يقف نتنياهو وغالانت وغانتس مرة كل بضعة أيام أمام الكاميرات ويلعبون أدواراً في مسرحية. يبدأ رئيس الوزراء بخطاب يمجد جنودنا الأبطال ومختطفينا الأحبة، خطاب فيه كل شيء باستثناء الصدق والمعلومات. ثم يلحق به كل من غانتس وغالانت. اللباس موحد، ثلاثة أطياف من الأسود، لكن لغة الجسد تدل على الفرق: غالانت وغانتس أخَوان؛ أما نتنياهو فلا يبدو كذلك. لعلها مسرحية أيضاً.
الخطاب كفاحي، وأساساً من جانب نتنياهو وغالانت. هو كفاحي أيضاً تجاه الإدارة الأمريكية. القاعدة، بقدر ما تبقى من قاعدة، تحب لزعيمها أن يلعب دور رامبو. أما الأفعال فتقدم كل على حدة. مثلما في قضية السولار، أو المساعدة الإنسانية، أو النبضات. الفعل ينسى. ويبقى الخطاب.
لأسبوع، دارت في الكابينت رحى الحرب والجدال على صفقة المخطوفين: غالانت ورئيس الأركان ورئيس “الشاباك” من جهة، وغانتس آيزنكوت ودرعي من جهة أخرى. الجدال مشروع. آمن غالات بأن حماس ستقترب من الانهيار بعد بضعة أيام أخرى من الهجوم البري. أعرب غانتس وآيزنكوت عن شكوكهما، ووضعا تحرير المخطوفين أولاً؛ أما غالنت والجيش فوضعا ضرب حماس في الأولوية.
ليس هذا ما يروونه للإسرائيليين في مؤتمر صحافي، إنما يروون لهم قصصاً عن هذا وذاك معاً، تصفية حماس وصفقة معها في الوقت نفسه؛ يروون لهم عن كابينت كله بالإجماع وأعضاؤه غارقون في الحرب فقط، وليس في السياسة. لا أحد يصدق، لكن المراد هو خداع قسم كبير من الإسرائيليين. فهذا مريح أكثر.
صفقة المخطوفين تضع أمام الكابينت اختباراً عسراً: حياة 50 إسرائيلياً، وما إذا كانت هناك صفقات أخرى على الكفة. محظور للحسم أن يكون مصاباً بمصلحة شخصية أو سياسية. فالحديث يدور عن مصائر أرواح.
لعلني مخطئ بمشاعر مبالغ فيها، لكن التفكير في 40 طفلاً محتجزين لـ 45 يوماً في أيدي إرهابيين لا يتركني. مطر شديد يهطل: أهم محميون من المطر؟ من السيول؟ من المجاري التي طافت؟ من النار؟ هل يأكلون حتى يشبعون؟ هل النساء محميات؟ وماذا عن المرضى والشيوخ؟ وحكومتي التي تركتهم لمصيرهم في بيوتهم أول مرة، ألن تتركهم لمصيرهم مرة أخرى؟
لا أدري ما الذي يثقل على ضمير نتنياهو، لكنه ملزم بأن يفهم أن للمنصب الذي يصر على تبوّئه ثمناً. لا توجد وجبات مجانية منذ 7 أكتوبر.
ليس لنا حكومة بمعان أخرى. وهاكم مثالاً واحداً، من طيات الحكومة الحالية:
في 2008 سن تساحي هنغبي الذي كان في حينه نائباً في كتلة “كديما”، قانون هيئة الأمن القومي. “القانون الجديد يشكل ثورة حقيقية في مجالي الخارجية والأمن”، أعلن هنغبي في حينه. “وإن منح المكانة والأدوات لهيئة الأمن القومي سيمنع مواضع خلل وعلل انكشفت في حرب لبنان الثانية”. كان الطموح عظيماً: إن مهمة الهيئة هي، حسب القانون، “فحص مفهوم الأمن الإسرائيلي وعرض تحديثات له، وعرض بدائل حول مواضيع ترتبط بالأمن وتفعيل مركز للأزمات الوطنية”.
هنغبي، الذي أخفق في انتخابه للكنيست عن قائمة الليكود، تلقى في الحكومة الحالية تعويضاً؛ فهو يتولى اليوم رئاسة هيئة الأمن القومي ومنصب مستشار الأمن القومي. حتى اليوم، تولى هذا المنصب جنرالات كبار أو رؤساء أقسام في الموساد. هنغبي هو السياسي الأول. هو سياسي قديم: مرتبط بالأبهة، وبالإعلام.
الآن، عقب قصور 7 أكتوبر والفوضى التي تلته، فالقانون الذي عمل عليه هنغبي، يعود عليه كسهم مرتد. سيكون أول من يستدعى إلى لجنة التحقيق، إذا تشكلت مثل هكذا لجنة. “وعدت بأن تمنع مواضع الخلل والعلل من حرب لبنان الثانية”، سيقول له رئيس اللجنة.
سيحتاج هنغبي إلى محام خبير. وإذ ضاقت عليه الأمور تحول منذ بداية الحرب إلى الناطق بالوكالة عن مكتب رئيس الوزراء، الموازي السياسي للناطق العسكري، فهل هذا ما قصده قانون هيئة الأمن القومي؟ لا أعتقد. أقرأ بين الحين والآخر نبأ مشكوكاً فيه على لسان “مصدر سياسي كبير” أو على لسان “مصدر أمني كبير”. لا يدور الحديث عن رئيس الوزراء، أو وزير الخارجية، أو وزير الدفاع أو رئيس الأركان. فهل سيكون المصدران السياسي والأمني هما المصدر ذاته؟
في تفكير ثانٍ، إذا كان بوسع إيتمار بن غفير أن يكون وزير الأمن القومي، إذاً يمكن لتساحي هنغبي أن يكون رئيس هيئة الأمن القومي. عندما لا تكون حكومة، فكل واحد حكومة.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 20/11/2023