بينما إسرائيل على مسافة خطوة من المناورة البرية في جنوب لبنان، وحزب الله في النقطة الأشد حرجاً، يعود السؤال: كيف ستقرر إيران الرد على سلسلة الضربات التي وقعت عليهم في الأسبوعين الأخيرين وعلى رأسها تصفية حسن نصر الله؟
حتى الآن، اللغة التي صدرت عن طهران بثت رسالتين متضاربتين: من جهة، التزام بالوقوف إلى جانب حزب الله والثأر، بالمقابل تجنب حرب إقليمية تحدث نتائج بعيدة الأثر لنظام متطرف وليس محبوباً مثل ذاك الإيراني.
ربما لا يعرف الإيرانيون كيف يسووا بين الإرادات المختلفة. قد تخشى طهران من تعريض البنى التحتية المدنية للخطر، ما قد يحصل إذا ما ضربوا منشآت استراتيجية في إسرائيل. قبل أسبوعين، وقعت مسيرة مشوقة: تحول حزب الله من ذخر إيراني في مشروع خنق إسرائيل، إلى عبء يحاولون الابتعاد عنه.
مع ذلك، انقلاب الجرة في ثقة إسرائيل الذاتية يصل مطارح إشكالية. صحيح أن هناك مجالاً للبحث في مسألة هي كانت مبالغة في تقدير قوة حزب الله، لكن لا يجب الاستخفاف بالقدرات والوسائل المتبقية لديه. يدعي الجيش يدعون بأن خوض حملة برية ستشكل تحدياً دراماتيكياً للقوات البرية التي ستصطدم بجيش مجرب في ساحته البيتية.
كما أن لحزب الله قدرة لإلحاق أضرار جدية لامتلاكه قوة نار صواريخ وقدرته على إطلاق المُسيرات.
تسود في حزب الله الآن فوضى حقيقية وإحساس جنون الاضطهاد: جنون الاضطهاد مبرر. ثمة فقدان تام للثقة بكل شيء – من الأجهزة وحتى البشر. والمنظمة تسأل أسئلة قاسية وتنتظر التوجيه الإيراني. أو بثلاث كلمات: لا وضوح في بيروت.
واضح تماماً أن لمنظمة ستبلور في مرحلة ما هيئة أركان جديدة وسينشأ جهاز جديد لاتخاذ القرارات وسيجتهد الحزب لاتخاذ وسائل تحفظ أكثر نجاحاً. عندها، يأتي الأمر بإطلاق رشقات ثقيلة.
وعليه، يستغل الجيش الإسرائيلي نافذة الفرص لمواصلة معالجة المستويات الوسطى في حزب الله: “رئيس منظومة الصواريخ الوسطى” الذي صفي مثلاً، المسؤول عن الصواريخ التي تصل إلى مدى 200 كيلومتر؛ أي تغطية معظم الدولة بالنار. إخراج مثل هذا الضابط من المعادلة يمس بمعرفة حزب الله التنظيمية التي تعرضت لضربة شديدة مع تصفية قادة مثل علي كركي وإبراهيم عقيل وسيد محسن.
“وجود بدائل لهؤلاء الأشخاص ليس سهلاً”، يقول الجيش الإسرائيلي. “كانت في رؤوسهم معركة كثيرة يفترض أن توضع تحت تصرف المنظمة وقت الحرب. بالمقابل، كل أنواع الأفكار الخيالية التي تنطلق لدينا التي لم تستوعب بعد ثمن عدم الاكتراث والغرور، فيما يتعلق بالتفكيك المطلق لحزب الله، لا تتوافق مع الواقع.
محافل رفيعة المستوى في شعبة الاستخبارات تذكر بأن حزب الله ليس نصر الله وعدة جنود آخرين، بل منظمة جهادية متجذرة وراسخة جداً في لبنان كله. والتخفيض الدراماتيكي في مكانتها الإقليمية وإن كان قاسياً ومفاجئاً، لكن للمتزمتين المتدينين ميلاً للنهوض من الحطام ونفض الغبار والقتال بكل ما يتوفر حتى قطرة الدم الأخيرة.
وعليه، من المهم أن نفهم بأن الحرب ضد حزب الله ليس لعبة مبلغها الصفر: تصفية قدراتها الاستراتيجية التي وصلت حسب تقدير الاستخبارات لدرجة التهديد الوجودي، بات هدفاً مهماً جداً. ولتحقيقه، لا حاجة للمخاطرة بالمقاتلين حتى تصفية المخرب الأخير، بل المناورة بشكل مركز وحاد وناجع.
لن يكون هذا عملاً بنمط ثقافة يوم الأحد: فالمقاتلون الذين سيطأون هذه الأرض اللعينة سيصطدمون بالعبوات والسيارات المفخخة ومضادات الدروع؛ ستدفع أثماناً باهظة. لكن في الأسبوعين الأخيرين، نتعلم ما الذي يقدر عليه الجيش الإسرائيلي في الحرب التي خطط لها.
هل هذا صحيح؟ مرغوب فيه ألا نقفز إلى الاستنتاجات: حزب الله ربما يتعرق مثل نائب الأمين العام في خطابه الفزع أمس، لكن مشكوك أن يكون هو والإيرانيون قالوا الكلمة الأخيرة.
لهذا السبب، تثور أهمية مناورة برية محدودة آخذة في الاقتراب وفقاً لتقارير أمريكية وتلميحات إسرائيلية واضحة.
الإنجازات أعادت الحمرة إلى وجنات رجال الاستخبارات الذين يظهرون كيف نجح الإعداد والاستعداد لسنوات طويلة منذ حرب لبنان الثانية، في خلق مصادر مختلفة ومتنوعة وحتى عاصفة بهدف الوصول إلى هذه اللحظة التي تفقد فيها منظمة شريرة كحزب الله الرأس، بكل معنى الكلمة. لكننا نحتاج إلى عملية برية لإعادة السكان إلى بيوتهم.
إن المعلومات الاستخبارية التي وفرتها الوحدات الخاصة التي أرسلت إلى هناك، كما أفادت أمس “وول ستريت جورنال”، هي مجرد استعداد لفهم حجم العملية اللازمة. وسيقوم المقاتلون الآخرون بباقي المهمة. “محظور تكرار أخطاء الجولات في غزة”، يقول مصدر في قيادة المنطقة الشمالية، حيث يدفعون باتجاه الحملة البرية “هناك امتنعنا عن تدمير بنى تحتية لحماس خوفاً من إدخال المقاتلين. وهكذا تركنا سكان النقب الغربي لمصيرهم”.
يوسي يهوشع
يديعوت أحرونوت 1/10/2024