صفقة الموانئ الامريكية وفوبيا الامن القومي
علي حسين باكيرصفقة الموانئ الامريكية وفوبيا الامن القومي قامت شركة دبي القابضة شركة موانئ دبي العالمية مؤخرا وهي ملك لدول الامارات العربية المتّحدة وتعتبر ثالث اكبر مشغّل للموانئ في العالم، بشراء شركة بريطانية في هذا الاطار بمبلغ 6.8 مليار دولار امريكي. ومن المفترض ان يدخل الاتّفاق الفعلي حيّز التنفيذ في 3 آذار (مارس)، ويعطي هذا الشراء الحق لشركة دبي القابضة في ادارة 6 موانئ امريكية مع مرافقها وهي: نيويورك، ميامي، الزابيث، فيلاديلفيا، نيواورليانز، وبالتيمور. وقد قام السياسيون في هذه الولايات والمنـــــاطق بدقّ ناقوس الخطر محذرين من وقوع منشآت حيوية في أيدي العرب ومطالبين بالغاء هذه الصفقة وصد موافقة بوش عليها ومنعه عبر القنوات القانونية والاعلام.أسباب التخوفاستنادا الي الجهات المعارضة لهذه الصفقة، فالسبب الرئيس في رفضها هو وجود اثنين من خاطفي الطائرات في عمـــــــلية 11 ايلول (سبتمبر) 2001 من التبعية الاماراتية، امّا السبب الثاني فهو التخوّف من ان تقوم الشـركة التي تملكها الامارات بتوفير مدخل للارهابيين سواء عبر الافراد او الأسلحة الي ارض الولايات المتّحدة الامريكية.هذا ويري آخرون انّ التخوّف يأتي من حقيقة انّ الولايات المتّحدة يدخلها اكثر من 9 ملايين حاوية سنويا وبحجم هائل، الامر الذي يعني انّ عددا ضئيلا من هذه الحاويات تخضع للتفتيش الدقيق والكامل وهو ما يشير بدوره الي امكانية قيام أي جهات تنوي الحاق الضرر بالولايات المتّحدة الامريكية بتهريب رجال او اسلحة للقيام بأي عملية داخل امريكا عبر هذه الحاويات خاصّة ان اكثر من يثير القلق هو امكانية تهريب اسلحة دمار شامل عبر أي من هذه الحــــاويات غير الخاضعة للتفتيش.هل هذه المسوغات منطقية؟بطبيعة الحال، يبدو انّ الولايات المتّحدة قد فقدت توازنها بشكل كامل بعد عمليات 11 ايلول (سبتمبر) واصبحت الآن تعاني من هلوسة امنيّة او فوبيا امن قومي ان صحّ التعبير وهذا ما ينعكس سلبا علي طريقة رؤيتها للأمور.يقول كيرك باتريك وهو احد الباحثين المساعدين في مركز الامن القومي للدراسات، انّ هذه الحجّة هي حجّة واهية ويسند كلامه هذا بالقول لو كان هذا صحيحا فلماذا لم يعترضوا علي ادارة الشركة البريطانية لهذه الموانئ الامريكية خاصّة انّ ريتشارد ريد الملقّب بصاحب الحذاء المتفجّر هو بريطاني الجنسية!!من وجهة نظرنا نستطيع ان نؤكّد ان المخاوف هذه ليست حقيقية وهي ان حصلت فستحصل بغض النظر عن جنسية الشركة المشغّلة او مقرّها او قدراتها وذلك لعدد من الأسباب منها:أولا: صحيح انّ هذه الشركات المشغّلة للموانئ ستتولي العمل في هذه الموانئ منها واليها، لكنّ مسائل الامن في الموانيء وتفتيش الحاويات وحراسة الساحل قبالة هذه الموانئ ستبقي من اختصاص السلطات الامريكية الرسمية.ثانيا: فيما يتعلّق بالعاملين في الموانئ هذه، فانّه علي الشركات التي تديــــــرها ومن بينها الشركة الاماراتية اذا حـــصل الاتفاق النهائي ان تختار العاملين من خلال جهتين امريكيتين حصريا (International Longshoremen’s Aociation (ILA)، وInternational Longshore and Warehouse Union (ILWA)) تؤمّنان لمثل هذه الشركات العمّال اللازمين لادارة وتشغيل الميناء وجميع العاملين دون استثناء من الأمريكيين ومهمّتهم نقل البضائع من السفن الي الميناء ومن الميناء الي الشاحنات والعكس بالعكس. ومن هنا نستطيع ان نري انّ الامريكيين سيكونون مسؤولين ايضا مباشرة عن نقل الامتعة من والي الميناء.ثالثا: انّ هنــــاك شركات اجنبــــية غير امريكية تدير عدّة موانئ امريكية ايــــضا، فلماذا لم تثــــار هذه القضيّة الاّ بوجه هذه الشـــــركة الامــــاراتية؟! ثم انّ هذه الشركة الاماراتية تدير موانئ في كل من ألمانيا، الصين، استراليا، وكوريا الجنوبية وفــــقا لتقرير محطّة سي. بي. اس الامريكيـــــة، ومع ذلك لم يعترض هؤلاء عليها استنادا الي مسألة الامن القومي.العولمة والتحرر التجاري ينقلب كابوسا علي امريكامن المعلوم انّ العولمة الهادفة الي التحرر نهائيا من القيود وفتح الاسواق وتدفق الاستثمارات تقودها الولايات المتّحدة الامريكية في هذا العصر، وجميعنا يعرف هراء الكلام القائل انّ ذلك يحقق منافع متبادلة بين الدول الرأسمالية الكبري والدول النامية او دول العالم الثالث صاحبة الموارد والطاقة واليد العاملة وكل شي، وانّ الولايات المتحددة وغيرها من الدول ما كان ليشجع ذلك لولا انّه غير مستفيد بشكل كبير وذلك عبر ممارسة نفوذه واغلاق الابواب امام الاستثمارات متي يشاء وحجز الاموال وتجميدها متي يريد. الامريكيون الآن يمرون في مرحلة ازمة امنيّة واخري اقتصاديّة كبيرة جدا وهم من هذا الباب بدأوا يلمسون انّ الشركات الاجنبيّة تغزوهم من كلّ حدب وصوب عملا بقاعدتهم الشهيرة حول تحرير الاسواق وعولمة الشركات، وقد انعكس ذلك علي نظرتهم وتصرفاتهم تجاه الآخرين، خاصّة انّ الولايات المتّحدة كانت قد منعت مؤخرا عبر قرار من الكونغرس شركة الصين الوطنية للبترول سينوبك من شراء اونكل النفطية الامريكية بحجّة انّ هذا الشراء يهدد الامن القومي الامريكي!وضمن هذا الاطار، يسخر الكاتب ديفد بروكس من الوضع في امريكا قائلا: شد انتباهي أن كثيراً جداً من البضائع الأجنبية المستوردة إلي بلادنا، يصنعها أجانب يتحدثون لغات أجنبية نجهلها، وأن الكثير من أنواع الحمص والخبز الذي يأتينا، إنما يصنعه العرب الذين تنتمي إليهم تلك المجموعة الإرهابية التي نفذت هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)! كما انتبهت أيضاً إلي الهيمنة الصينية المطلقة علي كافة الألعاب والدمي والمنتجات التي نستخدمها في تسلية أطفالنا.ولكل هذه الأسباب فلعله حان الوقت لصياغة مسودة قانون أنقذوا أطفالنا ضمن تشريعات الأمن القومي، شريطة أن يتخذ طابعاً عرقياً، يهدف ضمن ما يهدف، إلي منع المسلمين من شراء شركات إدارة الموانئ الأمريكية، وإلي منع الصينيين من شراء شركات النفط والشركات القومية المصنعة لألعاب الأطفال… إلخ. ولكي نوجز القول، فإن المطلوب لحماية أمننا القومي ونمط حياتنا الأمريكي، هو تنظيم حملة واسعة النطاق قوامها كره الأجانب ومعاداتهم، وهدفها إبراز وجهنا القومي الذي يؤكد للأجانب أننا لم نعد رهناً لأساليبهم الماكرة الخبيثة! وإن كنت ممن يجزعون لموعد انطلاق حملة كهذه، فلتكف عن الجزع طالما أن حمي الهستيريا القومية الانعزالية العامة قد اشتعلت سلفاً! .ألم يع الامريكيون انّهم هدّدوا ويهدّدون الامن القومي لجميع دول العالم دون استثناء عبر شركاتهم العابرة للقارات وتكتلاتهم الاقتصادية، ويتلاعبون بالقرار السياسي لهذه الدول ويبتزّونها متي شاؤوا؟! لقد حان الوقت للأمريكيين ان يعرفوا قواعد اللعبة جيّدا، فهل سيفهمون ذلك، ام سنري الولايات المتّحدة الامريكية بعد عشرين سنة تقف علي رأس الدول المطالبة بالحد من الحريات التجارية والاستثمارات عندما تصبح هي ضحيّة لها وسلطتها السياسية رهنا باصحاب هذه الشركات من الجنسية الصينية او الاوروبية او حتي الاسلامية؟!ہ باحث من الاردنwww.maktoobblog.com/alibakeer 8