صعود حماس نبع بالأساس من تقديرات وتوازنات اجتماعية

حجم الخط
0

صعود حماس نبع بالأساس من تقديرات وتوازنات اجتماعية

حركة فتح مثلها مثل حزب مباي الاسرائيلي فشلت سياسيا لاسباب مشابهة نتائج هذه الانتخابات التشريعية التي جرت في السلطة الفلسطينية أمسكت بنا كمفاجأة أحكمت يدها علينا، إلا انها مع ذلك يجب أن لا تكون مدعاة للقلق الكبير ولا لخلق حالة من الفوضي تؤدي بنا الي الشعور بالضغط الكبير، الأمر الذي سيدفع باسرائيل الي حالة من عدم الاستقرار عشية الاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة. إن صدور بيانات اعلامية أو القيام بخطوات سياسية من جانب الحكومة الاسرائيلية، والتي سوف تترجم علي انها فعاليات اعلامية ونشاطات سياسية انتخابية، وهذا لن يساعد أبدا في الحالة التي نشأت في أعقاب هذه الانتخابات، بل قد يمنع اسرائيل من استغلال الفرصة التي قد تكون سنحت أمامها للسير باتجاه واضح في طريق حل النزاع الطويل بين هذين الشعبين.حماس ترفع شعارين اثنين، الاول شعار سياسي ـ أمني، والآخر شعار اقتصادي ـ اجتماعي. وبطبيعة الحال فان اسرائيل (ساستها وفعالياتها الحاكمة وغيرها) تتركز فقط حول الشعار الاول، بينما الآراء والتكتل التي حظيت بها حماس في المناطق تتركز حول الشعار الثاني وليس الاول. وحسب رأيي، فان حماس لم تحقق هذا الفوز بسبب إصرارها ومواقفها السياسية ـ العسكرية الخاصة بها في هذا الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، بل ربما، وبالأساس، بسبب مواقفها وخططها الاقتصادية ـ الاجتماعية التي تعلن عنها وتنفذها، وكذلك الي حد ما بسبب السمعة النظيفة لزعماء الحركة الذين لم يتهمهم أحد بالفساد.وبتشبيه مماثل للاسباب التي تجمعت وأدت في نهاية الأمر الي إسقاط التجمع واخراجه من السلطة في اسرائيل في عام 1977، حيث اعتبر انقلابا في المجتمع الاسرائيلي، فان فضائح الرشوة والفساد والشعور بالابتعاد والتنكر لمصالح جمهور الناخبين وعدم تلبية احتياجاتهم ـ كل هذا ربما كان العامل الأكبر لخسارة فتح في هذه الانتخابات، لأن فتح فقدت الكثير من قواها الداخلية نتيجة لمثل هذه الاسباب الداخلية والاجتماعية، وليس فقط نتيجة لعلاقاتها مع اسرائيل واتصالاتها.زيادة علي ذلك، وكما أن مناحيم بيغن قد فاجأ العالم ايجابيا باستعداده واستطاعته توقيع معاهدة سلام مع مصر، حيث استغل حالة الاجماع الوطني للسلام مع مصر وتحديدا رغبة واستعداد اليسار الاسرائيلي ومطالبته بذلك، بما في ذلك الاستعداد للتنازلات الاقليمية التي أقدم عليها في تلك المعاهدة، كذلك الحال بالنسبة لحماس، فهي قد تستغل حالة الاجماع الوطني علي ضرورة التوصل الي الاتفاقات، وذلك من خلال شعورها بحجم المسؤولية التي أُلقيت علي عاتقها، ومن ثم أن تتخذ خطوات عملية (براغماتية) غير متسرعة نظرا لوجودها في السلطة (أو حتي بسبب الاستحواذ علي السلطة)، ولأنها ستشعر بوجود اجماع وطني علي ذلك يضم القوي الفلسطينية من اليسار ووصولا اليها كما حدث ذلك في اسرائيل في تلك الفترة. علي ضوء هذه المعطيات فانه يجب علينا أن نحكم علي حماس منذ الآن بناء علي ما يصدر عنها من مواقف فعلية، سواء علي الصعيد السياسي ـ الأمني، أو علي أي صعيد آخر، وليس بناء علي المواقف التي أعلنتها الحركة عشية الانتخابات.شخصيات وقيادات فتح، من جيل الكبار والقدامي، الذين جاؤوا من تونس، بزعامة أبو العلاء، والذين قادوا الشعب الفلسطيني ابتداء من اتفاقات اوسلو، هذه الفئة لم تقدم البضاعة الجيدة لشعبها، لا علي الصعيد الداخلي ولا الخارجي، وتجاوزت كل الخطوط، ومرت سريعا متجاهلة الاحتياجات الاجتماعية الحقيقية للفلسطينيين، بل إن انتقالهم الي هذه الحالة كان أسرع بكثير من انتقال زعماء حزب مباي الاسرائيلي الذي استغرق تحوله ذاك نحو ثلاثين سنة في السياسة الاسرائيلية. وحسب رأيي، فان التشابه موجود ايضا لاعتبارات خاصة بالقدرة علي خلق حالة الشرعية في الوجود، وهذا ما شاهدناه سابقا في اسرائيل عندما استطاعت احزاب مثل حيروت أو ميكي، التي دخلت الي الحكم في فترات معينة وهي غير متجانسة مع الاحزاب الكبيرة، دخلت في حكومات تقرر خلالها حكمها أخطر المواقف والمراحل السياسية الصعبة، كذلك الحال بالنسبة لحماس التي حاولت وتمكنت من شق وتحقيق شرعيتها ، وبعد أن تمكنت من ذلك، فانها لا شك ستعود لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالا في كل ما له علاقة بالنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. تحديدا، وفي مثل هذه المرحلة التي بات فيها الملاح قبطانا، والقبطان عنصرا ثانويا، فانه يتوجب علي المستشارين لشؤون الانتخابات علي اختلاف أنواعهم ومشاربهم، إظهار القدر الأكبر من المسؤولية الوطنية، لا الخروج علي الجمهور الاسرائيلي ببيانات واعلانات ومواقف قد تخدم الانتخابات القادمة علي المدي القريب، لكنها ستكون ضارة جدا لاسرائيل ومصالحها علي المدي البعيد في موضوع الصراع والتسوية السياسية التي يجب التوصل اليها عاجلا أم آجلا.يجب علي اسرائيل أن تختط سياسة جديدة، وأن تتخذ خطوات مدروسة ومتزنة إزاء ما نتج عن هذه العملية الديمقراطية التي جرت عند جيراننا، وأن تسمح للتحركات والتفاعلات الاجتماعية والسياسية داخل السلطة الفلسطينية ان تسير بصورة طبيعية كي يتضح نتاجها خلال الاشهر القليلة القادمة، وأن نحسب ونقيس خطواتنا استنادا الي الافعال الحقيقية والخطوات العملية التي تحدث، وأن نقيس ردود فعلنا بموجبها وليس بموجب أحاسيس واعتقادات سابقة أو بسبب برنامج انتخابي.عبري ووربينكاتب في الصحيفة(معاريف) 29/1/2006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية