، حيث أن السيد المدير العام استقالته ستصبح في حيز التنفيذ بعد أسابيع قليلة.إنني لا أريد أن أسترسل في تفاصيل هذه القصة التي انتهت ببيعها بقيمة 385 مليون دولار بالرغم من أن السيد الرئيس أصدر أوامره الي مجلس الإدارة بعدم البيع أو التصرف بهذه الأسهم دون الرجوع اليه مع العلم أن هناك تقارير من أطراف محايدة في ذلك الوقت تقيم قيمة الصفقة بما يقارب ((600 مليون دولار، والجميع يعلم عن القيمة الفعلية لهذه الصفقة الآن وهذه الصفقة كانت الأسباب التي أدت الي تقديم الإستقالة من مجلس الإدارة للسيد سامر خوري ولي.إن الخلاف الذي نشب بخصوص هذه الصفقة عن حجم الربح المتاح بالرغم من أن نسبة الربح قد بلغت 100% في هذه الصفقة، ولكن ما الذي يمنع أن تكون 400% أو 500%، ولدينا خير دليل علي ذلك أن صندوق الإستثمار الفلسطيني اشتري 20 مليون سهم في شركة أوراسكوم القابضة بمبلغ دولار واحد للسهم، والآن القيمة الإسمية للسهم في حدود 60 دولارا أمريكيا للسهم الواحد، مع العلم أن صندوق الإستثمار قد باع حوالي 50% من قيمة تلك الأسهم بأسعار متفاوتة، وهذا الموضوع يجعلنا نفكر في أي حظ كان يمكن أن يلقاه صندوق الإستثمار الفلسطيني لو أنه اشتري بمبلغ 35 مليون دولار قيمة القرض الذي قدمه صندوق الإستثمار الي شركة أوراسكوم القابضة أسهماً بحيث أنه لا يوجد أي سبب لقيام صندوق الإستثمار بإقراض مؤسسات اقتصادية عملاقة مثلا اوراسكوم، حيث أن مكانتها العالمية تؤهلها للحصول علي قروض بمئات ملايين الدولارات بدون الحاجة الي الإقتراض من صندوق الإستثمار الفلسطيني.وكان أجدر أن يتم شراء أسهم بها أو استثمارها في أي موضوع آخر بدلاً من بيع حصة شركة جوال بحجة انعدام السيولة في صندوق الإستثمار، لكن أن يتم تحويل صندوق الإستثمار الي مؤسسة اقراض، فهذا لا يمكنني فهمه.وكذلك غياب استراتيجية واضحة للإستثمار أحد المواضيع المهمة التي أدت الي استقالتي وبالطبع لكم أن تتخيلوا أن صندوق الإستثمار الفلسطيني قام بالإستثمار في العراق بمبلغ يصل الي 40 مليون دولار أمريكي، وعندما قرر مجلس الإدارة بإعادة جزء من استثماراته الي فلسطين أعاد بالضبط أخطاء العشر سنين السابقة، وهو انشاء شركات احتكارية مملوكة بنسبة 100% للقطاع العام وأعني بذلك شركة التطوير الإقتصادي التي أوكل اليها مهمة ادارة الدفيئات الزراعية التي تركها المستوطنون خلفهم في حالة مقبولة مقابل دفع 14 مليون دولار كتعويض لهم قام السيد ولفنسون بجهود شخصية لتمويل هذا المبلغ من مؤسسات خاصة.ونفاجأ أن التاريخ يعيد نفسه، فلم تتعلم السلطة من الأخطاء التي مرت بها في انشاء مزرعة الأنثرويوم في أريحا التي تكلفت ملايين الدولارات، وكانت كل أسباب النجاح متوافرة لها من حيث احتياجات السوق والسعر وإمكانية التصدير الا أنها فشلت فشلاً ذريعاً وتم تصفية المزرعة وبيع كل أصولها.إن اصرار رئيس مجلس ادارة صندوق الإستثمار الفلسطيني علي عدم وجود قطاع خاص محلي مؤهل لإدارة هذه الدفيئات هو مردود عليه وليس له أي أساس من الصحة، بدليل وجود 14000 دفيئة زراعية في قطاع غزة تدار من القطاع الخاص بأحسن وسيلة.إن ايماني بأن صندوق الإستثمار الفلسطيني يمكن أن يكون أداة مهمة في تطوير الإقتصاد الفلسطيني ايمان راسخ لا يتزعزع، ولكن سماعنا للأقاويل أن ما تم سحبه خلال عام 2005م يقارب ((500 مليون دولار أمريكي هذا العام من صندوق الإستثمار لتغطية العجز في وزارة المالية سواء مبالغ سائلة أو كضمانات شيء يدعو للقلق، وهذا يعني في خلال عام أو عامين اذا استمر الحال كما هو عليه فسيصبح صندوق الإستثمار عبارة عن بعض الأصول التي لا تحقق أي ربحية، ونفقد أملاً آخر في الإستثمار في فلسطين. وقد يسأل سائل عن سبب توقيت هذا المقال، فإنني قطعت العهد علي نفسي ألا أكتب عن صندوق الإستثمار الا بعد تشكيل مجلس ادارة جديد، وحيث أنه تم تعيين مجلس ادارة ومدير عام جديد من اخوة أفاضل مشهود لهم بالكفاءة، وأن كل ممثلي القطاع الخاص الموجودين في صندوق الإستثمار هم أصحاب خبرة وحققوا نجاحات يفتخر بها كل فلسطيني، فإنني أري أنه لا حرج من الكتابة الآن في هذا الموضوع، هذا بالإضافة الي أننا علي أعتاب مرحلة سياسية جديدة وذلك من خلال الإنتخابات البرلمانية القادمة التي نأمل أن تفرز مجلسا تشريعيا جديدا يكون قادراً علي متابعة أمور صندوق الإستثمار بطريقة أكثر مهنية وأكثر تخصصاً.إنني أتمني علي مجلس الإدارة الموقر أن يدرس هذه الإقتراحات وهي:1 ـ الفصل الكامل بين وزارة المالية وبين صندوق الإستثمار، بحــيث لا يتم استعمال حسابات صندوق الإستثمار لصالح وزارة المالية مهما كانت الأسباب.2 ـ تحديد استراتيجية واضحة لصندوق الإستثمار، وهل سيبقي علي مبدأ تقسيم الإستثمارات بين داخل فلسطين وخارجها بنسبة 50% لكل منهما، وإذا كان ذلك صحيحاً لماذا تم اغلاق مكاتب صندوق الإستثمار في الخارج؟3 ـ ان النجاح الذي حققه صندوق الإستثمار في السنوات الأخيرة هو نجاح مبهر حيث أنه حقق ربحا يزيد عن مليار دولار من خلال شراكته بشركة أوراسكوم القابضة، ويعود الفضل في هذا للسيد محمد رشيد المدير العام السابق لصندوق الإستثمار الذي استطاع أن يقنع السيد الرئيس الراحل ياسر عرفات بأهمية وجدوي ذلك الإستثمار وهذا يشكل تحدياً كبيراً لمجلس الإدارة الحالي، حيث أن الجمهور الفلسطيني يتطلع الي نجاحات تكافئ هذا النجاح.4 ـ الإستعانة بالخبرات المتميزة الموجودة في مجلس الإدارة الممثلة للقطاع الخاص الفلسطيني وهي أغلبية في مجلس الإدارة، وعدم التفرد بالقرار وتهميش هذه الأغلبية.ہ عضو سابق في مجلس ادارة صندوق الاستثمار الفلسطيني8